31/10/2010 - 11:02

حوار الفصائل الفلسطينية بين الواقع والتحديات../ عوني فرسخ

حوار الفصائل الفلسطينية بين الواقع والتحديات../ عوني فرسخ
أخيراً لاحت في آخر النفق مؤشرات توحي بأن فتح وحماس على عتبة الدخول في حوارات باتجاه ضبط صراعهما في مواجهة ما يواجهانه وشعبهما من تحديات خطرة. فمن جهة فتح قال عضوها القيادي نبيل شعث مؤخراً بعدم مطالبة حماس بالتراجع والاعتذار عما قامت به، والاكتفاء بإقامة حكومة “إجماع وطني”. ومن جهة حماس أعلن رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في مؤتمر “القدس” بالدوحة قبولها بفكرة حكومة “وفاق وطني”. فضلاً عما رشح من أجواء لقاءات القاهرة التي يجريها اللواء عمر سليمان مع ممثلي الفصائل. مما أشاع التفاؤل بقرب انفراج حالة الاحتقان القائمة بين الفصيلين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية وتداعياتها في فلسطين المحتلة من النهر الى البحر والشتات الفلسطيني العربي والدولي.

ويقيناً أن كل حريص على حاضر ومستقبل شعب فلسطين وأمته العربية يفرحه ما قد يؤدي لانتهاء حالة الانقسام الفصائلي الفلسطيني، كما يسره التقاء قياداتها على قواسم مشتركة. غير أن الصراع المحتدم بين سلطتي رام الله وغزة، وإن بدا ذاتياً ويدور حول مواقع في سلطة لا تخرج عن كونها من بعض افرازات اتفاق أوسلو، إلا أنه في حقيقته صراع موضوعي بين نهجين متناقضين استراتيجياً في ادارة الصراع مع التحالف الأمريكي - “الإسرائيلي” والسائرين في ركبه بحكم المصلحة أو الوهم. ثم إنه شديد التأثر بالضغوط والمداخلات الدولية والاقليمية، وتأثيرها لدى صناع قرار النظام الرسمي العربي العام والفلسطيني منه بصفة خاصة.

ولا أحسب الضوء الذي يلوح في آخر النفق معزولاً عما يبدو على الصعيد العالمي من ادراك أمريكي متأخر بفشل سياسة حسم الصراعات الدولية بالقوة لصالح القوى المرتبطة بالادارة والأجهزة الأمريكية، والتوجه بدلاً من ذلك لإجراء تسويات مع القوى التي كانت مصنفة أمريكيا ضمن “محور الشر”. ولكنها تسويات تستهدف تدجينها بأكثر مما تسلم بالحقوق الوطنية المشروعة للشعوب التي طالما عانت من استراتيجية الاستغلال والهيمنة الامريكية، والشعب العربي الفلسطيني في مقدمها. وأغلب الظن أن يواجه ممثلو الفصائل في حواراتهم المقبلة تحديات على أربعة محاور:

* الأول: على محور مهمة ومسؤولية حكومة “الوفاق الوطني”، والسؤال: هل لا يزال الرئيس محمود عباس وفريقه عند دعوته لإقامة “حكومة تتيح فك الحصار”. أي تقبل بالاشتراطات الصهيونية - الأمريكية التي تطالب بها “الرباعية الدولية” والمتمثلة بالاعتراف بـ”إسرائيل”، وانهاء المقاومة، والالتزام باتفاقيات فريق أوسلو مع الكيان الصهيوني؟ أم أنهم سيقبلون بأن تكون حكومة ملتزمة بالعمل على تحقيق تسوية مرحلية تقوم على الانسحاب الناجز من كامل الأراضي التي احتلت سنة 1967. بما فيها القدس الشرقية واقامة الدولة كاملة السيادة عليها، وتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بعدم مشروعية جدار الفصل العنصري وهدمه استناداً للقرار الدولي، وتفعيل القرار 194 بعودة لاجئي 1948/،1949 وكذلك نازحي 1967 إلى ديارهم، واستردادهم أملاكهم والتعويض عليهم؟

* الثاني: على محور توزيع المناصب في وزارة “الوفاق الوطني” المسؤولين عن تنفيذ برنامجها المتوافق عليه. إذ تم التخلي عن فكرة وزراء من التكنوقراط والفنيين بدعوى “استقلاليتهم”، مقابل الاتفاق على أن يكون الوزراء من العناصر القيادية للفصائل المشاركة في الحوار ليجسدوا مشاركة فصائلهم في حكومة “الوفاق الوطني”. وفي هذا ما يدل على ادراك واع انه، برغم ما قد يتمتع به التكنوقراط والفنيون المستقلون من كفاءة مهنية وادارية، إلا أنهم ليسوا الاختيار الملائم لمجتمع يعيش مرحلة التحرر الوطني من استعمار استيطاني عنصري اجلائي. إلا انه من الارجح ان يشتد الجدل حول من يشغل : وزارات الخارجية والداخلية والمالية والاقتصاد، بما يلائم الواقع المستجد بعد وضوح فشل مسلسل المفاوضات العبثية، كما عجز حصار الجوع عن استلاب إرادة شعب الممانعة التاريخية والمقاومة الاسطورية. وبالتالي انفسح المجال للتفاعل مع صناع القرار العربي والدولي حول تفعيل القرارات الدولية ذات الصلة بالانسحاب لحدود العام ،1967 وعدم مشروعية المستوطنات وجدار العزل العنصري، وتوفير التمويل اللازم في مرحلة الازمة المالية العالمية، وفك الارتباط الاقتصادي ب”إسرائيل” وعودة التواصل مع العمق العربي.

* الثالث: على محور اعادة بناء أجهزة الأمن، والمهمة التي سوف تسند إليها، وهي وإن اشترط في منتسبيها أن يكونوا مهنيين، إلا أنها في واقع الضفة والقطاع المحتلين أجهزة ذات مهمة سياسية بامتياز تتصل بالذين سوف تتولى حمايتهم وتأمين مصالحهم : هل هم المواطنون الصامدون في ظل الاحتلال، أم هم المستوطنون في الضفة الغربية المحتلة وداخل ما يسمى “الخط الأخضر”؟ أخذا بالاعتبار أن اتفاق أوسلو جعل مهمة السلطة الأولى والأساسية حماية “أمن” “إسرائيل”، وهذا ما لا تزال ملتزمة به أجهزة سلطة رام الله. وتكفي الاشارة لما تباهى به الوزير رياض المالكي من انجازات حكومة سلام فياض في حماية أمن الصهاينة لدى حضوره اجتماع وزارة الخارجية “الإسرائيلية” منذ أيام.

* الرابع: على محور اعادة تفعيل “منظمة التحرير الفلسطينية” وبناء مؤسساتها. ويرتبط بذلك تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، واعادة الاعتبار للميثاق الوطني بعد مسخه سنة 1996 في الجلسة التي حضرها الرئيس الأمريكي السابق كلينتون. فهل سوف تشكل “اللجنة التنفيذية” للمنظمة بقرار فصائلي، أم سوف يجري انتخاب أعضائها من قبل المجلس الوطني الجديد؟ وهل سوف يشكل المجلس على أساس “كوتا” فصائلية، كما كان يجري سابقاً، أم بالانتخاب في الوطن المحتل والشتات، كما طالب بذلك “مؤتمر حق العودة” الذي عقد في بيروت ربيع ،2006 ثم اعاد تأكيد الطلب “المؤتمر الوطني الفلسطيني” الذي عقد في دمشق خريف 2007؟ وهل سوف تدعم الأمانة العامة لجامعة الدول العربية مطلب الانتخاب لدى الدول الأعضاء المضيفة للفلسطينيين، حتى يكون هناك مجلس وطني أصدق تمثيلاً للشعب العربي الفلسطيني، وبالتالي لجنة تنفيذية للمنظمة أكثر فاعلية. أم سوف يتواصل تهميش المنظمة الذي جرى في أعقاب اتفاق أوسلو، واغتصاب دورها التاريخي من قبل سلطة حكم الذات التي انتجها الاتفاق سيئ السمعة؟

تحديات أربعة تواجه المتحاورين في مرحلة من أبرز معالمها تراجع الهيبة الأمريكية، وسقوط أساطير التفوق الصهيوني، وصيرورة المقاومة الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه. وهي مرحلة بقدر ما تتوفر فيها فرص رفع مستوى المواقف الوطنية الفلسطينية والقومية العربية تجاه الصراع الذي فرض على شعب فلسطين وأمته العربية، بمقدار ما تعكس شدة الانفعال والشعور بالاستفزاز لدى صناع قرار التحالف الأمريكي - الصهيوني والذين امتهنوا المفاوضات وأثروا من تجارتها. وهي في التحليل الأخير مرحلة غاية في الخطورة تتضاعف فيها المسؤولية التاريخية والوطنية والأخلاقية للمشاركين في الحوار، والراعين له.
"الخليج"

التعليقات