31/10/2010 - 11:02

حول زيارة اوشفيتس ضمن وفد اسرائيلي رسمي/ واصل طه

حول زيارة اوشفيتس ضمن وفد اسرائيلي رسمي/ واصل طه


واصل طه، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي.


اعتادت أذرع الحركة الصهيونية بتشكيلاتها المختلفة أن تقيم الندوات والفعاليات والمسيرات في ذكرى المحرقة أو كما أطلقوا عليها "مسيرة أوشفتس"، وذلك بغرض إعادة تثبيت رسالتين: الأولى موجهة للعالم الخارجي لتذكيرهم أن اليهود كانوا ضحية وما زالوا الضحية، وذلك لاستدرار عطفهم وتعاطفهم مع دولة إسرائيل وغض النظر عن جرائمها، والثانية تثقيفية وموجهة أساسا للداخل لتجذير عقدة المطاردة وتعميقها في نفوس الأجيال الشابة.

غير أنه بعد أن توطدت أركانها واستكان الأمر لدولة إسرائيل بدأنا نسمع أصواتا من داخل المجتمع اليهودي، وخاصة تلك الأوساط التي أفلتت من قبضة العنصرية الصهيونية المطلقة وتبنوا رؤية أكثر عقلانية, ترى في هذه المسيرات قيودا عبودية لماض استنكرته الإنسانية جمعاء، سواء أكان ذلك موجها ضد اليهود أو سواهم من ضحايا النازية, وأن تكرارها المزمن يخفي وراءه غايات مدروسة تزيد من عنصرية الإسرائيليين، وتستفيد منها قوى اليمين، وتترجم لدى هذه المجموعات بالمزيد من كراهية الآخر كما عللت ذلك الوزيرة السابقة شولاميت ألوني والتي عارضت هذه المسيرات ورفضت الاشتراك فيها لهذه الأسباب تحديدا. وبالتوازي مع هذه الرؤية, فقد تطرق من كان رئيس الوكالة اليهودية "ابروم بورغ" في كتابه "للانتصار على هتلر" إلى هاجس هتلر الذي ما زال يطارد اليهود بقوله: " أنه يجب أن نهزم هتلر من داخلنا أولاً، حتى تفتح أبواب السلام مع الفلسطينيين والعرب, وكذلك من أجل الانطلاق نحو غدٍ سعيد بعيد عن هذه الهواجس التي ما زالت تسيطر على نفوس اليهود الإسرائيليين، وتسيطر على تفكيرهم وحياتهم".

أما المفاجأة الجديدة التي فجرها النائب محمد بركة بإعلانه أنه سيشارك هذا العام في مسيرة أوشفيتس, فقد جاءت صادمة لقطاع كبير في مجتمعنا ومحرجة للتيار الذي يمثله, خاصة وانه لا يكف, على الأقل لفظيا, عن مزاحمة التيار الوطني في خطابه السياسي. كيف ومع من!! مع وفد برلماني مكوّن من أحزاب صهيونية أوغل قادتها في ارتكاب المجازر ضد أبناء شعبنا منذ 1948 وعلى رأسها مجزرة دير ياسين وغيرها، والتي ما زالت صيحات شهدائها وأولهم الشهيدة المناضلة "حلوة زيدان" – تخترق مؤسسة "ياد وشيم" المقامة أصلا على أرض دير ياسين. نعم إنها مفارقة أن تبنى هذه المؤسسة هناك، لتبقى تذكر اليهود بما حصل لهم في أوشفتس وغيرها، وكذلك تذكرنا بدير ياسين الشهيدة رمزا للنكبة التي نفذها أولاد الناجين من الوحش النازي، وكأنما يد العادل جعلتهم يختارون ذات المكان لتنبيه, من نسي منا, بضحايا شعبنا وبنكبته المستمرة والتي كانت "محرقة غزة", كما أسماها "متان فالنائي" نائب وزير الدفاع, حلقة من حلقاتها.

إن اشتراك النائب محمد بركة لأمر مستهجن خاصة أن أولئك الذين ينضم ليتضامن معهم، يعملون بشتى الوسائل لمنع إحياء ذكرى نكبتنا، ويعتبرون إحياء النكبة في صفورية وغيرها عمل يجب أن يمنع!! إن لم يكن بالقانون فبالقوة!

وفي هذا المقام أستذكر ما قاله توينبي المؤرخ الإنجليزي المشهور في مناظرته مع " يعقوب هرتسوغ" سفير إسرائيل في كندا ، (كانون الثاني 1961): "إن ما نكرهه فيما فعله النازيون "الألمان" هو أن جرائمهم كانت تدرس وتخطط سابقًا.. ثم يجري تنفيذها بدم بارد، وقسوة شنيعة، وهدف لعين، وأنا موقن أن جميع هذه الصفات تنطبق على المذابح الثانية (يعني ما قامت به المنظمات الصهيونية) التي لا تعدل المذابح الأولى من حيث الأرقام، وإن كانت في نوعيتها تعدل كل ما فعله النازيون".

وأضاف أرنولد توينبي: "لا يمكن الدفاع عن معاملة اليهود لعرب فلسطين، كما لا يمكن الدفاع عن قتل النازيين لليهود، ولا زال ثابتًا أن القوات الإسرائيلية النظامية قتلت المدنيين العرب بلا مبالاة، وعن قصد. أن اقتل فهو القتل إذ يكفي أن أقتل رجلاً واحدًا لأصبح قاتلاً، وليس من الضروري أن أقتل ستة ملايين أو حتى ألفًا لأصبح قاتلاً".

كنت أتفهم النائب بركة لو قام بزيارة أوشفيتس ضمن وفد شيوعي عالمي أوعربي فلسطيني، ليبعث برسالة يبين فيها حجم مأساتنا، ولكنه ينسى أو يتناسى أنه جزء من وفد يمثل قادة أحزاب ارتكبوا المجازر بحق شعبنا حيث ما زالت دماء أطفال غزة ومدنييها تنزف فوق كثباتها ورمالها وتحت ركام بيوتها التي تعرضت لنيران هؤلاء الحكام !!.

أما التبريرات التي تقال في هذا السياق، فهي قبيحة بل ومساوية لعملية الاشتراك نفسها، فقد رفضت قيادة "راكاح" التاريخية الاشتراك في هذه المسيرات, معتبرين ذلك يمس بمبادئ وشعارات شكلت قناعتها في تلك المرحلة, فأقامت لوحدها "مهرجانات النصر على النازية" في الغابة الحمراء, وبذاك تميزت بمواقفها تلك عن اليسار الصهيوني عندها, فما معنى إذن اشتراكك, أيها النائب الكريم يا ابن صفورية, في مثل هكذا مسيرات!!؟

إن رفضنا, نحن أبناء فلسطين, للمجازر النازية هو قاطع ولا يحتاج إلى شهادة حسن سلوك من أحد, بل هم من بحاجة لذلك منا, فعلام نصنع من أنفسنا موضع سخرية وورقة توت نغطي بها عورة قتلة أبناء شعبنا وصانعي نكبتنا..؟؟؟؟

التعليقات