31/10/2010 - 11:02

حوار مُخجل.. مع شهيد فلسطيني../ فادي العلي

-

حوار مُخجل.. مع شهيد فلسطيني../ فادي العلي
صورة أخرى لمعت في ذهني.. جانب آخر طرق باب ذاكرتي، حصل هذا عند مشاهدتي للمناضل عبد الرحيم ملوح خارجاً من أسره ناقلاً لنا رسالةً شفهية تحمل مناشدة من الأسرى ليضعها بين أيدينا.. نحن من في السجن الكبير.

ولأن من قام المناضل العريق ملوح بنقل رسالتهم هم الشريحة الأكثر صموداً وألماً.. ولأنهم في السجون لأجل هذه الأرض ومن أجلنا.. فقد تسللت في لحظتها إلى جوفي مجموعة من الأسئلة الباردة لم أستطع تجاهلها.. أين نحن من الأسرى ؟ وهل يكفي أن نعي عذاباتهم ؟ لماذا تمارس شريحة واسعة من نخبتنا سلوكيات تطيل من أسرهم؟ هل ما نمارسه نحن على الأرض يتناسب مع قدر تضحياتهم؟ ماهو مقدار الألم الذي نولده لديهم عندما ندفعهم لكي يناشدونا بأن نتوحد؟ فعندها أحسست بأنهم في عالمٍ آخر نبتعد عنه في كل يوم..

عندها أخذتني اللحظة إلى مشهدٍ آخر.. إلى صورة خلقتها مخيلتي، ولإننا نحيا في ظل واقع باتت صورته معتمة لا تعكس إلا الدماء.. صار من الطبيعي أن تهرب عقولنا وعواطفنا إلى عالمٍ آخر بحثاً عن الأمل أو ما يُذكرنا به..

ومن هنا صار من المشروع أن تأخذني لحظاتي الباردة هذه إلى مشهدٍ آخر شكل على مدى عقود طويلة من النضال الفلسطيني الوقود الثوري وصمام الأمان لهذه الثورة.. هم الشهداء، أخذني الخيال إليهم وجعلني أمام أعين رجل منهم سوف نحتفل بذكراه السنوية السادسة بعد شهر من الآن.. شهيد، كان مناضلاً منذ زمن بعيد مازالت حتى في ذكراه تنحني له القامات وهي سعيدة بذلك..

لم يسألني عن جدول النشاطات الخاصة بذكراه هذا العام ولا عن الصور والخطابات التي سوف تأتي على ذكره، فهو ينتمي إلى نوع من الرجال لم يبحث يوماً عن الأضواء..

ولأنه جاء من رحم الفقراء، سألني عنهم في المخيمات.. فخجلت أن أذكر له مايحدث في مخيم نهر البارد، فهو من اشتهر بدفاعه عن المخيمات في لبنان بالرغم من العواقب التي تحملها هذا الرجل على المستوى السياسي والشخصي ثمناً لهذه المواقف.. وبالطبع لم أخبره عن المخيمات الحدودية الجديدة لأنه سيعرف حتماً بأن بغداد سقطت.. فهذا الرجل حاول كثيراً بأن يحميها ويحمينا من سقوطها.
فبماذا أجيبه إن سألني عن الانتفاضة، فهل املك جواباً.. وإن سألني سأهرب من عيونه وبلا أي تردد، فماذا أقول له؟ ألا أقتله مرةً ثانية إن قلتُ له أن فلسطين تحترق بنيران الأخوة.. وهو رجل الوحدة الوطنية.

فهل أستطيع أن أتجرأ وأن أنظر بعيون رجل يشهد كل من عرفوه بكاريزما عيونه الثاقبة وأنا أخبره عن جنون البنادق في ظل بناء جدار العزل الذي لم يعاصره، وعن مئات الحواجز وآلاف الأسرى، هل سيصدق أن غزة حُررت والآلاف من أبنائها ينامون في العراء بانتظار بادرة حسن نية إسرائيلية لفتح المعبر.. عندها تركني الشهيد أبو علي مصطفى وذهب ليستكمل مع رفاقه الشهداء رحلتهم البعيدة.. فهي رحلة لا نعرف عنها شيئاً ونجهلها كما نجهل فلسطين الآن.

تركني وحيداً مع أسئلتي.. ألا نشعر بالخجل أمام ذكراهم؟ ألم نخذلهم؟ أفليس الابتعاد عن الشهداء ومحو تراثهم هو اغتيالاً ثانياً لهم؟....

التعليقات