31/10/2010 - 11:02

حين يصير العلماني "سلفيا جهاديا".. وحين يتمسك أبو مازن بـ"عبثية المفاوضات"../ ناصر السهلي*

حين يصير العلماني
أظنني مثل غيري ممن لا يحبذون رؤية الدم الفلسطيني يسال بأيد فلسطينية. ولا أرى في قتل من اعتلى منبر خطبة الجمعة لإعلان "الإمارة الإسلامية" أمرا صائبا مهما كانت المبررات والمسوغات لمواجهة دامية. لكن يبدو أن الساحة الفلسطينية بدون استثناءات صارت ساحة تصفية حسابات بينية. والتصفية الجسدية، عندي على الأقل ليست أقل كفرا من التصفية الفكرية والسياسية الممارسة في كل من غزة والضفة، ولا استثناءات ولا معصومين ولا مقدسين هؤلاء ممن يمارسونها في الضفة باسم المصلحة الوطنية العليا التي تذبح " من الوريد إلى الوريد" ببرامج مخزية ومشينة ولا لهؤلاء الذين يسترخصون الدماء في الزنازين التي تحاكي الاحتلال فترمى التهمة على من يصفى بأنه " انتحر". ولا يهمني إن كان الفعل تم في رام الله أو في غزة.. لأن حركة تحرر وطني يصل بها الأمر إلى هذا الحد من الممارسات العقيمة في الاستخفاف بتحدياتها الرئيسية مع الاحتلال واستشراسها على ذاتها في معارك ثانوية تتحول إلى الرئيسية، هي حركة تكاد تصل حد الانتحار والعقم الذي يتطلب حلا جذريا بعيدا عن هذا التخندق الكاذب في تحول البعض إلى "سلفية جهادية" نكاية بحماس..

نعم حتى أني صُعقت حين استمعت لثلة من "الكتبة" الذين سنوا رماحهم ليدافعوا عن "الجهاديين".. ليس لأنهم أصحاب مبادئ ويؤدون السلفية الجهادية بقدر ما هي وصول العقل المفلس إلى ارتكاب كل الحماقات مادام الثانوي صار رئيسيا في "حركة التحرر الوطني"!

ولكم هو مخز هذا المشهد الذي ترى فيه الأنصال وقد توجهت حيث لا يجب. ولكم هو مخز حقا أن تستمع لتبريرات من هؤلاء الذين يدعون العلمانية بكائياتهم على ما جرى في رفح، وكأن هؤلاء يبيعون في سوق المواقف لمن يشتري بضاعة كلها تلميع ومسح جوخ..

إني لأعجب كيف لبشر تكون أقلامهم وألسنتهم عرضة لممارسة هذا الكم من النفاق والكذب والتمويه على حقيقة مواقفهم.. فقط لأن "المجرمون من حماس قتلوا الشيخ الوديع".. ولو كان المشهد مقلوبا، أي أن " الشيخ الوديع" محاط برجال " وديعون" بأسلحتهم "البلاستيكية" أخذ يردد ما ردده في مساجد الضفة أو أية مدينة عربية يكتب منها هؤلاء لما كنا قرأنا سوى تمجيد فعل القتل والسحل والانتحار..

في المثل القائل " فعلها في لباسه نكاية بالطهارة" الكثير مما ينطبق على هؤلاء الذين يتسيدون ساحة الموقف.. وكله باسم "خطورة المرحلة ومنعطفاتها" التي داخت فيها حركة التحرر الوطني بانجازات تكاد تكون أشنع من الإعلان عنها..

عبثية المفاوضات " الخيار الوحيد"

لو أني لم أكن شاهدا ومستمعا للخطاب الافتتاحي للرئيس عباس في مؤتمر فتح وحديثه عن "عبثية المفاوضات" لقلت إن الناقل شوه ما قاله الرجل.. لكنني كنت أستمع وأسجل ما يتفوه به كلمة كلمة.. وإيماءة خلف أخرى.. إذن، كيف لمؤتمر لم يجف حبر قراراته و يافطاته التي تتحدث عن حق المقاومة أن ينتج لنا فجأة أقل مما أعلنه عباس بنفسه بأن المفاوضات لا يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية.. ويصير الخطاب " المفاوضات هي الطريق الوحيد"..

نحن أمام مشهد عبثي.. مشهد مخجل حقا.. فكل الاشتراطات تُذوب بماء ملوث وتٌشرب بطريقة "شجاعة".. من يذكر "بيت الشرق" واشتراطات فتحه قبل العودة إلى التفاوض.. سيتذكر الآن كيف أن العبثية مع "العدو" حلال.. ومع "الأخ" حرام.. أو باشتراطات لا يمكن التمسك بها مع "العدو".. الأمر يحير العقل حقا.. فكيف نقرأ.. وكيف نفهم كل هذه العبثية إذا لم تكن نتاج صحيح لتراكمات أراد منها أصحابها أن تكون جزءا مما هي عليه الحالة الفلسطينية الراهنة.. من الغريب في العمل السياسي الفلسطيني أن الكل ذكي وشاطر أكثر من غيره في التحليل والتشخيص والتنظير حد الفذلكة.. لكن لا أحد من هؤلاء لا في المنظمة ولا في فتح بات قادرا على قول النتائج والوقوف فعليا وقفة تلجم هذه العبثية التي يمارس فيها البعض السياسة ممارسة المراهقين.. حردا.. وضربا للأرض والبوابات لاسترضاء بمنصب هنا وواسطة هناك!

لأسفي أن السياسة صارت مثل تجارة الخيار والبندورة والفقوس.. لأسفي أن هؤلاء الذين يستعرضون عضلاتهم السياسية عبر الفذلكة والفلسفة ( دون أن يفهموا منها الكثير) هم " الأسياد في البيت الفلسطيني" الذي لا سقف لمواقفه.. ولا شبابيك لحرمة اشتراطات يمررها "العدو" كيفما شاء..

لقد تمت خردقة العقل.. وما سنشهده في اللاحق من مسلسلات التفاوض.. سيكون أكثر دموية وصراعا داخليا.. ونعومة مع كل هذا الاستخفاف الصهيوني بكل هؤلاء دفعة واحدة!

التعليقات