31/10/2010 - 11:02

حول انتخاب لجنة المتابعة العليا: بين إعادة البناء والانفصال/ مهند مصطفى

حول انتخاب لجنة المتابعة العليا: بين إعادة البناء والانفصال/ مهند مصطفى
مر حوالي ربع قرن على إقامة لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، وليس هنا المجال ولا المقام لعرض وتحليل تأسيس لجنة المتابعة ومسيرتها خلال ربع القرن الماضي.

لا تتعدى لجنة المتابعة كونها لجنة تنسيق بين الحركات والأحزاب السياسية العربية البرلمانية وخارج البرلمانية ومركبات أخرى. ويتميز طابع العمل واتخاذ القرارات داخل اللجنة، عادة، بطابع الإجماع بين مركباتها، لأنها لا تحتمل الحسم الديموقراطي، الإجماع هو سر تماسك اللجنة وبغير ذلك فإنها مهددة بعدم أداء حتى الحد الأدنى من نشاطها ونضالها.

وواضح أن الفشل، حتى الآن, في إيجاد صيغة متفق عليها بين جميع مركبات لجنة المتابعة، حول إعادة بناء اللجنة, بعد جهود سنوات عديدة هو بسبب طبيعة اللجنة ورؤية التيارات لها على كونها لجنة تنسيق عليا، وهناك هاجس عند كل التيارات من التقدم نحو الأمام في أي صيغة بناء خوفا من فقدان هذا الطابع للجنة لمصلحة تيار أو حزب على آخر.

اصبح واضحا لكل مراقب للعمل السياسي العربي أن قدرة الأحزاب منفردة على تجنيد الجماهير لنشاطاتها وفعالياتها اصبح اكبر من قدرة اللجنة أو قدرتهم مجتمعين على ذلك. ولا اعتقد أن الأمر يتعلق بأسباب إدارية داخل اللجنة أو بهوية من يقف على رأسها، بل هو يتعلق بمبناها التنظيمي وشرعيتها الجماهيرية.

في السنوات الأخيرة تتخذ اللجنة القطرية مكانة في تفعيل عملها بشكل افضل من لجنة المتابعة، وصح إن قلنا أن مركز الثقل انتقل من لجنة المتابعة إلى اللجنة القطرية والتي تمثل رؤساء منتخبين للحكم المحلي، على الرغم أن التركيبة الداخلية للجنة الرؤساء قد توحي للوهلة الأولى، وهي كذلك بالفعل، أنها اكثر تعقيدا كونها تضم قلة من الرؤساء السياسيين، أي الذين انتخبوا على أساس حزبي، وأكثرية كبيرة من الرؤساء المحليين، الذين انتخبوا على أساس حمائلي، أو ضمن قوائم انتخابية محلية، ليست لها أية أجندة قومية حتى على مستوى نضال العرب في قضايا الحكم المحلي، مع سهولة لا تطاق لدعم أحزاب صهيونية. ولكنها في السنوات الأخيرة ذات فاعلية اكبر من المتابعة، وطبعا لا نقلل من تدهور الثقافة السياسية المحلية فيما وصلت إليه لجنة المتابعة.

اعتقد أن لجنة المتابعة في تركيبتها الحالية وطريقة اتخاذ القرارات فيها، لا تستطيع أن ترتقي إلى حالة الحسم الديموقراطي، والفعّالية السياسية. ويبدو أن إعادة البناء التي تتم منذ سنوات لن تخرج إلى حيز التنفيذ، ولو خرجت لا أظنها تحل غالبية العطب في عمل اللجنة. وحالة الحسم الديموقراطي في بناء اللجنة وتركيبتها وفي اتخاذ القرارات بداخلها، مطلوبة في الكثير من الأحيان، والحسم الديموقراطي في غياب الشرعية يعني التفكك لأنه من غير الواضح هل تمثل الأكثرية داخل اللجنة غالبية الناس أم لا.

من الصعب القول الآن وسابق لأوانه الادعاء سواء على مستوى الخطاب السياسي أو العلمي الأكاديمي، أن المقاطعة في الانتخابات الماضية كانت سياسية أو أيديولوجية أو تاريخية. مع أن غالبية الاستطلاعات التي نشرت في العقد الأخير تشير أن الامتناع في غالبيته هو امتناع سياسي بالأساس، أي امتناع احتجاجي على وضعية الفلسطينيين في إسرائيل ومحدودية السياسة البرلمانية في تغيير هذه الوضعية. بمعنى أن الاحتجاج ليس على حالة المواطنة للفلسطينيين في إسرائيل، بل هو احتجاج لتحسين هذه الحالة.

على ضوء كل ما ذكرت فان هناك غالبية من الممتنعين ابدوا موقفا سياسيا احتجاجيا، وهناك حاجة لخلق شرعية جديدة للعمل السياسي العربي البرلماني وخارج-البرلماني، حيث أن العمل السياسي خارج-البرلماني أيضا (بكل مكوناته: الأهلي، السياسي، الجماهيري، القضائي وغيرها) لم يحسن من مكانة الفلسطينيين في إسرائيل بشكل ملحوظ.

البناء الحقيقي للجنة المتابعة لا يتم إلا من خلال انتخابها بشكل مباشر، والقضية ليست شكلية وبنيوية فقط، بل جوهرية على مستوى الشرعية السياسية والجماهيرية، تنظيم العمل السياسي العربي وفاعلية القرارات في اللجنة. وهي لا تشكل خطوة انفصالية أو توجه انعزالي للفلسطينيين في إسرائيل، بل يجب أن يتم ذلك في إطار المواطنة الإسرائيلية، لتعزيز القوة الكامنة فيها، ومن يفكر في فعل ذلك خارج إطار المواطنة فانه يحكم على الفكرة بالفشل. كان من الصعب سابقا أدراج فكرة الحكم الذاتي الثقافي للفلسطينيين في إسرائيل على الأجندة السياسية الإسرائيلية، لأنها ارتبطت في الوعي الإسرائيلي بمفهوم الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.

هذه مجرد أفكار أولية، وهي بحاجة إلى تفاصيل فنية وأداتية، وسبر غمار الفكرة نظريا بشكل اعمق من ذلك، إما من خلال رؤية مقاربة لواقعنا في الداخل، أو من خلال رؤية مقارنة مع تجارب سياسية أخرى.

قد يكون رد فعل المؤسسة الإسرائيلية قويا وقد يكون لا مباليا، على اعتبار أن العرب لا يجتمعون لتحقيق خطوة تاريخية مثل انتخاب مؤسسة قومية بشكل ديموقراطي مباشر. وإذا كانت الحالة الأولى هي الصحيحة، فستتهم تيارات سياسية بالانعزالية خصوصا التيارات خارج-البرلمانية. ولكن ذلك يجب أن لا يثن أحدا عن المضي في انتخاب أعلى هيئة تمثيلية للفلسطينيين في إسرائيل، وهي حق جماعي للأقليات الأصلانية يضمنها القانون الدولي.

هناك تدهور خطير على مستوى الثقافة السياسية في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، تدهور يهدد أركان العمل السياسي من أساسه، كما أن العنف يهدد أركان المبنى الاجتماعي. هنالك ثقافة سياسية عنيفة تنزع شرعية الآخرين، وتفتقر إلى أدنى اللياقة السياسية. مما يضع عملية تنظيم المجتمع الفلسطيني وعمله السياسي على رأس سلم أولويات تحدياتنا الاستراتيجية، وكنت قد أشرت إلى ذلك في مقال نشرته سابقا حول التحديات الإستراتيجية التي تواجه الفلسطينيين في إسرائيل، وابتدأت في تحدي تنظيم الأقلية الفلسطينية (حديث الناس, 10/3/2006), غالبية قطاعات الشعب الفلسطيني تنتظم أو انتظمت وهذا الأمر يجعلنا أمام مسؤولية تاريخية بإعادة تنتظم أنفسنا، ولنبدأ بانتخاب أعلى هيئة تنظيمية للجماهير العربية بشكل مباشر وسموها فيما بعد ما شئتم.

التعليقات