31/10/2010 - 11:02

خيارات عباس أمام تصدع حصار غزة../ أحمد الحيلة*

خيارات عباس أمام تصدع حصار غزة../ أحمد الحيلة*
راهن الاحتلال الصهيوني كما العديد من الأطراف الإقليمية والدولية على حصار غزة في دفع حركة حماس إلى تغيير موقفها السياسي من شروط الرباعية (الاعتراف بالاحتلال، الاعتراف بالاتفاقيات السياسية الموقعة مع الاحتلال، نبذ العنف أي المقاومة)، أو دفع الشعب الفلسطيني للانقلاب على خياراته الديمقراطية، وبالتالي التنكر لنتائج الانتخابات ومن ثم الانقلاب على حركة حماس في غزة وعلى حكومة تسيير الأعمال هناك أو ما يسمى بالحكومة المقالة بقيادة السيد إسماعيل هنية.

ما حدث من حراك جماهيري لأبناء غزة على الحدود مع مصر (24/1) إثر قطع التيار الكهربائي ووقف الإمدادات النفطية الضرورية ( 22-23/1)، أثبت مجدداً فشل الرهان على الحصار، كما أنه أحدث خيبة أمل كبيرة لدى الصهاينة الذين فوجئوا بهذا الحراك الذي كان يراد له أن يكون ضد حركة حماس التي حرص الاحتلال منذ فوزها في الانتخابات التشريعية في كانون ثاني 2006 على تشويهها بوصفها قرينة للفقر والبطالة والجوع والحصار..، لكن المشهد جاء بعكس التوقعات، فحركة حماس ازدادت شعبيتها، وازداد التفاف الجماهير حولها بصبرها أمام الظلم الواقع عليها وعلى الشعب الفلسطيني الذي رفضت الحركة التنازل أو التفريط بحقوقه الوطنية.

ما حدث على الحدود المصرية الفلسطينية غيّر من ملامح المشهد السياسي من عدة زوايا، أهمها:
• أن الرأي العام الفلسطيني والعربي دخل المعركة السياسية ضد الحصار بفاعلية..
• مصر ـ بوابة غزة إلى العالم ـ وقفت موقفاً إيجابياً وحكيماً عندما سمحت للفلسطينيين باجتياز معبر رفح والحدود للتزود باحتياجاتهم الضرورية من منطلق إنساني وقومي، هذا بالإضافة إلى موقفها المتقدم في دعوة حركتي فتح وحماس للحوار في القاهرة.
• جامعة الدول العربية وضعت النقاط على الحروف ـ وإن بشكل نظري لحد الآن ـ عندما أعلن وزراء خارجيتها المجتمعين في القاهرة (27/1) عن غزة منطقة منكوبة، ومحملين الاحتلال المسؤولية الكاملة عما حدث ومطالبينه برفع الحصار وفتح المعابر، هذا فضلاً عن دعمهم لموقف القيادة المصرية بمطالبة الفلسطينيين (فتح وحماس) الشروع في الحوار على أسس تحافظ على الثوابت الفلسطينية.
• انفضاح الاحتلال الإسرائيلي، ووقوع الدول الأوروبية والولايات المتحدة في حرج أمام الرأي العام الدولي، عندما انكشفت سوءات الحصار اللاإنساني المضروب على غزة منذ ثمانية أشهر.

كل ذلك يضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام استحقاق وطني فلسطيني، خاصة بعدما أكد المؤتمر الوطني الفلسطيني المنعقد في دمشق 23-25/1/2008 والذي ضم غالبية الفصائل والقوى الفلسطينية في الداخل والشتات، على ضرورة الحوار سبيلاً لحل الخلافات الداخلية وصولاً إلى الوحدة الوطنية.

الكرة الآن أصبحت في ملعب الرئيس عباس، وهو يقف أمام خيارين على النحو التالي:

الخيار الأول: قبول دعوة مصر والجامعة العربية والشعب الفلسطيني للحوار مع حركة حماس استناداً لاتفاق القاهرة 2005، ووثيقة الوفاق الوطني 2006، واتفاق مكة 2007، وبالتالي الشروع في مرحلة جديدة لإعادة بناء البيت الفلسطيني الداخلي بفتح جميع الملفات الخلافية، والاتفاق عليها برعاية عربية (إعادة بناء م.ت.ف، إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس مهنية ووطنية، الشراكة السياسية، التحضير لانتخابات جديدة بالتوافق، توحيد الرؤية السياسية في التعامل مع الاحتلال..)، وإذا صدقت النوايا فيمكن القول أن الشعب الفلسطيني سيستعيد عافيته ووهج قضيته على أساس من الوحدة والتوحد في مواجهة الاحتلال، وكل حسب قدراته واستطاعته.

ولكن نجاح هذا الخيار يعتمد بالأساس على موقف الرئيس عباس من الضغوط الأمريكية ـ الإسرائيلية التي ستسعى جاهدة لمنع التقارب بين حركتي فتح وحماس بالتهديد بوقف المساعدات المالية والتي كان آخرها الـ 7.4مليار دولار التي وعد بها مؤتمر باريس مؤخراً، إضافة إلى التهديد بوقف المفاوضات السياسية بهدف إدامة الخلاف والانقسام الوطني، وابتزاز الرئاسة لتقديم المزيد من التنازلات..

الخيار الثاني: رفض الرئيس عباس لدعوات الحوار، بالتذرع بالشروط التي دأب على تكرارها من دعوة حماس إلى التراجع عن "الانقلاب" وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، والتزام حماس بشروط الرباعية أو بالاتفاقيات السياسية الموقعة مع الاحتلال..، وذلك أملاً في دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت إلى التعجيل والإسراع في عملية المفاوضات من أجل التوصل إلى تفاهمات حول قضايا الحل النهائي كالقدس، واللاجئين، والحدود، والمياه، والدولة..، مع نهاية العام الجاري.

لكن هذا الخيار يحمل بذور فشله، لأنه خيار جرب سلفاً، كما أن واقع المفاوضات لم يثمر لحد الآن عن مجرد رفع حاجز هنا أو هناك في الضفة الغربية، فما بالنا بإلزام الاحتلال بتنفيذ استحقاقات "السلام" كالانسحاب، وعودة اللاجئين..، في غضون عدة أشهر قُبيل رحيل الرئيس الأمريكي بوش الذي أعلن عن مواقف تتماهى إلى حد بعيد مع الرؤية الصهيونية للحل كاعترافه بيهودية دولة الاحتلال، وتأييده لضم الكتل الاستيطانية الكبرى لإسرائيل، وتعديل حدود الهدنة، إضافة إلى مطالبته بتعويض اللاجئين الفلسطينيين بدلاً عن عودتهم حسب قرارات الشرعية الدولة التي اعتبرها فاشلة في تحقيق السلام بين الأطراف. هذا ناهيك عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت نفسه يعاني من أزمة داخلية تتعلق باحتمالية انفراط عقد حكومته الائتلافية مع حزب العمل نتيجة لنشر نتائج تحقيق لجنة فينوغراد حول أسباب إخفاق الحرب على لبنان العام الماضي، الأمر الذي يعني بقاء الحال على ما هو عليه حتى منتصف عام 2009، أي بعد تشكيل حكومة صهيونية جديدة، وبعد انتهاء مراسيم تسلم الرئيس الأمريكي الجديد لمفاتيح البيت الأبيض.

في تقديرنا أن الزمن بدأ يتقادم على الرئيس عباس، وهو مطلوب منه أن يحسم خياراته استناداً لإرادة الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، مستغلاً في ذلك ظرف تصدع الحصار الآخذ في التراجع، ومتسلحاً بالموقف العربي الأخير (الجامعة العربية) ـ المطالب بالحوار الداخلي ورفع الحصار عن غزة ـ للتصدي للضغوط الأمريكية ـ الإسرائيلية المتوقعة، ولإعادة بناء البيت الفلسطيني الداخلي في مواجهة الاحتلال وبدعم عربي وخاصة من مصر والسعودية.

التعليقات