31/10/2010 - 11:02

حقيقة الأمم غير المتحدة!../ محمود المبارك*

حقيقة الأمم غير المتحدة!../ محمود المبارك*
الإطلالة القصيرة التي غمرنا بها الأمين العام للأمم المتحدة عبر هذه الصفحة يوم الخميس الماضي (الإشارة إلى صحيفة الحياة) أثارت قلقي من حيث تفكير الرجل الذي يترأس أعرق منظمة دولية في العالم!

ففي الوقت الذي كان يتوقع فيه أن يجيب الأمين العام للمنظمة الدولية الأم، على الخطاب الموجّه إليه مباشرة، الذي تقدم به عدد من القانونيين العراقيين في الثامن من هذا الشهر، حول ما تقوم به بعثة منظمة الأمم المتحدة في العراق، من إجراءات مخالفة لنصوص ميثاق الأمم المتحدة والقوانين والأعراف الدولية، من فرض ترسيم الحدود استجابةً للضغوط الأميركية، وبدلاً من أن يتقدم صاحب أعلى منصب ديبلوماسي في العالم بتعزية ومواساة للعالم العربي على تفريط المنظمة الدولية في حقوق الأمة العربية عبر ستة عقود، يفاجئنا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، عبر مقاله - الذي حمل عنوان: «الأمم المتحدة الحقيقية» - بمحاولة تحسين صورة منظمته التي فقدت ما تبقى من صدقيتها قبل وصوله إليها، ليجعل من نفسه كمن يزيد في وضع أصناف الماكياج على وجه العجوز القبيحة التي أكل الدهر عليها وشرب، لتزداد قبحاً على قبحها!

وعلى رغم أنه من المعلوم بداهةً عند رجل الشارع، أن من يريد التحدث إلى الأمة العربية عليه أن يهتم بشؤون وشجون أمة العرب، إلا أن الخبير الدولي - لسبب قد لا يخفى - لم يشر في مقاله المقتضب، لا من بعيد ولا من قريب، ولا بطريق مباشر ولا بطريق غير مباشر، إلى أيٍ من مشكلات أمة العرب العاربة والمستعربة، على رغم أنها تملأ أروقة ودهاليز منظمته! ولست أدري كنه توجيه خطابه الى قراء العربية، إذا كان لا يود الحديث عن فلسطين أو العراق أو السودان أو الصومال أو غيرها!

بل إن الديبلوماسي الأممي، من حيث يدري أو لا يدري، أثار حفيظة قرائه العرب حين تحدث عن جهود منظمته في إطلاق سراح «الجنود الأطفال» الذين جُندوا أو اختطفوا للمشاركة في حروب العصابات في كل من جمهورية الكونغو الديموقراطية وتايلاند وسيراليون، من غير أن يأتي على ذكر الأحداث الذين يقبعون في السجون الأميركية، سواء في غوانتانامو أم أفغانستان أم العراق!

وبغض النظر عن الفظائع التي ارتكبت في غوانتانامو، حيث «مقبرة القانون الدولي» كما أطلقت عليها من قبل، فإنه من باب أن «الشيء بالشيء يذكر»، ربما كان حرياً بالأمين العام الذي أبدى رحمة إنسانية لـ «الأطفال المحاربين» حين تحدث عن جهود منظمته لإخلاء سبيلهم، ربما كان حرياً به، في الوقت نفسه، أن يشير ولو من بعيد إلى معتقلي غوانتانامو من الأطفال، حيث يقبع عدد من الأحداث الذين لا تزال الولايات المتحدة تعتقلهم من دون توجيه أي تهمة لهم! إذ أنه من غير اللائق الإعراض عن ذكر مأساة هؤلاء الذين مرّوا بأصناف العذاب المحرم في جميع الشرائع والقوانين الدولية، في حين يبدي الأمين العام شفقته ورحمته على بقية أطفال العالم المحاربين!

أليس معتقل غوانتانامو أقرب جغرافياً إلى مقر البناية الزجاجية بنيويورك من جمهورية الكونغو أو تايلاند أو سيراليون؟ أم أن نظر الأمين العام الثاقب يشكو من مشكلة «بُعد نظر» فيرى البعيد ولا يرى القريب! وإذا كان الأمر كذلك، فأين بُعد نظره عن «الجنود الأطفال» في العراق الذين سبق أن اعتقلت الولايات المتحدة أكثر من 2500 طفل منهم منذ غزوها العراق، ولا تزال تحتفظ بأكثر من 500 طفل، كثيرون منهم معتقلون من دون تهم؟!

أين سمع وبصر سيادة الأمين العام عن التقرير الصادر قبل أسبوعين عن اللجنة التابعة لمنظمته الخاصة بحماية الأطفال، الذي أشار إلى أن الأطفال المعتقلين في السجون الأميركية في العراق وأفغانستان وغوانتانامو، يتعرضون لمعاملة «وحشية وغير إنسانية ومهينة»؟!

الأمر الذي يثير تساؤلات في ذهن المواطن العربي: هل «الجنود الأطفال» ليست لهم حقوق في ميثاق منظمة الأمم المتحدة إذا كانوا عرباً أو مسلمين؟! أم أن «إنجازات» المنظمة الدولية التي يتغنى بها صاحبنا تتوقف عند الحدود الأميركية؟!

وبمناسبة الحديث عن أطفال العالم المضطهدين، فهل كان سيادة الأمين العام يغط في سبات عميق حين قامت جمعية «آرش دو زوي» باختطاف أكثر من مئة طفل من دارفور بطريقة تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية فضلاً عن القوانين والأعراف الدولية؟! لماذا لم ينبس الرجل المؤتمن على حفظ الأمن والسلم في العالم - الذي يقحم نفسه في ما يعنيه وما لا يعنيه، حين يسارع في شجب أي عملية «إرهابية» يقوم بها عرب أو مسلمون في أي صقع في أرجاء المعمورة - بمجرد بيان «إدانة» أو «شجب» أو «استنكار» لهذه الجريمة البشعة؟! أم أن أطفال دارفور لا يستحقون النظرة الحانية من منظمة الأمم المتحدة وأمينها العام؟!

وما دمنا في خضم الحديث عن الأطفال، فإن السؤال الذي يحسن توجيهه إلى صاحب الكلمة المسموعة في العالم هو: ماذا عن أطفال غزة المحاصرين منذ عام يا سيادة الأمين؟ هل وصلت صرخات أطفال غزة - الذين يموتون بسبب منع الدواء والغذاء - إلى سمعك بعد؟! أم أن العقد السابع من عمرك قد يحوجك إلى سمّاعات للأذن؟!

وماذا عن التقرير الصادر يوم الإثنين الماضي، عن المحقق الخاص المعيّن من الأمم المتحدة البروفيسور ريتشارد فولك، للتحقق من «أثر السلوك الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية»، حين شبه التقرير سلوك إسرائيل تجاه غزة بسلوك النازيين الألمان إبان الحرب العالمية الثانية؟ هل وجد معاليه فرصة لقراءته بعد؟ أم أنه فاته ذلك بسبب «زحمة العمل»؟!

واقع الأمر أن منظمة الأمم المتحدة وأمينها والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، قد أخفقوا كل الإخفاق في تحقيق أدنى درجات العدل أو السلم والأمن بين الأمم. أما عن قوات حفظ السلام التابعة لمنظمته، أو «جيش الأمم المتحدة» كما يحلو لصاحبنا أن يباهي به، فلعله من نافلة القول إن الأمم المتحدة لم تكن قادرة في يوم من الأيام على إيجاد السلام، فكيف بالحفاظ عليه؟!

أما الأمر الذي ابتدأ وختم السيد مون به مقاله، فهو الرد على الزعم القائل بأن الأمم المتحدة ليست سوى منبر خطابي، إذ يجزم السيد مون، أن هذه الخطابات قد تسببت في تغييرات عدة في العالم، وأن هذه التغييرات ما كانت لتكون لولا فرصة الخطابات التي تهيئها منظمته!

وعند هذه النقطة، أعلن موافقتي وتأييدي لما أدلى به سعادته. إذ إنه بسبب الفرصة الخطابية التي أتيحت لوزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول في مجلس الأمن، الذي أعلن «كذبة القرن» - كما سميتها من قبل - المتعلقة باتهام العراق بالحصول على أسلحة الدمار الشامل، استطاعت الولايات المتحدة عمل التغييرات «التاريخية» في العراق، التي لا أظن أن المنظمة تتشرف بذكراها، إذ من ذلك الخطاب وبسببه أطلقت الولايات المتحدة الرصاص على ميثاق الأمم المتحدة منتهكة بذلك المادة 2(4) التي هي روح القانون الدولي المعاصر، حين قررت غزو العراق! وللتذكير فقط فإن سلفك يا سعادة الأمين على رغم مداهنته السمجة للولايات المتحدة، سبق أن أقر رسمياً بمخالفة الغزو الأميركي - البريطاني لميثاق الأمم المتحدة.

خاتمة القول إن الخطاب الذي وجهته أيها الأمين، لم يكن سوى دعاية إعلامية رخيصة، لا يليق بشخص مثلك أن يتبناها! وقد كان الأولى بك أيها الأمين أن تقدّر ذكاء الشعوب العربية، التي لم تعد تنطلي عليها دموع التماسيح التي تذرفها أنت ومنظمتك العالمية!

وإن كل ما تريده الشعوب العربية من منظمتك هو أن تكف عن التدخل في شؤون دولها، كما لا تنسى أن تطلب منك أن تكف عن إطراء منظمتك.

وإخوتك العرب الذين لم ينسوا هرولتك حين وليت هارباً بعد سماع دوي انفجار على مقربة أمتار من مقرك الصحافي في المنطقة الخضراء في بغداد قبل عام يريدون منك أن تهرول بالطريقة نفسها في الإعراض عن الحديث عن المنظمة المارقة على القانون الدولي!
"الحياة"

فيما يلي المقال المشار إليهكثيرا ما يعتبر من ينتقدون الأمم المتحدة أنها "منبر خطابة" لـ192 دولة حيث تسود المقولة المشهودة "لا مسألة أصغر من أن تناقش إلى ما لا نهاية".


بيد أن الأمم المتحدة الحقيقية، التي لا يكاد يراها عموم الناس، هي منظمة عملية. فهذه المنظمة تغذي 90 مليون شخص في أكثر من 70 بلدا. وتزيل من الوجود أمراضا موهنة من قبيل الجدري وشلل الأطفال وتلقح 40 في المئة من أطفال العالم. وهي توفر سنويا مساعدات اغاثة في حالات الطوارئ بقيمة بليوني دولار، وتتعهد ثاني أكبر جيش في العالم - وهو قوة عالمية لحفظ السلام قوامها 120 ألف رجل وامرأة من الشجعان الذين يذهبون حيث لا يقدر غيرهم أو لا يرغب غيرهم.

وفي رحلاتي التي أقوم بها إلى أصعب الأماكن في العالم، أحاول دائماً أن ألتقي من هم وراء هذه الوقائع والأرقام. وقد قمت أخيراً خلال مهرجان سينمائي نظم في جاكسون هول بوايومنغ، بتقديم بضعة منهم لكتاب سيناريو ومخرجين في هوليوود يرغبون في معرفة المزيد عن الأمم المتحدة.

وكانت من بينهم سيدة كندية شابة تعمل في "اليونيسيف"، هذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة المكرسة لحماية الطفل وحقوقه في جميع أنحاء العالم. اسم هذه المرأة برنيل أيرنسايد وعملها يكمن في الذهاب، برفقة فرقة صغيرة، إلى البراري الشرقية لجمهورية الكونغو الديموقراطية حيث تواجه أمراء الحرب وتطالبهم بإطلاق سراح "الجنود الأطفال" من الفتيان وأحيانا من الفتيات في سن الثامنة أو العاشرة الذين جُندوا أو اختطفوا للمشاركة في حروب العصابات التي تمزق البلد منذ أمد طويل. وكثيرا ما يحالفها النجاح. وخلال السنوات القليلة الماضية، أمنت بعثة الأمم المتحدة في هذا البلد الإفراج عن 32 ألفاً من أصل 35 ألف طفل مقاتل تم تقدير وجودهم هناك. وتأمل برنيل أن تتمكن من اخلاء سبيل البقية بحلول نهاية هذا العام.

وكانت من بين من التقيتهم أيضا كاتي أوستن، وهي خبيرة في الأمم المتحدة في مجال الاتجار بالأسلحة، أمضت معظم العقد الماضي تتعقب مهربي الأسلحة العاملين في جمهورية الكونغو الديموقراطية وفي مناطق نزاع أخرى بأفريقيا. ونتيجة جهودها الحثيثة جزئيا ألقي القبض أخيراً على القائد المزعوم لإحدى كبريات شبكات الاتجار في العالم، فيكتور بوت، بتهمة الإرهاب في تايلاند.

أما إسماعيل بيه، وهو من المدافعين عن الأطفال المتأثرين بالحرب في "اليونيسيف"، فحكى قصة حياته كجندي طفل خلال الحرب الأهلية التي دامت عقدا من الزمن في سيراليون. فبفضل برنامج للأمم المتحدة للتأهيل، لم ينج هذا الشخص فحسب بل نجح في الذهاب إلى الولايات المتحدة حيث التحق بكلية أوبرلين وكتب أحد أكثر الكتب رواجا عن تجاربه.

وحكت مارياتو كامارا، وهي امرأة شابة من سييراليون، قصتها أيضا. ففي سن الثانية عشرة، قتل المتمردون والديها وقطعوا يديها، على غرار ما حدث لألوف عدة من الأطفال. وقد نجت كذلك بمساعدة الأمم المتحدة. وهي الآن تعيش مع أسرة تبنتها في تورونتو وتتابع دروسها في إحدى الكليات. وتعود بين الفينة والأخرى إلى بلدها الأصلي لتحكي قصتها وتعرّف بنشاطات "اليونيسيف".

وفي أثناء زيارتي لغرب أفريقيا في الربيع، رأيت فرق الأمم المتحدة في ليبيريا وهي تعمل جاهدة لمساعدة الحكومة على استعادة أبسط الخدمات الاجتماعية بعد سنوات من الحرب. وفي شاطئ العاج التقيت مستشاري الأمم المتحدة الذين يساعدون دولة مزقها النزاع على إجراء انتخابات وعلى بدء عهد جديد من الديموقراطية. وفي بوركينا فاسو، جنوبي الصحراء الزاحفة، دأبت الأمم المتحدة على توفير مولدات تعمل بالديزل للقرى الريفية التي لا تنعم بالطاقة الكهربائية.

أحيانا أتساءل كيف أمكن لي أن أحظى بامتياز المشاركة في هذه المؤسسة النبيلة، وأنا الفتى الذي ترعرع ضمن أفقر الكوريين في قرية دمرتها الحرب، في أسرة لا تعرف أبداً من أين ستأتيها وجبتها المقبلة.

أما في ما يتعلق بمنبر الخطابة في مقر الأمم المتحدة فلنتذكر أن الكلام أحيانا له وقعه. فالكلام هو الذي أمن انتشار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في 18 بلدا في أربع قارات. وهو الذي يحشد المال ويقرر البرامج التي تغذي العديد من الجائعين في العالم. وهو وراء اتخاذ الخطوات الأولى نحو التصدي لتغير المناخ، وأزمة الغذاء العالمية، ومواجهة الأزمات الإنسانية كل يوم.

التعليقات