31/10/2010 - 11:02

خلفان ودغان../ إيلي شلهوب

خلفان ودغان../ إيلي شلهوب
كم هي مضحكة الطريقة التي توظّف بها دبي نتائج التحقيق في اغتيال محمود المبحوح. وكم يظهر سخيفاً هذا العرض المتواصل للعضلات الأمنية. وكم يبدو ساذجاً ومثيراً للشفقة قائد شرطة الإمارة ضاحي خلفان، الذي قرر أخيراً مناطحة «رأس الموساد»، مئير دغان.

الضرورات الموضوعية تفترض طبعاً، وأولاً، الإشادة بالإنجاز الأمني لدبي، المتمثل في الكشف عن ملابسات اغتيال القيادي الحمساوي، إن لناحية الفريق المنفّذ (أفراده وحركتهم واتصالاتهم مذ وطئت أقدامهم أرض دبي، إلى حين مغادرتهم لها)، أو لناحية آلية التنفيذ (مجموعة للمراقبة، وثانية للتنفيذ، وثالثة للخروج) أو لناحية الجهة التي تقف خلف العملية («99% الموساد الإسرائيلي»).

الضرورات نفسها تفترض الوقوف عند هذا المستوى من الثقة بالنفس، وبالإجراءات التي اتخذتها شرطة الإمارة (التي ينفي محمد دحلان أن يكون يمتلك فندقاً فيها)، والأدلة التي استحصلت عليها (سلامة جوازات السفر لناحية مطابقتها لمعايير دول المنشأ، والصور الشخصية للمنفذين، ولو كانت لا تتطابق مع هوية أصحاب الجوازات...)، فضلاً عمّا أظهرته من مهنية لجهة الامتناع عن الكشف عن أدلة إضافية تقول إنها في حوزتها، لكونها لم تتأكد بعد من صدقيّتها. وكل ذلك طبعاً بفضل الأجهزة والتقنيات والخبرات المستوردة.

أن تسعى دبي إلى تأكيد حقيقة أنها دولة أمنية بامتياز لكنها ليست بوليسية أمر مفهوم، على قاعدة أن الأمن يمثّل واحدة من الركائز الثلاث لتلك الإمارة الخليجية. وما دبي غير جنّة ضريبية، وواحة ترفيهية آمنتين. التركيز على هذه الخاصية أمر مطلوب في عزّ الازدهار، فكيف الحال في الأشهر العجاف المرشحة لأن تمتد سنوات. من هنا نجد الأجهزة الأمنية في الإمارة تسارع إلى التعبير عن حرفيتها عند كل حدث أمني كبير يحصل على أراضيها تكون أطرافه أجنبية (جريمة قتل سوزان تميم نموذجاً).

لكنها تفعل ذلك فقط عند تحقيق نجاحات، وتلجأ إلى الصمت المطبق في الحالات الأخرى. حادثة مقتل القيادي الشيشاني سليم عمادييف، خصم الرئيس الموالي للروس رمضان قاديروف، في آذار 2009، تمثّل نموذجاً لم يجرؤ فيه خلفان على التبجّح بالإنجازات، ولا هو تمكّن حتى الآن من تحديد الجناة أو اعتقالهم، على ما توعّد أول من أمس في شأن قتلة المبحوح.

وكون الأمن ممسوكاً، إلى حد معقول، في دبي، لا ينفي حقيقة أنها مرتع للجريمة المنظّمة، من تبييض أموال (أكبرها أموال نظام صدام حسين) واحتيال (يتّخذها الإيرانيون مقراً لأعمالهم التجارية من أجل الالتفاف على العقوبات الدولية)، فضلاً عن أنها وكر لجميع أجهزة الاستخبارات في العالم (يقطنها أناس من 250 جنسية).

لعلّ أكثر ما يثير السخرية في ما يجري هو تبرير خلفان لواقعة الاغتيال بعنوان أن «من يأتي دبي من وراء ظهرنا فليحمِ هو ظهره»، كأنّ سعادته كان سيستقبل المبحوح بالترحاب، أو كان سيعطيه حتى تأشيرة دخول، لو كان عرّف عن نفسه بأنه قيادي في المقاومة الفلسطينية. بل تحميل سعادته للضحية مسؤولية تصفيتها بعنوان أنها من الغباوة الأمنية بمكان، بحيث دخلت دبي «ترانزيت» في طريقها إلى الصين، ومن ثم السودان، من دون مرافقة أمنية. وهو يتحدث طبعاً عن شخصية أمنية، وعلى مستوى قيادي، نجحت في الإفلات من الاغتيال لسنوات. لا استغراب إذا ما استذكرنا كيف قدّم خلفان الضحية: «ليس كل من نفّذ عملية قياديّاً»، وهو«مطلوب لأنه أسر إسرائيليَّين وقتلهما. نحن لا نقتل أسرى في الإسلام».

لم يشرح لنا السيد خلفان لماذا لم تراقب أجهزته الأمنية القتلة الـ11 منذ دخولهم دبي؟ بل لماذا لم تحقّق معهم وقد أقرّ بأنها كانت تعرف منذ البداية أنهم سبق أن عاشوا لسنوات في إسرائيل؟ عفواً، نسينا كم هي حريصة دبي على تكريم الضيف، ولو كان إسرائيلياً. الامتيازات التي تقدّمها حالياًً للاعبة التنس شاحار بير (طبقة في فندق، وأكثر من 20 حارساً)، وقبلها لسيلفان شالوم وغيرهما كثر، خير دليل.

هناك طبعاً محاولة سعادته الظهور بمظهر الحريص على الشعب الفلسطيني، الذي دعاه إلى الانتفاض على «حماس» و«فتح» معاً. لعلّه يحاكي دور رئيس مجلس إدارة شركة «إعمار»، محمد العبار، الذي دفعه حرصه على الفلسطينيّين إلى زيارة أرييل شارون وغيره من المسؤولين الإسرائيليين في القدس المحتلة قبيل فك الارتباط، لإقناعه بعدم هدم مستوطنات غزة، عارضاً شراءها.

وهناك أيضاً استخفاف خلفان بجهاز الموساد، الذي أوحى أنه يمتلك من القدرات ما يمكّنه من اختراقه بسهولة، لو أراد، فضلاً عن مطالبته باعتقال رئيسه مئير دغان وسوقه مخفوراً إلى المحاكمة. لا تبرّر هذا الاستخفاف واقعة الإخفاق الأمني الذي يقرّ به الجميع في إسرائيل.

لكن «الخبرية» هي أنه يعرف اسم جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي، واسم رئيسه. أما كيف؟ فهذا سؤال آخر.

مهما يكن من أمر، هناك رائحة دحلانية تفوح من عملية الاغتيال. الخوف كل الخوف من انتشارها.
"الأخبار"

التعليقات