31/10/2010 - 11:02

حول بعض ما جاء في حوار (أخبار الأدب) مع الأستاذ يحي يخلف/ رشاد أبو شاور

-

حول بعض ما جاء في حوار (أخبار الأدب) مع الأستاذ يحي يخلف/ رشاد أبو شاور
حاورت (أخبار الأدب) الكاتب الفلسطيني الأستاذ يحي يخلف، في العدد 755، تاريخ 18 أيّار 2008، وأجرى الحوار معه الأستاذ نائل الطوخي...

في الحوار وردت نقاط تستدعي التوضيح للقارئ العربي، الذي ربّما تختلط عليه بعض الأمور.
يقول الأستاذ يحي: نحن جيل الثورة والكفاح المسلّح، ثمّ يضيف مستدركا: ولكن الآن خيارات المقاومة عديدة، وكل منّا يقاوم على طريقته، ويمكن المزج بين كل أشكال المقاومة مثل السلاح، والانتفاضة، والعمل السياسي...

هنا خلط مقصود، فالمقاومة هي خيار من يريد تحرير أرضه، وهي في حالتنا تحرير وطننا فلسطين، وأساليب المقاومة قد تتعدد، ولكنها جميعا توظّف لهدف التحرير، ويبقى في كّل الأحوال أن الكفاح المسلّح هو الأساس، وما تبقّى من أشكال المقاومة الشعبية تسنده، وتكمله، ولا تشكّل بديلاً عنه.

لقد تمّ التخلّي عن الكفاح المسلّح، وكافة أشكال المقاومة الداعمة، من قبل جماعة ( أوسلو)، الذين ما عاد لهم سوى خيار واحد، يعلنه أركان هذه السلطة يوميّا، من السيّد محمود عبّاس رئيسها، حتى سلام فياض رئيس وزرائها، مرورا بمفاوضيها المزمنين: أحمد قريع، صائب عريقات، ياسر عبد ربّه.

هؤلاء يكررون صباح مساء: خيارنا هو السلام.. والحّق أنهم لم يبقوا لهم خيارا غير الرضوخ للشروط الأمريكيّة و( الإسرائيليّة)، ولذا فإن أقصى ما يجهرون به، ردّا على سياسة الاستيطان التي نهبت أرضنا هو: خيار السلام، مع بعض التصريحات التي تنبّه إلى ( خطورة) ما يجري على ( عمليّة) السلام و..مستقبل المنطقة!.

هل يعتبر الأستاذ يحي أن خيار المفاوضات، أي خيار السلام الخانع بات الخيار الوحيد؟! من يشارك بموقع وزير في السلطة فهذا خياره الذي لا خيار له غيره، أمّا جيلنا فقد افترقت سبله، فمنه من سيبقى مؤمنا بخيار المقاومة لتحرير فلسطين، بعد افتضاح مسيرة أوسلو المدمّرة، ومنه من أدار ظهره للمقاومة، وزمنها، وهدفها.

يرّد الأستاذ يحي على السؤال: تحدثت في البداية عن مؤسسات الثورة، ألا تشعر بتناقض في هذا؟ ماذا كان شعورك والثورة تتحوّل إلى مؤسسة؟
حسنا: بعد أوسلو كانت هناك أسئلة كثيرة. أنا ومعظم المثقفين مثل و.. ورشاد أبو شاور، أخذنا موقفا ضد أوسلو، وكتبنا ضدها_ يقصد ضد أوسلو_ ولكن مع فرصة العودة إلى الأرض لم يتردد أي منّا في العودة، وعاد أكثر من 250 ألف فلسطيني، وهذا مكسب..اتفاق أوسلو أصبح نجاة لنا!

هنا خلط متعمّد للتشويش على القارئ، فنحن لم ( نعد)، ولكن هناك من توهّموا ( العودة) وروّجوا أن (العودة) تحققت ( برجوعهم) إلى غزّة وأريحا، وما يسمّى بمناطق السلطة.. أين يه، وأين السيادة عليها؟!
العودة لا تتحقق إلاّ بعودة شعبنا الفلسطيني بكّل ملايينه المشرّدة في الأقطار العربيّة، وبلدان الشتات، بعودة من ضحّوا، والذين ما زالوا وقودا للثورة، والمقاومة، والانتفاضات، السابقة والآتية.

ما جرى بعد ( أوسلو) أن الاحتلال الصهيوني منح بضعة آلاف ( حّق الإقامة) في بعض مناطق الضفّة والقطاع، والهويات التي منحت لهم هي بطاقات (إقامة) ليس إلاّ، ويمكن أن تسحب منهم في أي وقت هي وال vip التي منحها الاحتلال لنفر ارتضى أن يتميّز عن شعبه!.
هناك من رجعوا، واختاروا الابتعاد عن ( مؤسسات ) السلطة، خّاصة بعد افتضاح فسادها، وهناك من حصلوا على وظائف، يعيشون من دخلها، ولكنهم نأوا بأنفسهم عن الفساد، والترويج لمشروع سلطة ( أوسلو)، وسلام ( أوسلو)...

هنا أريد أن أوضّح أمرا، وهو أنني عضو مجلس وطني فلسطيني، وأعضاء المجلس الوطني ( جميعا) من وافق على ( أوسلو)، ومن رفضه _ أنا من هؤلاء - سمحت لهم سلطات الاحتلال( بالإقامة) في غزّة وأريحا.
مواقفي المعروفة المبكرّة لم تتغير، منذ كنت في تونس، وكتبتها في صحيفة ( الشروق)، وأعلنتها في ندوات، وبيانات، ولقاءات، وحتى يومنا هذا.

هنا أذكّر بأنني رفضت المشاركة في دورة المجلس التي عقدت في الجزائر عام 88، لأنني لم أشأ أن أشارك في الترويج لفكرة دولة وهميّة، ولتنازل عن حقّنا التاريخي في وطننا فلسطين.
لقد رفضت المشاركة في دورة المجلس الوطني التي عقدت في غزّة إرضاءً لكلينتون، والتي تمّ فيها التنازل عن بنود هّامة في الميثاق الوطني الفلسطيني.. ألم تشارك في تلك الدورة يا أستاذ يحي؟!

عام 95 زرت فلسطين، ثمّ ترددت عدّة مرّات آخرها في شهر شباط 2000، ولقد كتبت بعد تلك الزيارات، كتابي ( رائحة التمر حنّة)، الذي صدر عن المؤسسة العربيّة، وفيه فضح لبعض جوانب الفساد المبكّر!.
فرق كبير بين من خياره أن يكون وزيرا في سلطة ( أوسلو)، ومن يعارض، ويفضح، ويتصدّى للفساد والخراب، ولا يسعى لمنصب، ويشرّفه أن يبقى مع جماهير شعبه.

عن الاقتتال يقول الأستاذ يحي: أشعر بالمرارة لأن الفلسطينيين يظهرون وكأنهم من يطلقون النار، ويقتلون بعضهم البعض. هذا يحزنني كثيرا، وهو لم يحدث إلاّ في زمن حماس. أنا عشت تجربة الثورة كلّها من 67 وحتى هذه اللحظة، مرورا بأوسلو. كنّا في بيروت وجنوب لبنان، وكانت هناك غابة البنادق، ومع ذلك فلم يحدث اقتتال داخلي...

يبدو أن ذاكرة الأستاذ يحي لا تحتفظ بوقائع محرجة، وحقائق عشناها في ( الثورة) الفلسطينيّة!
لقد وقع اقتتال ضار، وحشي، كارثي، في الثورة الفلسطينيّة، بين الفصائل، وفي صفوف الفصيل الواحد الكبير: حركة فتح!
أتنسى يا أستاذ يحي الانشقاق الذي مزّق فتح، والثورة الفلسطينيّة، عام 83، بعد معركة بيروت المجيدة، والذي امتّد من البقاع وحتى طرابلس عاصمة الشمال اللبناني؟ ألم يسقط في ذلك القتال عشرات الفدائيين من أبناء فتح برصاص وقذائف مدافع إخوانهم ورفاقهم في السلاح من فتح، وغيرها من الحلفاء؟ ألم تنبش الكلاب القبور التي دفنوا فيها على عجل، والتي أعاد أهالي ( تربل) في شمال لبنان جمع الأشلاء، وإعادة دفنها بعد أن نهشتها الكلاب؟!

أنا كتبت قصّة بعنوان (الكلاب)، ضمّتها مجموعتي القصصية (الضحك في آخر الليل)، وتلك القصّة لم يخترعها خيال مجنّح، أو مريض..ألا تذكر؟!
بالمناسبة ألم تخرج أنت مع ( المنشقين) عن فتح الذين سمّو أنفسهم ( فتح الانتفاضة)، وتشغل منصب نائب رئيس المجلس الثوري، أي نائب الدكتور الياس شوفاني؟! ألم أزرك مرارا مع الصديق أحمد نجم، لنقنعك بترك صفوف أولئك المنشقين القتلة، إلى أن نجوت بنفسك من حمأة ذلك الانشقاق!

لا، لقد حدث اقتتال، واغتيالات، وتصفيات، وانشقاقات، من قبل يا أستاذ يحي، لأن الثورة الفلسطينية لم تكن واحة الديمقراطيّة. غابة البنادق سادها نوع من توازن الرعب، وهو ما حال دون انفجار مدمّر في صفوف الثورة الفلسطينيّة في ( الفاكهاني)، والأراضي اللبنانيّة لبنان. (حدثت اشتباكات كثيرة، ووقع ضحايا كثيرون، لكن الانفجار الكبير حدث في داخل مناطق السلطة، في زمن أوسلو، والمتصارعين على سلطته!).

الفرديّة، والعصبويّة، والتجهيل، وسياسة الإفساد، لعبت دورها في تغييب المؤسسات يا أستاذ يحي، وهذه انكشفت بعد رحيل ( عرفات)، فقد تبيّن انه لا مؤسسات، ولا قيادة جماعيّة، ولا شفافيّة، ولا مشاركة شعبيّة، لأنه كان يحتكّر كّل شئ، ولذا طمع الزعران في الهيمنة على القيادة، وتفشّى فساد أجهزة الأمن، وعبث اللصوص بالمال العام.. أليس هذا ما حدث، ويحدث؟! وإلاّ من أين طلع علينا ( دحلان) و( خالد سلام) و..ياسر عبد ربّه، وهذه الموديلات العجيبة؟!

ماذا عن حماس؟!
حماس ( سرقت) تفويض الشعب لها، في انتخابات المجلس التشريعي _ ليس هذا اسمه، ولا هذه صفته بحسب بنود أوسلو، فهو مجلس المنتخبين ( لإدارة أحول الفلسطينيين في مناطق الحكم الذاتي)_ وبدلاً من صون خّط المقاومة، ومحاسبة الفاسدين وإنهاء حقبة الفساد، فقد انخرطت قيادة حماس في الصراع على السلطة..ومتى؟ بعد أن لم تبق أرض فلسطينيّة!

أخي يحي أنت مبسوط من عودة بضعة ألوف، وأنت كنت وزيرا في السلطة، وربما تعود وزيرا من جديد في وزارة آتية، اللهم لا حسد، أسألك: هل بقيت أرض فلسطينيّة ( لدولتكم ) الموهومة؟! أعدتم بضعة ألوف من الناس، وأضعتم الأرض التي ادعّت قيادتكم أنها أبرمت صفقة أوسلو لتنقذها!..حتى أنت تقول: وكنّا نعتقد أنه أطواق نجاة، تقصد أوسلو.. فما موقفك الآن بعد ضياع الأرض، واستشراء الاستيطان، وتبدد أوهام الدولة، والتفاف الأطواق على الأعناق؟! أنت شريك، فمنصب وزير ليس لعبة، ومن يزر وطنه تحت الاحتلال، ليس كمن يشغل منصب وكيل وزير لسنوات مع وزيره ياسر عبد ربه، ووزير لسنوات، ويروّج لقادة السلطة في حوارات يجريها بنفسه معهم!

حماس وقيادة السلطة، حاليّا، تنحران القضيّة، وتمزقان شعبنا...
المقاومة هي الخيار الوحيد لاستعادة وحدة شعبنا، وهدفه، وحضوره، ومجابهة سياسة نهب أرضنا، وإنهاء أكاذيب سلام أوسلو، وإنهاء السلطة الوهميّة.
الخروج من لعبة سلام أوسلو هي البداية الجديدة لانقاذ قضيتنا، واستعادة دور شعبنا، ووحدته. المثقفون الثوريون لهم دور، وعليهم واجب..أليس كذلك؟!

شعبنا يتابع، ويعرف، وهو من يثيب، ويعاقب، ولن يغفر لمن يتخلّى عن دوره، وبخّاصة من المثقفين...
في هذا الحوار يواصل الأستاذ يحي هجومه على المفكّر العربي الفلسطيني عزمي بشاره ويتهمه مع المفكّر الإسلامي فهمي هويدي، بالتنظير للإسلام السياسي..ألا تعرف أن الأستاذ فهمي هويدي مفكّر إسلامي ( من يومه)، وأنه لم ينقلب من موقف إلى موقف؟! خلط مقصود من الأستاذ يحي!

هنا أتوقّف لأسدي للأستاذ يحي بنصيحة: دعك من التطاول على الدكتور عزمي بشارة، فبحسب علمي هناك جهة واحدة لها مصلحة في مطاردة هذا المفكّر، ومحاولة النيل منه: الكيان الصهيوني، وبمساهمة من عتاة منتفعي ( أوسلو) الحاقدين على هذا المفكّر العربي الكبير، لاتخاذه موقفا ناقدا لأوسلو، وخراب السلطة.

من حقّك أنت وغيرك الاختلاف مع طروحات الدكتور عزمي، ولكنك تقف مع نبيل عمرو، وأحمد عبد الرحمن، في نفس الصّف، ومن يقف مع هذين الشخصين يخسر كثيرا، كثيرا جدّا!
أخيرا: أسعدني أنك كتبت رواية جديدة، وإن لم أقرأها بعد، فالإبداع يبقى، والمناصب زائلة، وكم أوّد لو تغادر صفوف جماعة ( أوسلو)، كما غادرت صفوف المنشقين من قبل...

_________________
* كتبت بتاريخ 25 أيّار 2008، ونشرت في عدّة مواقع منها: عرب 48، الصفصاف، صوت العروبة، وعممّت بالبريد الإلكتروني على مئات القرّاء...

التعليقات