31/10/2010 - 11:02

دعوة إلى تعلم اللغة الصينية وتعليمها../ عبد الإله بلقزيز

دعوة إلى تعلم اللغة الصينية وتعليمها../ عبد الإله بلقزيز
متى ستكسر دولة عربية المألوف فتقدم على خطوة تاريخية مثل إقرار اللغة الصينية في المقررات الدراسية الرسمية في المراحل الثانوية تمهيداً لإقرارها في التعليمين الإعدادي والابتدائي؟

خطوة تاريخية حقاً، وشجاعة حقاً، وحكيمة بجميع المقاييس، هذه الخطوة التي نحلم بأن تقدم عليها دولة عربية ما، وإن كنا على يقين بأن أحداً من الماسكين بأزمة الأمور في البلاد العربية لا يأبه لأمرها، وربما ما خطرت له بالبال أصلاً. لكن امتناعها، لأسباب مختلفة، لا يمنع من الدعوة إليها وبيان الحاجة إليها من أجل تأهيل أجيالنا القادمة لعصرها القريب الذي ستكون فيه اللغة الصينية لغة العالم الأولى والرئيسية بعد أن تكون الصين قد أصبحت القوة الكبرى الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية الأولى في العالم.

قلنا إننا على يقين بأن أحداً لن يخطو هذه الخطوة في المنظور من الزمن وذلك لأسباب ثلاثة على الأقل:

أولها أن النخب العربية الحاكمة مرتبطة ثقافياً ولغوياً بثلاثة مراكز في العالم: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. فيها تلقى أطرها تكوينهم وتلقنوا لغتها (الانجليزية أو الفرنسية)، وإليها وجهوا بعثاتهم الجامعية منذ عقود، وبخريجي جامعاتها ومعاهدها العليا يديرون مؤسسات الدولة وأجهزتها، وبأساتذة تلك البلدان الأجنبية الثلاثة شكلوا النواة التأسيسية لجامعاتهم، وبخبرائها الاقتصاديين والعسكريين وتقاريرهم وبرامجهم وتوصياتهم يهتدون، وبتكنولوجياتها يتعاملون، ومن أسلحتها يسلحون جيوشهم.. الخ، وهذه جميعها مواريث يبدو لهم التخلي عنها شأناً في عداد المستحيل. وقد تجد منهم من يقول لك: وماذا يفيدني مواطن متعلم للصينية أو خريج جامعة صينية إذا كان عليه أن يستعمل هنا في بلده اللغة الانجليزية أو اللغة الفرنسية باعتبار أن دولتنا العربية لا تنطق بغير هذين اللسانين؟ وهما في الدولة قطعاً أعلى شأناً من اللسان العربي نفسه.

وثانيها أنها نخب لا تملك الجرأة، حتى إن أرادت خيراً بحق الأجيال الجديدة والقادمة في تعلم الصينية على أن تكسر حلقة التبعية الثقافية واللغوية للمراكز الغربية المهيمنة، لأنها غير مستعدة لدفع ثمن التمرد على وصاية تلك المراكز على المستقبل العلمي والثقافي العربي برمته. والحق أن هذه النخب الحاكمة ليست وحدها المسؤولة عن حماية اللسان الأنجلو أمريكي أو اللسان الفرنسي في مجتمعنا وثقافتنا ونظامنا التعليمي وإدارتنا والشؤون العامة في بلادنا العربية، وإنما يشاركها دور السدانة جيش عرمرم من اللوبيات الانغلوفونية والفرنكوفونية يرى في زحزحة “لغته” من مركز السيادة والنفوذ زحزحة له من مواقع السلطة السياسية والثقافية بل إننا نراه يستميت دفاعاً عنها أكثر من النخب الحاكمة نفسها.

وثالثها أن أكثر ما ينقص النظام العربي الرؤية المستقبلية والقدرة على التخطيط للمستقبل. وهو نقص يفسر التجريبية في السياسة وعدم حسبان الاحتمالات أو استثمار الموارد المتاحة استثماراً بعيد الأمد. من مشاكل الاختناق الحاد لحركة المرور في شوارع المدن إلى بداية نضوب ثروات طبيعية غير متجددة نتيجة هدرها المفرط، سيل متصل من المشاهد والشواهد الدالة على أن آخر ما يدور بخلد الدولة عندنا هو التخطيط للمستقبل. ولذلك، لا أمل في أن تنتبه حكومة من حكومات عرب اليوم إلى رياح التحولات القادمة في ميزان قوى الاقتصاد والعلم والثقافة على الصعيد الكوني (وإن كانت أخذت بعض علم بذلك من أولمبياد الصين الأخير) فترتب على الشيء مقتضاه.

قد نجد من يرد بأن أحداً من المسؤولين أو من وزراء التعليم العرب لا يجهل الأهمية الاستراتيجية لهذا الخيار، ولا يعدم الشجاعة للدفاع عنه أو للإقدام عليه لو كانت إمكاناته المادية متاحة. وهذا استدراك يحاول التذرع بتعلات تقنية من قبيل صعوبة اللغة الصينية وصعوبة تلقينها، أو من قبيل الكلفة المادية الباهظة لتغطية نفقات تعليمها وانعدام الأطر المدرسة وما شابه. وهي في مجملها تعلات لا تصمد أمام الرد:

فأما أن اللغة الصينية صعبة على التلامذة العرب، فشأنها في الصعوبة شأن أية لغة أخرى ذات كثافة حضارية. فمن قال إن اللغة العربية بسيطة وسهلة التحصيل؟ من منا يعتقد أنها يسيرة على عشرات الآلاف من الصينيين الذين تعلموها، أو على مئات آلاف من المسلمين غير العرب من اندونيسيين وماليزيين وباكستانيين وأفغان ونيجيريين وسنغاليين وأوزبكيين وبلغار وبوسنيين وأتراك، وكثير منهم شد الرحال إلى دمشق والقاهرة وبغداد لتعلمها؟

وأما أن كلفة تعليم اللغة الصينية ستكون عالية وثقيلة على موازنات وزارات التعليم، فهي إذ تصح في حالة دول عربية فقيرة لا تملك أن تنشر مدارسها خارج المدن والحواضر، ولا تصح في حالة دول عربية أخرى تسمح إمكاناتها بالكثير. ومثلما جيء في وقت سابق بأساتذة أجانب لتعليم الانجليزية والفرنسية، قبل تكوين الأطر الوطنية التي نهضت بهذه المهمة في ما بعد، يمكن أن يؤتى بأساتذة صينيين في مرحلة أولى إلى حين تكوين أطر وطنية في اللغة الصينية تستكمل عملية تلقين هذه اللغة في مدارسنا.

ثمة من قد يستغرب دعوتنا فيحسبها في باب الترف. وقد نجد من يقول إن الأولى بنا أن نعزز علاقة الأجيال الجديدة باللغتين الفرنسية والانجليزية اللتين تراجع مستوى تلقينهما (كما تراجع بل انحدر مستوى تلقين العربية). ولست أختلف مع هذا الرأي كثيراً، لكني لا أجد تعارضاً بين تقوية هاتين اللغتين وبين تعليم الصينية (وتعزيز الألمانية والإسبانية). لماذا الاحتكار الحصري للغتين الانجليزية والفرنسية (علماً بأن الفرنسية لم تعد اللغة العالمية القوية مثلما كانت قبل أربعة عقود أو نصف قرن قد لاينفعك استعمالها خارج فرنسا وبعض إفريقيا)؟

اللغة الصينية اليوم لغة ربع سكان الأرض. وبعد أقل من نصف قرن ستصبح لغة العالم كله. ماذا أعددنا لهذا الموعد غير التمسك بلغات آفلة: فقط لأننا نحن نتكلمها، أما من سوف يأتون، فإلى الجحيم.
"الخليج"

التعليقات