31/10/2010 - 11:02

حنظلة الشاهد على الذبح وأنظمة تتحسس رؤوسها.. وجمهور يراد له التدجين/ ناصر السهلي

-

حنظلة الشاهد على الذبح وأنظمة تتحسس رؤوسها.. وجمهور يراد له التدجين/ ناصر السهلي
ويظل حنظلة ،السابق لعصره، شامخا حتى بعد أن فعل كاتم الصوت ما فعله بأبيه وأمه.. فهاهو يقفز بيننا مديرا ظهره تارة ورافعا قبضته تارة أخرى حتى في مشهد الذبح الغزاوي .. يستهزأ بكل مشاهدنا وأفلامنا وصراخنا الفردي والجماعي.. نعم، إنه حنظلة الفلسطيني الذي ما توقف دماغه عن التفكير حتى حين ُضرج دماغ أبيه بالدم الأحمر في لندن.. وما توقف عن إستفزاز عقولنا التي نهرش ويهرش غيرنا بحبر دام ليحافظ على إمتياز وربطة عنق ومقدمة لا تشبه المؤخرة العارية.. وراتب شهري يقطر منه دمنا نحن على مذبح الانتهازية التي تحولت الى فضيلة ثورية في زمن الشقلبة والانقلاب والارتداد والتبرير المخادع للذات قبل الآخر.. وما إنخدع حنظلة يوما رغم كل التذويقات والمنمقات التي يجيدها رهط وقف ويقف في الطابور( وأنا لم أقل أي رقم عن هذا الطابور حتى لا يعتبرني البعض طابورا خامسا) مكشرا عن أنيابه ومنظرا عن الواقعية والعقلانية وضرورات التعاطي مع "المنعطف الخطير".. تبرير سخيف آخر، هو المنعطف، لتسير القضية إلى حيث يريدها من راقبهم ويراقبهم حنظلة.. وقد يسألني البعض عنهم.. ولأنني أحب الصراحة حتى الموت فلا جواب ولا أسماء ولا عناوين.. الجواب يكمن في هرش الرأس وهز الدماغ قليلا ليكتشف كل من يسأل عن أي نوع من البشر أتحدث.. وهم بيننا، حناجرهم مدربة وعقولهم مسخرة ( بضم أو فتح الميم، فالأمر سيان) لترديد النشيد الصباحي لدرس الذبح المتواصل والمبرر بكل اللغات والألوان!

قد أكون متيقنا من أن هوغو تشافيز لا يدري أنه في عقل حنظلة يحتل مكانة لا تحتلها جهات العرب الأربعة.. لكنني متأكد من أن من يرفع صورته وعلم بلاده فنزويلا بسبب فعلة لم يجرؤ عليها غيره.. وإن قالت موجات البث كلها ما قاله الممسكون بخيوط الذبح عن "تحول العالم إلى لوبي لحماس"... لا أتردد إذا ما قلت بأن الخيوط ليست حكرا على الطبقة السياسية الحاكمة في تل أبيب.. بل تتعداها في تحالفات أضحت صارخة وغير قادرة على ممارسة التمويه أبدا..
في علم الأخلاق المتنوع.. السياسي والاعلامي والعسكري والديبلوماسي.. لا أحد يمكن أن يزايد على ما تردده تسيبي ليفني ودوري غولد وبنيامين بن أليعيزر ومئير شطريت وأفيخاي درعي.. وكل القائمة العربية المنضوية في كومبارس جوقة التبرير والتحريض.. بإختصار شديد، ها نحن نتعلم بأن إسرائيل فوق كل الأخلاقيات.. فكما يرددون : لا أحد في العالم يحق له أن يعلمنا الأخلاق!.. وبالطبع لا أحد في العالم يحق له مسائلة هذا الاستخفاف بقيمة البشر في غزة.. لا من حيث الكم ولا النوع.. ولا حتى في استخدام كل المحرمات والموبقات المشفوعة بأكاذيب لطالما رددتها جوقة كومبارس عربية وغربية.. فجأة يتحول كل الذبح الممارس بالفوسفور الابيض إلى نقاش عن الأخلاق العسكرية وعما إذا كان ضروريا أن يمارس الذبح الجماعي بالوسائل التي تحيل البشر إلى كتل من الاشلاء أو بقايا متفحمة..
في ذلك العلم والدرس الأخلاقي الذي ينقاد البعض إليه طوعا يتأرجح النقاش حول طريقة الذبح، والمذبوح "حماس".. لذا لا تناقشوا كم طفلا وامرأة وشيخا تعمدت أخلاقيات بيريس ،صاحب جائزة نوبل، أن تصور المشهد كما يصوره أولمرت وباراك.. فعلى حدود الجثث ثمة مبررات يقبلها النظام الرسمي العربي.. طالما أن الحديث مستمر بعد اسبوعين من الدمار والذبح بحجة قسمة على اثنين.. معتدل ومتطرف..
وفي الوصف الدقيق للتطرف كان حنظلة ذات يوم من آذار 1986 يراقب المشهد المخزي لهذا النظام العربي الفرح جدا بقرار.. وهو كذبة كبرى بتسميته.. صادر عن مجلس أمن طالما كان النظام الرسمي العربي ومن يدور في فلكه يعتبره أكثر قداسة من عروشهم وكروشهم.. نعم القرار 1680 الداعي لـ" وقف إطلاق النار"! وفي ذاكرة حنظلة يركب النظام الرسمي حمارا يطالبه الاسرائيلي " ركبني على حمارك" وفي الحالة الثالثة، بعد أن صار الاسرائيلي يصرخ "حمارنا تعب"، ما تردد في الطلب من هذا النظام الرسمي قائلا " إنزل عن حمارنا" والحمار يلوك صحيفة عربية عنوانها الرئيس "الاستراتيجية العربية"..

وفي آذار 1987 كانت يدا حنظلة تتشابك وهو يدير ظهره لنا متأملا فلسطينيا بلفافة تبغ في فمه في لوحة "الدعارة السياسية" وتعليق بسيط " كل فلسطيني متهم حتى يرضخ"!
ترى هل تسقط القنابل "الذكية" لتفرق في غزة بين فلسطيني وآخر؟
أعود إلى الرهط الذي ذكرته في المقدمة لأجد الإجابة: نعم! هي كذلك في التعري السياسي والاستراتيجي.. والثقافي لو شئتم.. أما مسألة "الإرضاخ" فهي أبعد ما تكون عن العقل الذي يهرش بالدم الأحمر للحفاظ على المؤخرات العارية... ومن يقول بغير ما تقوله الجوقة عن ضرورة المقاومة مثلا، بدل الطحين وتفسير الماء بالماء يصبح محرضا ويصير مخربا .. لا أستغرب أن يصيبك كما يصيبني غثيان حاد من جوقة نزقة معجبة بنفسها حد التأليه.. مصرة على أفكارها ولو تناقضت حتى مع غريزة الحيوان بالدفاع عن نفسه.. مصرة على لوك التبريرات..
قد لا يعجبها.. تلك الطبقة السياسية والتنظيرية المسماة "مثقفة" أن تسمع إلا ما يتماشى مع تهيؤاتها.. لكن أمام هذا المشهد الدموي ما عاد للصمت فائدة ولا للتنظير الأجوف أمكنة.. كتل اللحم البشري وسيل الدم المخضب بأرض تتحول إلى سجون ومعتقلات فاقت اللامعقول لا تسمح بكثير من أدب الكلام ولا الرجاءات والدموع..

في أيار 1986 يقف النظام الرسمي العربي عاريا يقرأ عنوان الجريدة " التضامن العربي" وبقية الشلة بمظهرها المتكرش والمنتفخ تسأل السائل"..إذا إسرائيل هجمت على سوريا لازم نهجم" بسؤال فاضح " وضح كلامك نهجم على مين؟؟!".. ولم يكن حنظلة بعيدا...
ترى ما الفرق بين لوحة بريشة عبقري ولوحة النظام الرسمي في المشهد الدموي في غزة؟ ألم يتضح الكلام في الجواب على سؤال "نهجم على مين؟؟!".. أعتقد أن ساذجا لا يمكنه فهم المقصود..

هل أرهقتكم؟
تحملوا حنظلة ولا تتحملوني.. فلم يعد مهما الإدعاء " بنفاذ صبركم"..
في يناير، يعني تماما في مثل هذه الأيام من 1987 يرقب حنظلة فلسطينيا.. عربيا.. سمه ما شئت.. يحمل منجلا وعلى ظهره عبارة تعريف " نحن" بالعربية وWE لمن لا يفهم الفرق بين هذه وتلك.. المنجل يحصد بابتسامة وفرح كل سنابل "أنا" في حقل الأنانية التي نعيشها.. فهل تغيرت؟

الجواب ليس بصعوبة المشهد المفضوح.. فقد جاء في لوحة يوليو/ تموز 1987 وقامته المتكرشة وربطة العنق تصل قدميه ينظر الرسمي إلى الأعلى ليسأل ذات الفلسطيني بابتسامة ساخرة ،النحيل الجسد وعاري القدمين ولفافة التبغ ما زالت في فمه وحنظلة في الجهة اليسرى من آخر اللوحة، " إنت ضفاوي أو غزاوي؟" بكل برود يجيء الجواب " أنا فلسطيني".. فلا يكتفي الرسمي " فلسطيني أو أردني" وربما بقرف من السؤال يجيبه " عربي".. يتشاطر المتكرش الرسمي " فيك تعرف الآن عدوك من صاحبك".. تتطاير إشارات الاستفهام من رأس ذلك الفلسطيني النحيل بينما يستدير المتكرش إلى حنظلة قائلا: أفحمته!!...
في 2009 ما عاد الأمر فيه تذاكي ولا "إفحام".. فقد انجلت الصورة تماما.. وإن كانت تكلفتها الدموية غاز وهراوى وزنازين ومياه وفشك واستقواء أعمى براتب ولي النعمة.. لكنه بكل تأكيد مشهد لم يكتمل.. رغم كل التراكم لم يكتمل.. فما زال البعض يخاف رذاذ الماء والغاز المسيل للدموع.. وما زال بالإمكان أن يظهر أحدهم ليطل علينا بمقال أو مقابلة متلفزة ملقيا علينا مواعظ أطول من خطبة الجمعة التي تتحدث عن كل شيئ إلا مما لا يرضى عنه المتكرشون.. بعض الطحين والارز و البطانيات والخيام.. بعض المسكنات.. والكثير من عار التواطؤ الذي يجهر به كتبة ولي النعمة.. كل الجماهير " غوغائية" ولا أحد يفهم في الاستراتيجيات غير الحمير التي تلوك ذات الاستراتيجيات المنشورة قبل إعادة إستخدامها لمسح زجاج المحلات التجارية والمكاتب العقارية حيث يستنسخ النظام الرسمي أزلامه الذين يدعون كل من يمر بهم لفنجان قهوة ودردشة عن المنعطف الخطير وضرورات التعقل.. إنه زمن التجارة الذي بشر به ناجي العلي بريشته التي لم يفارقها حنظلة...

هو زمن محاكمة من يدافع عن كرامة.. أو ما تبقى منها.. زمن يريد لك أن تموت إما حصارا أو قهرا أو بالانشطاري والفوسفوري والكيماوي.. بل زمن يريدك أن تكون مثلهم صامتا أخرسا.. مقطوع الحيل والحيلة.. تنظر الى السماء لتحدد نوع الصاروخ الساقط على عائلتك.. وتقدر أي حي سيقصف بعد حين.. أو أن تدخل في مرحلة " وأنا مالي ومال غزة".. مثلما قالوها "مالنا ومال العراق".. كسرة خبز وبعض التنظير عن أهمية المنعطف والمصالح ودروس التدجين والدوس في بطنك إن سألتهم عن رأيهم باستمرار إنهمار قذائف الذبح رغم تصفيقه الحار لقرار مجلس الأمن الذي يقول مواربة.. إذبحوهم لكن لا تدعونا نرى أو نسمع.. لا نريد صورة ولا كلمة.. ويا ويلك إن سألت الرسمي العربي عن رأيه بإحتماء جنود الاحتلال بالمدنيين عبر احتلال بيوتهم ودس المئات في غرف والتمترس في طابق من طبقات البيت.. أو عن مدرسة تقصف وعائلة تباد.. لأنك إن فعلت فأنت حمساوي... متطرف ورأسك عنيد ومحرض على العنف والارهاب ولسانك يحتاج إلى تقليم..
وكأن في غزة ليس هناك شعب وقوى تباد في هذا الفيلم الأميركي الطويل والمتدرج..

وبالرغم من ذلك.. حنظلة ليس هو الذي يقف مديرا ظهره لك ولي وكفاه متشابكان.. حنظلة في نيسان 1987 يحمل سيفه محطما الميكروفونات.. وحنظلة في تموز من ذات العام "مطلوب حيا أو ميتا" بينما من صورته التي على الجدار وذاك المتكرش يحمل مسدسه تصدح " بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي".. وجمهرة من حنظلة تلتف محيطة بمن يمثل كل العروش واصحاب الكروش!

هذه بعضا من قصص حنظلة.. أعجب لك إن قبلت أن تكون غيره.. أو أن تتحول إلى شيئ غير زوج فاطمة الفلسطيني المتمرد على التدجين والصمت والعار الذي يطالب المحتل بستر الفضيحة بمزيد من الابادة!.. أعجب لك أن تكون متفرجا على مشهد الذبح وأنت تعلم أنك مذبوح إن مروا فوق مقاومتك!

التعليقات