31/10/2010 - 11:02

دائرة اللاجئين الفلسطينيّين و الغيبوبة الدائمة../ معتصم حمادة*

دائرة اللاجئين الفلسطينيّين و الغيبوبة الدائمة../ معتصم حمادة*
في الوقت الذي تضجّ فيه الحالة الفلسطينية في جدال صاخب بشأن قضية اللاجئين، وما يدور حولها من نقاشات في المفاوضات الحاليّة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، تعتصم دائرة شؤون اللاجئين بالصمت، ولا تبدر عنها أية إشارة أو ملاحظة ولا تدلي بأي تعليق. وكأن الدائرة هي آخر من تعنيهم قضية اللاجئين.

وقد يقول قائل إن حالة السبات التي تعيشها هذه الدائرة، هي نفسها حالة السبات التي تعيشها باقي دوائر منظمة التحرير الفلسطينية والممثّلة في اللجنة التنفيذية. وهذا الكلام، على صحتّه، يتجاهل أن دائرة اللاجئين تتميّز عن غيرها بأنها معنية بشكل مباشر، بأوضاع ستة ملايين لاجئ ينتشرون في طول الأرض وعرضها، وهو ما يعطيها أهمية خاصة، تنطلق من خصوصية قضية اللاجئين ومحوريتها في الموضوع الفلسطيني.

وهي في الوقت نفسه، ومن هذا الموقع، معنية بالعلاقة مع وكالة الغوث (الأونروا) ومراقبة أدائها في المخيمات والتجمعات السكنية للاجئين والبحث معها في تطوير هذا الأداء، بما يتلاءم مع تطور أوضاع اللاجئين واحتياجاتهم والزيادة الطبيعية لأعدادهم.

كما هي معنية بالتحرك إلى جانب «الوكالة» لتأمين التمويل اللازم لها من الجهات المانحة وتوفير حلول للعجز المالي الذي تعانيه هذه الوكالة منذ أكثر من عقدين.

والدائرة معنية أيضاً بالعلاقة مع الدول العربية المضيفة لتنظيم العلاقة معها وبينها وبين اللجنة التنفيذية وبما يخدم مصالح اللاجئين الاجتماعية والسياسية. وبسبب غياب الدائرة وتقاعسها عن أداء دورها، انزلقت العلاقة الفلسطينية مع هذه الدول لتتابعها، من زوايا مختلفة، حكومة السلطة الفلسطينية، علماً أن هذه السلطة معنية فقط بشؤون الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

مثال على ذلك إن رئيس دائرة اللاجئين زكريا الآغا، لم يزر حتى الآن لبنان للاطمئنان إلى أوضاع لاجئي مخيم البارد، بينما زارهم وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة هنيّة (السابقة) صالح زيدان. كذلك نفترض أن الدائرة معنيّة بتنظيم الصلات مع تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا والغرب، وتفعيل دورهم في كسب التأييد الأوروبي والغربي الشعبي والرسمي لمصلحة قضايا اللاجئين وحق العودة. بكل ما يقتضيه هذا التحرك من تنظيم ورش عمل، وحلقات بحث، ومؤتمرات واتصالات مع البرلمانات والبلديات والأحزاب والهيئات الأهلية، وصانعي الرأي العام في بلادهم...

وبنظرة سريعة على واقع الدائرة، يتبيّن لنا أن رئيسها المقيم في غزة، تحت الحصار الإسرائيلي، مشغول حتى الأذنين في معالجة الأوضاع الداخلية لـ«فتح» في القطاع في سياق صراعها مع «حماس»، الأمر الذي لا يوفر له لا الوقت ولا القدرة على متابعة واجباته كرئيس لدائرة شؤون اللاجئين. وهو بالتالي منقطع عن حضور اجتماعات اللجنة التنفيذية، وخارج سياق التفاعل مع الحدث الفلسطيني، لمصلحة الاستغراق في متابعة الحدث داخل غزة فقط.

كما نلاحظ أن مكتبي الدائرة في رام الله وعمّان، وفي ظل افتقارهما إلى خطة عمل ملموسة لا يؤدّيان دوراً فاعلاً في مجالات اختصاصهما. وفي هذا السياق نذكر ـ على سبيل المثال ــ مأساة اللاجئين في العراق الذين توزعوا بين مخيم الهول والتنف والأنبار، دون أن يجدوا جهة فلسطينية رسمية تعنى بشؤونهم ما عدا سفارة فلسطين في بغداد بإمكاناتها المحدودة جداً.

وحين تحركنا كلجان لحق العودة لإغاثة العالقين منهم في التنف، افتقدنا الجهة الفلسطينية الرسمية التي يمكن أن تزودنا باحتياجات حوالى 400 لاجئ عالقين هناك من خبز وطعام وأدوية وأغطية وحليب وأدوات مطبخ وغيرها. وهو ما اضطرنا مع عدد من النشطاء والمتطوعين إلى تنظيم حملات تبرع لم تستطع أن تفي بالغرض.

وما زالت قضية هؤلاء اللاجئين معلّقة دون حل، وما زالت دائرة شؤون اللاجئين غائبة (أو مغيبة) عن الوعي. وحين نُقلت أعداد من اللاجئين في الرويشد، والأنبار إلى دول أميركا اللاتينية، لم تقم الدائرة بأي جهة لضمان اندماج هؤلاء بالمجتمع المحيط، أو لحل مشاكلهم حيث وجدت.

وقد اطلعنا يوماً عن طريق الدكتور أسعد عبد الرحمن على بعض نشاطات الدائرة، يوم كان رئيسها. فأذهلنا، ليس فقط حجم النشاط الذي بذله لتوفير خدمات وإعانات ومشاريع تنموية لمخيمات الضفة والقطاع، بل كذلك حجم التدخلات والتعقيدات من جانب أصحاب النفوذ في هذه المخيمات للاستيلاء على الإغاثات والخدمات وتوزيعها على المقربين والمحازبين في سلوك ينضح فساداً.

كذلك أذهلنا أن نشاط الدائرة اقتصر على الضفة والقطاع وأسقطت الدائرة من حسابها مخيمات الخارج، وخاصة مخيمات لبنان المعروف أنها تشكو نقصاً حاداً في الخدمات، حتى إنّ عدداً من الوفود الوزارية اللبنانية خرجت منها مصابة بصدمة معنوية لبشاعة الأوضاع التي اطلعت عليها. مما لا شك فيه أن غياب المجلس الوطني الفلسطيني وسقوط دوره في مساءلة دائرة شؤون اللاجئين أسهم في تغييب الدائرة. كما أسهم في تعزيز حالة العجز التي تعيشها اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير واقتصار دورها على لقاءات تشاورية لا تسمن ولا تغني عن جوع.

وقلّما أخذ رئيس اللجنة محمود عباس برأي أعضائها. بل إن من يطلع على محاضر اجتماعات اللجنة يلاحظ أن سياسة عباس في وادٍ، وأن مداخلات أعضاء اللجنة في وادٍ آخر. الأمر الذي يعني أن مصلحة اللاجئين تفترض العمل على إصلاح أوضاع المنظمة عبر إعادة بناء مؤسساتها بالانتخابات بدءاً بالمجلس الوطني الفلسطيني انتهاءً باللجنة التنفيذية ودوائرها، مروراً بلجان المجلس نفسه المعنية بمساءلة أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيسها كما تسائل اللجان البرلمانية رئيس الحكومة والوزراء.

إنّ قيام المؤسسة على الانتخابات خطوة من شأنها أن تفتح أقنية الاتصالات والمساءلة بين المواطن (اللاجئ) وبين المؤسسة. فيصبح صندوق الاقتراع عندئذ محطة يمارس فيها اللاجئ حقه في استبعاد الحالات المنافقة والفاسدة واختيار الحالات الصادقة من بين صفوف اللاجئين أنفسهم بحيث تتمثل المخيمات بأبنائها لا أن يسقط عليها «ممثلوها» بالمظلات الفضائية وباتفاقات فوقية وعليا، تستجيب للمصالح الفئوية والشخصية الضيقة على حساب المصلحة الوطنية العليا.
"الأخبار"

التعليقات