31/10/2010 - 11:02

دور المقاومة الفلسطينية في حماية الهوية الوطنية../ أحمد الحيلة*

دور المقاومة الفلسطينية في حماية الهوية الوطنية../ أحمد الحيلة*
استشعر الفلسطينيون الخطر المحدق بهويتهم الوطنية على وقع "النكبة" في الـعام 48، بعدما اضطروا فرادى وجماعات إلى هجر قراهم ومدنهم قسراً. وازداد هذا القلق والخوف على الهوية الوطنية بعدما انكفأت الجيوش العربية ـ التي كانت ترفع لواء الدفاع عن فلسطين ـ مهزومة على يد جيش الاحتلال الصهيوني في العام 67 من القرن الماضي، أي بعدما تحول معظم الشعب الفلسطيني إلى لاجئين في الشتات والوطن المحتل.

تلك اللحظة الفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، دفعت الكثيرين من الفلسطينيين إلى المبادرة، واللحاق بمشروع المقاومة الفلسطينية، بعدما خاب الأمل والظن في الرسمية العربية وجيوشها العتيدة، وإيماناً منهم بأن المقاومة أو الكفاح المسلح، هو الطريق الوحيد القادر على استعادة الأرض والوطن المسلوب.

ومن هنا، انطلقت منظمة التحرير الفلسطينية ، كما انطلقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحركة الجهاد الإسلامي كمكون لمشروع المقاومة والتحرير. وعلى الرغم من اختلاف المدارس، والمرجعيات الفكرية للفصائل الفلسطينية المقاومة، إلا أنها آمنت وعملت للحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، بدافع الخوف عليها من التشوه أو الاندثار..

ومرد هذا الخوف على الهوية الوطنية الفلسطينية عائد إلى عدة عوامل نذكر منها على سبيل المثال:

• تحول الشعب الفلسطيني في معظمه إلى لاجئين، وتوزعه على مناطق جغرافية متباعدة..؛ ذات بيئات اجتماعية، وثقافية، وسياسية متعددة ومختلفة، الأمر الذي اصطحب معه الخوف من النسيان، على الجيل الثاني أو الثالث من الذين ولدوا بعد "النكبة" أو "النكسة"، الذين لم يعيشوا في المدينة والقرية الفلسطينية، وخلت ذاكرتهم من المشاهد الحية عن جمال الريف الفلسطيني، وسكن العيش في فلسطين.

وهذا بالمناسبة ما كان يحلم به القادة الصهاينة أمثال ديفيد بن غوريون الذي قال: سيأتي يوم ينسى فيه الأطفال الفلسطينيون حق العودة. أي أن الخوف كان منطقياً على الهوية، في ظل الشتات، والعوز والفقر، وضيق ذات اليد، ناهيك عن إغراءات التجنس والاندماج في المجتمعات الغربية.

• تعرض معظم المدن، والقرى الفلسطينية، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، إلى التدمير الممنهج على يد الاحتلال الصهيوني الذي حرص على طمس تلك المعالم حتى يسوّق لمقولته الكاذبة: بأن فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض.

هذه السياسة لم تقتصر على التهجير القسري، وتدمير الموروث المُُدني والحضاري للشعب الفلسطيني، وإنما انسحبت أيضاً على ممارسة التمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني الباقي على أرضه المحتلة عام 48، عندما تعامل الاحتلال معهم كأقلية من الدرجة الثانية أو الثالثة، وذلك بتضييق الخناق عليهم اجتماعياً، وثقافياً، واقتصادياً..، إضافة إلى سعي الاحتلال إلى طمس هويتهم الفلسطينية، بمحاولة إحياء روح الانتماء إلى دولة إسرائيل "الديمقراطية"، على اعتبار أنهم مواطنون فيها، وذلك من خلال تشجيعهم على الانخراط في الأحزاب الإسرائيلية، أو الالتحاق بالجيش والأجهزة الأمنية، ناهيك عن محاولة قطع صلتهم بالدول العربية، بذريعة أنها دول عدوة لإسرائيل، وكل من يتصل بهم، يتهم ويعاقب بالسجن..

وفي هذه المقالة نستعرض أهم معالم الهوية الوطنية التي عملت المقاومة الفلسطينية على حمايتها، ومن ثم التشوهات التي لحقت بالموقف الفلسطيني منها، وذلك على النحو التالي:

أولاً:حق العودة:

تمسك الفلسطينيون بحقهم في العودة، وتحملوا من أجل ذلك كل الظروف القاسية التي واجهتهم في المخيمات والشتات، رافضين لكل مشاريع التوطين، ومتمسكين بجغرافيا المخيم كشاهد على حق العودة إلى الوطن الأم رغم الجوع، والبرد، والمرض، وضيق ذات اليد..، وقد لعبت العديد من المؤسسات الوطنية الفلسطينية التابعة أو المدعومة من فصائل المقاومة الفلسطينية، في الداخل والشتات، دوراً بارزاً في تثبيت وترسيخ حق العودة في ذاكرة الفلسطينيين، استناداً إلى قرار الأمم المتحدة (194)، واستناداً إلى شرعة حقوق الإنسان، والحق التاريخي في فلسطين، وذلك من خلال الإحصاء، وتأريخ رواية اللجوء بالبحث العلمي، وتأصيل حق العودة قانونياً وثقافياً، وإحياء تلك الذكرى في مناسبات عدة وبأشكال مختلفة، هذا بالإضافة إلى تحول حق العودة إلى معلم في الخطاب السياسي والإعلامي المقاوم، وإلى ثابت وطني غير قابل للتنازل في برامج فصائل المقاومة.

ما يجدر ذكره، أن حق العودة تعرض مؤخراً منذ توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993 إلى التشكيك في واقعيته من قبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، بذريعة أن ذلك لا ينسجم أو يتماشى مع فرص السلام والتسوية مع إسرائيل الرافضة لحق العودة. وهذا ما يُفهم من قبول قيادة م.ت.ف للمبادرة العربية (قمة بيروت) التي تتحدث بصريح العبارة عن "حل عادل ومتفق عليه" لمشكلة اللاجئين، أي القبول بأن يكون حق العودة محل تفاوض.

ثانياً: الاستقلال وإعلان الدولة:

من المعلوم أن الميثاق الوطني الفلسطيني، ومنظمة التحرير الفلسطينية، نشأت بهدف تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، وذلك قبل أن تسقط الضفة الغربية وقطاع غزة في يد الاحتلال. لكن الأمور سارت بعكس الاتجاه عندما انحدرت سياسة م.ت.ف، إلى الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود على الأرض المحتلة عام 48، دون اعتراف الاحتلال بحق الفلسطينيين في دولتهم على كامل أراضي الضفة والقطاع، مكرساً ذلك في اتفاقية أوسلو التي أدخلت المشروع الوطني التحرري في مأزق، عندما انقلبت الأولويات لدى قيادة منظمة التحرير، وحركة "فتح" كبرى الحركات الفلسطينية، بأن أصبحت السلطة قبل تحرير الأرض، هدفاً وأولوية على طريق إقامة الدولة. فلا حصل المفاوض الفلسطيني على دولة، ولا استطاع تحرير الأرض. ناهيك عن تكبيل المفاوض الفلسطيني نفسه باتفاقيات (خارطة الطريق مثلاً) تلزمه بمحاربة المقاومة الفلسطينية الرافضة للاعتراف بالاحتلال، الأمر الذي أدى إلى الانقسام الحاصل اليوم بين الضفة والقطاع، نتيجة تصادم برنامجي التسوية والمقاومة.

الغريب في المشهد، أو في تاريخ الثورة الفلسطينية الحديثة، أن يتقاطع جزء فلسطيني مع الاحتلال، في مواجهة جزء فلسطيني آخر أصيل في ظاهرة المقاومة ومسيرة التحرير، وهذا في تقديرنا مثّل خطورة استثنائية على القضية الفلسطينية.

ولكن رغم ذلك، فمن الموضوعية القول إن فصائل المقاومة الفلسطينية، على اختلاف مشاربها السياسية والفكرية، كان وما زال لها الدور الأبرز في تعزيز تمسك الشعب الفلسطيني بهدف إقامة الدولة، برغم الاختلاف في البرامج والوسائل أو حتى الاختلاف حول حدود تلك الدولة.

ثالثاً: الانتماء إلى العمق العربي والإسلامي:

اعتبر الفلسطينيون أنفسهم ـ على الدوام ـ جزءا أصيلاً من القومية العربية، والحضارة الإسلامية. وليس غريباً أن الميثاق الوطني الفلسطيني لـ م.ت.ف، كان يعرف بالميثاق القومي، قبل إدخال بعض التعديلات عليه في العام 68، ومن هنا، كان من الطبيعي أن تحتضن الدول العربية، النشاطات السياسية، لمعظم قيادات الثورة، وحركات المقاومة الفلسطينية، كما القاهرة، والكويت، والجزائر، ودمشق، وبيروت..

ولكن قلق، وخوف قيادة م.ت.ف على استقلالية القرار الفلسطيني، وخاصة بعد اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، وبعدما توزع الكفاح المسلح، وقيادات المنظمة على الجغرافيا العربية، في تونس، وليبيا، واليمن، والسودان..، إضافة إلى تكرار الحديث عن البديل الأردني..، غذى هاجس استقلالية القرار لدى قيادة المنظمة إلى حد المبالغة..، الأمر الذي انعكس سلباً، عندما تحول الصراع مع الاحتلال، من بعده القومي العربي، إلى بعده القطري الضيّق، فأصبح الصراع فلسطينياً ـ إسرائيلياً، والأزمة أزمة فلسطينية.

هذا التراجع في القضية، يتحمل مسؤوليته قيادة منظمة التحرير، والرسمية العربية التي وجدت في استقلالية القرار الفلسطيني ذريعتها في التنصل من التزاماتها السياسية والقومية اتجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الإسرائيلي، الذي تحول إلى صراع فلسطيني ـ إسرائيلي مختل التوازن.

بروز القوى الإسلامية، إثر انتفاضة الحجارة عام 1987، وتحديداً حركة حماس، أعاد نوعاً من التوازن في المسألة، عندما ركزت الحركة في خطابها السياسي والإعلامي، وفي علاقاتها على البعد العربي والإسلامي. ولكن رغم إحراز تقدم نسبي في هذا الجانب، إلا أنه يمكن القول: إن العمق العربي والإسلامي الرسمي للقضية الفلسطينية ما زال ضعيفاً على أرض الواقع، رغم الحضور الكبير للقضية في وجدان الشعوب، وما حصار غزة إلا إشارة دالة على ذلك.

رابعاً: التمسك بالثقافة، والتراث:

تمسك الشعب الفلسطيني، عبر العديد من المؤسسات التي رعتها المقاومة الفلسطينية، ومن خلال عدد كبير من المثقفين الفلسطينيين، بهذا التراث عبر: الشعر، القصيدة، الرواية، الكتاب، الرسم، الصورة، المسرح، فرق الدبكة، الأدوات الموسيقية التراثية، اللباس الفلسطيني المطرز، ومعارض إحياء التراث، إضافة إلى الحفاظ على اللهجات المحلية، والتمسك بالعادات والتقاليد الاجتماعية التي تكاتفت العديد من الجهات لإحيائها، بدءً من الأسرة، والعائلة، والعشيرة، وانتهاءً بفصائل المقاومة الفلسطينية، التي رعت العديد من الأنشطة الثقافية في العديد من الدول العربية والأجنبية..، بهدف بقاء فلسطين والهوية الفلسطينية حية في نفوس الأجيال المتلاحقة..

يبقى القول: إن المقاومة الفلسطينية الوطنية والإسلامية نجحت إلى حد كبير في الحفاظ الهوية الوطنية الفلسطينية، رغم صعوبة الأوضاع السياسية، ومآسي اللجوء والشتات.
بقاء هذا النجاح مرهون بوحدة الرؤيا السياسية ووحدة الصف الوطني المقاوم، الذي يمثل الحصن الأخير للهوية الفلسطينية المستهدفة من الأعداء، الذين يحاولون تصفية القضية الفلسطينية، وخاصة حق العودة منها، الذي يمثل أحد أهم معالم الهوية الوطنية الفلسطينية، وأحد أهم ركائز القضية الوطنية.

التعليقات