31/10/2010 - 11:02

دلال المغربي حتى في استشهادها تخيفهم../ راسم عبيدات

دلال المغربي حتى في استشهادها تخيفهم../ راسم عبيدات
سيدرك "دايتون" و"نتنياهو" و"ليبرمان" وكل قادة إسرائيل وجنرالات أمريكا من زيني وحتى ميتشل، أنهم مهما حاولوا ومهما مارسوا من قمع وبطش وضغط وإذلال، فلن ينجحوا في خلق إنسان فلسطيني جديد، إنسان متخل ومتنكر عن ولكل قيمه وتاريخه وتراثه ونضاله وتضحياته ورموزه وأسراه وشهدائه.

والتاريخ البشري لم يعرف في كل مراحله وفتراته ومحطاته شعباً خان أو تنكر لشهدائه ومناضليه، أو قايض كل هؤلاء بسلطة وهمية، فالشهيد الرمز أبو عمار ومعه القادة حبش وأبو علي مصطفى وأبو جهاد والشقاقي وأحمد ياسين والرنتيسي وغيرهم، سيبقون رموزاً خالدة في سفر النضال الوطني الفلسطيني، ولن يستطيع لا "دايتون" ولا غيره محوهم من ذاكرة ووجدان شعبنا بأنهم شهداء ورموز وقادة عظام لشعبنا وثورتنا الفلسطينية. وأيضاً الشهيدة دلال المغربي وغيرها من شهداء شعبنا الأبطال.

فالاحتلال المصاب بالعنجهية والغرور والمشبع بالحقد والكره للآخر، والتمنى ليل نهار على طريقة رئيسة وزرائهم سابقا "غولدا مئير" أن تنشق الأرض أو البحر لكي تبتلعه، غير جاهز لا على المستوى الحكومي أو الشعبي لصنع سلام أو تقديم تنازلات حقيقية وجدية من أجل السلام، فكل يوم نلمس الكثير من التصريحات لقادة إسرائيل ورموز مؤسساتها الدينية تدعو إلى قتل وطرد العرب وترحيلهم وتصفهم بأقبح وأبشع الأوصاف التي لا تمت للبشرية بصلة، وتحقرهم وتصفهم بالدونية والحيوانات وغيرها، حتى وصل الأمر بأحد حاخاماتهم حد التحريض على قتل الأطفال الفلسطينيين.

ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل تجاوزت كل الخطوط الحمر، والاستهتار بعواطف ومشاعر ومواقف قادة وشعوب شعبنا وأمتنا العربية، مستغلين فقدانهم للإرادة السياسية ورهن مواقفهم ومقدراتهم ووضعها في يد أطراف خارجية، وتخليها عن خيار ونهج المقاومة.

ولعل التراجيديا التي حدثت في اجتماع لجنة المتابعة العربية، تثبت مدى حالة الانهيار العربي وشموليتها، عندما جاء الرد على أقوال الرئيس أبو مازن، عندما خاطب الوزراء العرب بالقول إذا اخترتم الذهاب للحرب فنحن مستعدون لذلك، فرد وزبر خارجية دولة عربية بالقول نحن نحارب بأموالنا يا أبو مازن، وآخر قال فليحارب من لم يوقع على معاهدة سلام مع إسرائيل، ولذلك جاء الرد الإسرائيلي على قرارهم باستئناف الفلسطينيين لمفاوضتهم مع إسرائيل بشكل غير مباشر ولمدة أربعة شهور سريعاً جداً، حيث صادقت الحكومة الإسرائيلية في يوم 9/3/2010 على بناء 1600 وحدة سكنية في شمال شرق القدس، من أجل توسيع مستوطنة "رمات شلومو"، وأعلن نائب رئيس بلدية القدس المحتلة عن نيته افتتاح مكتب له في بيت أم كامل الكرد الذي استولى عليه المستوطنون في منطقة الشيخ جراح، ناهيك عن طرح عطاء لبناء 112 وحدة سكنية في مستوطنة "بيتار عليت" في منطقة بيت لحم.

والوقاحة والعنجهية الإسرائيلية بلغت حداً غير مسبوق، فقبل شهرين وجهت إسرائيل اتهامات إلى الرئيس عباس ورئيس وزرائه سلام فياض، بالتحريض ودعم "الإرهاب"، والمقصود هنا المقاومة، وذلك كون الأول وافق على إقامة نصب تذكاري للشهيدة القائدة دلال المغربي، أحد أبرز عناوين المقاومة والنضال الفلسطيني، والثاني لكونه وصف الأخوة الثلاثة من كتائب شهداء الأقصى والذين أعدمتهم القوات الخاصة الإسرائيلية بدم بارد في نابلس بالشهداء.

فهل يوجد ما هو أوقح من ذلك؟ بل وزادت وقاحتهم عندما لم تجابههم تلك القيادة بموقف صلب، حيث تجرؤوا لاحقاً لحد تهديد السلطة بالتدخل وتدمير أي نصب تذكاري يدشن للشهيدة دلال المغربي في رام الله. وهذا تعبير عن العنجهية وعقلية البلطجة الإسرائيلية، ولكم أن تتخيلوا لو أن أحدا من العرب أو الفلسطينيين، وطبعاً هذا غير ممكن، طلب منهم عدم إقامة نصب تذكاري للوزير المتطرف "زئيفي"والذي اغتالته الجبهة الشعبية" ردا على اغتيال أمينها العام السابق القائد الشهيد أبو علي مصطفى، وهو المعروف بعنصريته وتطرفه وصاحب نظرية طرد وترحيل العرب، ماذا سيكون الرد الإسرائيلي على ذلك؟ فهي ستطالب باعتقال من طالب بذلك وربما اغتياله، ناهيك عن الاتهام بالاسطوانة المشروخة اللاسامية وكره اليهود ..الخ.

ومن هنا على قادة إسرائيل وكل دول العالم أجمع، أن يدركوا جيداً أنه إذا كان المطلوب لقاء إقامة دولة كنتونات فلسطينية معزولة، وسلطة وهمية ليس لها أي مظهر من مظاهر السيادة، أن يتنكر الشعب الفلسطيني لقادته ومناضليه وشهدائه وأسراه، وأن يدين كل تاريخه النضالي والوطني ويصفه بـ"بالإرهاب" بدل المقاومة المشروعة التي كفلتها الأعراف والمواثيق الدولية للشعوب المحتلة، وأن يصف الصهيونية بدلاً من أنها حركة عنصرية بحركة تحرر وطني، فهذا لن يتحقق ولن يصبح واقعاً. وأي قائد فلسطيني مهما بلغت به الخسة والنذالة لن يقبل بممارسة هذا الدور، والشعب الفلسطيني لن يعطيه الفرصة لترجمته لأفعال على أرض الواقع، ومثل هذه المطالب والتدخل السافر في الشأن الفلسطيني ليس لها سوى تفسير ومعنى واحد هو أن دولة الاحتلال لا تريد وليست جاهزة لا على المستوى الرسمي ولا حتى الشعبي، والذي يتجه بشكل كبير نحو اليمين والتطرف، لدفع أية استحقاقات من أجل السلام. فمن يريد منا وصف شهدائنا بـ"القتلة ومعتقلينا بـ"الإرهابيين"، ووصف قادتهم الملطخة أيديهم بدماء شعبنا بأنهم "أبطال" فهم لا يبحثون عن سلام واستقرار، بل يريدون ووفق عقلية البلطجة والزعرنة وثقافة القوة إذلالنا وامتهان كرامتنا وفرض شروطهم وإملاء اتهم علينا.

وبالتالي لو سأل كل أبناء شعبنا عن موقفهم من القائدة الشهيدة دلال المغربي، وما تقوم به إسرائيل من تدخلات سافرة وفظة وتهديدات بتدمير أي نصب تذكاري لها في رام الله، لقالوا بصوت واحد وبإجماع قل نظيره، بأن دلال هي رمز عزتنا ومقاومتنا وثورتنا، وهي تعبير عن رفض شعبنا للاحتلال، وهي لم تمتشق السلاح وتحترف النضال لولا طردها وتهجيرها هي وملايين اللاجئين الفلسطينيين من أرضهم التي ولدوا فيها ويحرمون من العودة إليها.

وأيضاً أنا على قناعة تامة بأن شعبنا الفلسطيني بكل ألوان طيفه السياسي، حتى المكونة منها للسلطة، سيقولون فلتذهب هذه السلطة إلى الجحيم إذا كان ثمنها أن نتنكر لشهدائنا وأسرانا، وأن نتخلى عن قيمنا وكرامتنا، فهؤلاء المناضلين هم صناع تاريخنا وثورتنا وعنوان نضالنا، وعلى هديهم وطريقهم نسير ونمضي.

التعليقات