31/10/2010 - 11:02

دور النكبة والشتات الفلسطيني في صناعة وسطوع الهوية الوطنية../ أبو علي حسن*

دور النكبة والشتات الفلسطيني في صناعة وسطوع الهوية الوطنية../ أبو علي حسن*
لا شك أن عنوان.. أثر اللجوء والشتات الفلسطيني على الهوية الوطنية والانتماء الوطني.. يحمل الكثير من الإشكاليات المعرفية، والمقاربات التاريخية بين هوية الماضي، وهوية الحاضر.. بين رؤية الهوية، وواقع الهوية.. كما يشكل عنواناً للجدل والحوار المستفيض حول الهوية، ومفهومها، وتشكلها، وسياساتها..

ولما كان هذا العنوان ذو أهمية فائقة لجهة تفحص "الوجود الفلسطيني" كماهية ومحتوى، فإنه ينطوي على ما هو أشمل من أثر اللجوء.. إلى تطور الكيانية الفلسطينية بعد النكبة، وهي كيانية تخترق الجغرافيا، والتاريخ.. وتعيش في الوجدان أكثر منها في الجغرافيا. الأمر الذي يحتاج إلى دراسة وافية لعنوان أشمل يتناول موضوع الهوية كبنية وجدانية واجتماعية وسياسية وثقافية.. بنية مشاعر متشكلة وحركة وعي للذات، ووعي للآخر، للكشف عن مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية في سياق زمني ومكاني داخل وخارج الجغرافيا، ومع التاريخ، وداخل الواقع السياسي الاجتماعي والاقتصادي المعاش..

إن مفهوم الهوية خضع لتعريفات متعددة، فلسفية واجتماعية وسياسية، بيد أن المشترك في التعاريف أن الهوية هي مجموعة مشاعر وأحاسيس واحدة ومتشكلة لدى أفراد أو جماعات بفعل مجموعة من العوامل التاريخية والاجتماعية، تجعل هذه الجماعات أو الأفراد ينزعون إلى التقارب والتواد، وتحديد الأهداف، ومواجهة الخصوم، وتشكيل صورة عن الآخر..

إن الجماعات بحاجة إلى تعريف نفسها، وتحديد هويتها الوطنية والثقافية، غير أنها لا تستطيع أن تعرف عن نفسها، وعن ماهيتها، وخصوصيتها إلا إذا امتلكت وعياً متنامياً يبرز خصوصيتها، والوعي الذاتي هو الهوية، وليس هناك هوية معبر عنها إلا في سياق وعي ذاتي لكينونة الفرد أو الجماعة تميزه عن الآخر.. وهنا تتجلى قوة الهوية، في قوة وعمق الوعي الذاتي- الوطني، والقومي، والاجتماعي..ألخ.

قد تبدو الهوية معطى تاريخي ثابت عند الجماعات أو الشعوب في لحظة زمنية أو مرحلة سياسية اجتماعية، إلا أنها في الواقع ليست معطى تاريخيا ثابتا، بل هي عناصر متشكلة تاريخياً في الزمان والمكان التاريخيين، وهي بنية تتشكل وتصاغ ثقافياً ووجدانياً وفق الظروف التاريخية.

من هنا يرى البعض "أن لا هوية خارج الجغرافيا والتاريخ..!" حيث التاريخ حصيلة أحداث سياسية واجتماعية وطبيعية مرة وحلوة، فيها الهزائم والانتصارات.. وعبر هذه الأحداث تتشكل عناصر الهوية كانعكاس لحركة الوعي والإدراك الذاتي، وهذا يعني أن أي هوية وطنية، ثقافية، أيديولوجية معرضة للذوبان، أو التآكل، وأن بعض الشعوب أو الجماعات تعيش أزمة هوية بفعل تبدلات الظروف التاريخية السياسية والاجتماعية.. بل هي معرضة للسطوع والحضور والتمايز بفعل الدور المميز الذي تقوم به الجماعة أو الشعب المعني..

وحينما نتحدث عن الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني فإننا في الواقع نتحدث عن بنية وعناصر " الحضور" الفلسطيني في الذات الفلسطينية.. وإذا كانت الهوية الوطنية الفلسطينية إبان عصور الخلافة الإسلامية، والدولة العثمانية لم يكن ممكناً تلمسها بشكل جلي بفعل غياب الكيانية الفلسطينية، أو الوطن الفلسطيني.. حيث لم تكن الهوية الفلسطينية إلا جزءاً من الهوية الإسلامية أو العربية.. فإن القرن العشرين بما مرت عليه من أحداث سياسية واجتماعية، وصراعات إقليمية ودولية، وحركات وطنية وثورية على أرض العرب إبان الحرب العالمية الأولى والثانية، قد شهد صعوداً في الوعي الوطني وسطوعاً في الهويات الإقليمية والقطرية.

ولما كان المجتمع الفلسطيني في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مجتمعاً ريفياً متخلفاً، فإن عناصر الهوية الوطنية لم تكن تشكلت على نحوٍ مميز، حيث أن مجتمعاً ريفياً متخلفاً لا يعي ذاته، إلا في حدود البحث عن أماكن الترحال أو الاستقرار الآمنة، مما يجعلنا نتحدث عن هوية القبيلة أو العشيرة وليس عن هوية وطنية، غير أننا في الواقع نجد هوية إسلامية لهذا المجتمع الفلسطيني، كونه مجتمعاً يملك الذاكرة، والتاريخ الإسلامي، والدين وينطق لغة الضاد والقرآن.

إن مكونات الهوية العربية تتجمع في اللغة، والتاريخ، والثقافة والعرق، وهي قواسم مشتركة بين الشعوب العربية وهي عناصر تشكلت داخل الجغرافيا العربية والإسلامية عموماً. وهذا يعني أن الهوية الوطنية الفلسطينية هي جزء من الهوية الكلية العربية، وأن الهوية الفلسطينية هي هوية الجزء العربي..

إن ما يميز تشكل الهوية الوطنية والانتماء الوطني.. عن الهوية العربية هي المساحة التراثية الزاخرة بالتحولات الوطنية والسياسية والاجتماعية التي حدثت على الجغرافيا الفلسطينية تحديداً بعد اتفاقية سايكس بيكو والغزوة الصهيونية.. والعقل الأيديولوجي الفلسطيني والتي ميزت الهوية الفلسطينية عن الهوية العربية، حيث تشكلت الهوية الوطنية، وأعادت إنتاج نفسها بحركة وعي صاعدة مع الأحداث التاريخية التي مر بها الشعب الفلسطيني مع بدايات القرن العشرين.

إننا نستطيع القول أن الآخر / العدو بما مثله من تهديد فعلي للوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية قد كان نسبياً راعياً لصعود الهوية الوطنية الفلسطينية، فالشعور بالخطر، والشعور بخطر الغزوة الصهيونية، وإقامة المستعمرات في بدايات القرن شكلت وعياً بدائياً جنينياً بالذات، ولعل وعد بلفور قد أيقظ الذات الفلسطينية من سباتها أو دفعها للإدراك أنها مستهدفة من الآخر.

إن حالة الانقسام التي خلفتها اتفاقية سايكس بيكو، والتي مزقت مساحة الأمة العربية إلى أوطان قد ساهمت إلى حد كبير في تبلور الشعور الوطني في مواجهة الاستعمار، والغزوة الصهيونية.

وهنا وجدت أولى تعبيرات الهوية الوطنية "الوعي الذاتي" في النشاط السياسي والاجتماعي، وتشكل الأحزاب الوطنية، والجمعيات والنوادي، ونشوء وتبلور حركات وطنية، وصحافية، في مواجهة الانتداب والاستيطان. كما شكلت ثورة البراق وثورة 36 القسام بعداً آخر للهوية الوطنية الفلسطينية، والشخصية الفلسطينية، حيث بدأت الذاكرة الفلسطينية تتشكل في ضوء الواقع السياسي والوطني والتحولات على نحوٍ متسارع، وعلى نحوٍ موحد بين الفلسطينيين.

كما بدأ التراث النضالي الفلسطيني ينسج صورة "البطل الفلسطيني" يدخل الوجدان الفلسطيني ويصنع أحاسيس ومشاعر موحدة، ولا أحد يستطيع أن يزيح من ذاكرة الشعب الفلسطيني تلك الرواية ـ الموال الشعبي ـ من الأبطال محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي، الذين أعدمهم الاحتلال البريطاني شنقاً، فتحولت الرواية إلى وحدة شعور وفخر وبطولة وتمثل.

ومع توالي فصول المأساة الفلسطينية، وهزيمة الجيوش العربية في فلسطين ومجزرة دير ياسين وقبية وغيرها.. ومن ثم الهجرة إلى البلدان العربية في مشهد تراجيدي بكائي هز الضمير العالمي، أخذت الهوية الوطنية في الصعود والتبلور والتشكل على نحوٍ متسارع بفعل دور الآخر، وظلم وبطش الآخر، وتخاذل الآخر العربي.. وهنا تشكل جزء وفصل من الرواية الفلسطينية ـ الوجدان الفلسطيني ـ الهوية الفلسطينية.
لقد شكلت الهجرة الفلسطينية إلى بلدان الشتات العربي، وإلى مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، والعيش في خيام، وفي ظروف حياتية غاية في الصعوبة لـ 750,000 ألف نسمة من الفلسطينيين منعطفاً حاداً في نفسية الشعب الفلسطيني، وفي طرائق تفكيره وفي نظرته إلى ماهيته، وإدراكه لذاته.. حيث وحدت الخيمة الحالة الفلسطينية، نصف الشعب الفلسطيني تحت الخيمة وتوحدت الرواية، بالبحث عن الذات، عن الوطن، عن معنى الحياة.. وقد تولدت تحت الخيمة، وبين أزقة المخيمات عوالم ثقافية متشابهة، وجغرافيا فلسطين.. استبدلت واقعاً وقسراً بجغرافيا المخيم..

ومع وحدة المعاناة، وصعوبة الحياة في بلدان الشتات، وقسوة الظروف، نتحسس الذات الفلسطينية ظلمها وقهرها وحرمانها، ويتحول العالم كله إلى آخر يساهم في ظلمها.. وتتشكل الذات الواعية والمتمردة بالتوازي مع دور الآخر في إيقاع الظلم والقهر بالشعب الفلسطيني.. وهنا تنفصل الخصوصية الفلسطينية عن الذات العربية لتأخذ أبعاداً أكثر تمايزاً وحضوراً وصخباً.

وعلينا أن نعترف أو ندرك أنه كلما زادت العدائية للشعب الفلسطيني، وزادت المعاناة من البلدان العربية، ومخابراتها، وأجهزتها، ومطارداتها كلما أمعن الفلسطيني في تعريف نفسه على نحوٍ مغاير ومتمايز من الآخر المحيط..

وهنا يمكن القول أن مرحلة الشتات واللجوء والهجرة قد تركت ثقافة مكتوبة وخبرة شفوية جارية على الألسن، شكلت نفسية ووجدان شعب، قائمة على الخبرة المشتركة والفهم المشترك.. أدت إلى صياغة الهوية الفلسطينية بالتجربة الحية. غير أن هذا عامل آخر من عوامل نهوض الشخصية الفلسطينية، بيد أن الأيديولوجيا الثورية والنضالية المصاحبة للثورة الفلسطينية المعاصرة قد بلورت الشخصية الوطنية الفلسطينية.

لم يدرك العرب ولا ساستهم أن الهوية لا تعطى، ولا تؤخذ، إنما تتشكل في سياق زمني وظروف تاريخية، ومكانية، وتفسح عن نفسها في إطار واقع موضوعي ليس ثابتاً، فلم يكن ممكناً تذويب الهوية الوطنية أو الشخصية الفلسطينية عبر مؤتمر أريحا بتوحيد الضفتين الشرقية والغربية، كما لم يكن ممكناً عبر مشاريع التوطين التي طرحت في الخمسينيات أن يكسر الوعي الفلسطيني بهويته ونضوج رؤيته وهو في أصعب وأذل مراحل حياته تحت ظل الخيام والمعسكرات.

إن فترة الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات /عقد ونصف من الزمن/ يمكن وصفها بمرحلة تذويب القضية والهوية معاً عبر محاولات دؤوبة عربية متماهية مع محاولات غربية، في سياق مشاريع سياسية توظيفية، وتذويبية، وقهرية لطمس آثار النكبة، وافقاد الذات وعيها بذاتها..

بيد أن هزيمة حزيران عام 67، وما انطوى عليها من انكسار المشروع القومي العربي، وتدفق لاجئين جدد إلى البلدان العربية لاسيما الأردن، وهزيمة الجيوش العربية، وصدمة الأنظمة الرسمية قد شكلت عنصراً فاعلاً ليس في إدراك الهوية الوطنية فحسب إنما في تجلي الوعي الفلسطيني باستخدام سياسات أيديولوجية ثورية وحزبية وفكرية في صناعة الهوية الوطنية، ورسم الشخصية الفلسطينية ليس في الوجدان الفلسطيني فحسب إنما في الوجدان العالمي، وهنا انتقلت الهوية من مرحلة التشكل والتكون عبر النكبات والقهر والظلم من الآخر الصهيوني والعربي، إلى مرحلة التشكل والتبلور عبر الأيديولوجيا والحركة السياسية للذات الفلسطينية.

وهنا لعبت الكثير من الرموز الوطنية، والشعبية في إبراز شعرية الهوية ونرجسية الهوية على نحو تخيلي، فامتلأت الذات الفلسطينية بالعزة والكبرياء والأنفة في مواجهة الآخر، كدلالة على تمايزها وشعريتها الخاصة.

ولا تقف الرموز الوطنية عند الحدود التي ساهمت في صناعة الهوية الوطنية، فمع الثورة الفلسطينية في الأردن، انطلقت الشعارات السياسية: ثورة حتى النصر، ثورة حتى التحرير الكامل، من فوهة البندقية تنبع السلطة السياسية، هويتي بندقيتي، أغاني الثورة الفلسطينية..انتشار الأدب الفلسطيني: أدب النكبة ـ أدب المخيمات ـ أدب المقاومة ـ أدب الانتفاضة ـ الرواية ـ القصة ـ الأفلام التسجيليةـ بروز التراث الشعبي الفلسطيني، وتجلياته في الدبكة والأغنية ـ والموال ـ والهندام الفلسطيني ـ والثوب المطرز ـ معركة الكرامة.. رمزية القيادة، ياسر عرفات وجورج حبش، الحطة الفلسطينية وظهورها على وجوه الفدائيين وتعبيراتها التراثية والوطنية والتي تجاوزت في رمزيتها الحدود الفلسطينية إلى أرجاء العالم.. فأصبحت الحطة تحمل معنى التغيير والثورة في كل مكان. (أو ليس من العبث وفقدان الوعي أن نستبدل اليوم الحطة الفلسطينية للمقاومين بالقناع الأسود الذي يعبر عن اللصوصية وقطاع الطرق ولا يحمل أياً من تراثنا الفلسطيني.. لعلها المرحلة الأسوأ باتجاه الهبوط بالشعور بالهوية).

وفي عملية زمانية ومكانية، وسياسية كفاحية، وأيديولوجيا ثورية تصاغ الهوية بأفق ثوري طوباوي، حيث يلعب الميثاق دوراً توجيهياً وثقافياً ووطنياً في تكوين الهوية، وتتحول م.ت.ف إلى كيانية معنوية، بديل الكيانية الجغرافية، لكنها تلعب ذات الفعل التاريخي في صناعة الهوية، وتظهر م.ت.ف، ورمزية أبو عمار كما لو أنهما الباعثان والصانعان للهوية الوطنية التي طالما حاول الآخر أن يطمسها ويذيبها في مشاريع التسوية والتوطين والإلحاق.

ورغم ظهور الهويات الفصائلية، وتراكيبها الفكرية والسياسية والتنظيمية.. إلا أنها ظلت هويات جزئية لا تلعب دوراً في تغييب الهوية الوطنية الفلسطينية، إذ أن م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كانت أكثر حضوراً وسطوعاً في الواقع العربي والدولي والشعبي من أي هوية فصائلية، وبدت كما لو أنها الوطن كله، والشعب كله، والفعل كله.. ودخلت م.ت.ف التاريخ العربي المعاصر من أوسع أبوابه، بفعل انقلابها على الواقع العربي الساكن وتقاطعها مع حركة الوجدان والفعل العربي الشعبي.

وفي مدى زمني انبعثت الهوية الوطنية الفلسطينية كما طائر الفينيق من النسيان رافعة القضية الفلسطينية إلى أعلى مستويات سلم الاهتمام العربي والدولي في تواصل وتناغم نجاحات المنظمة السياسية والكفاحية.

ولا بد من ذكر مبادرة المجلس الوطني الفلسطيني في عام 69، بتغيير اسم الميثاق من الميثاق القومي إلى الميثاق الوطني الفلسطيني، في إشارة واضحة لا لبس فيها على تبلور الهوية الوطنية الفلسطينية، وانفصالها في خصوصيتها عن السياسة العربية، لا سيما وأن بعض العرب أراد لـ م.ت.ف أن تبقى إطاراً فارغاً من أي محتوى وطني أو تحرري أو كياني مجاوراً للكيانات العربية.
إذا أدركنا أو توافقنا على أن الهوية تتشكل وفق المعطيات التاريخية والمكانية، وليست معطى تاريخي لا يتغير.. فإننا في الواقع لا نسلم بحتمية بقاء أي هوية.. فالهوية الوطنية سياجها المكان ـ الوطن ـ وعلى جغرافيا الوطن تتشكل المشاعر والأحاسيس والذاكرة والثقافة..

فإذا ما افتقدنا الوطن.. والمخيم خزان الرواية والذاكرة ومحطة الانتظار لقطار العودة، وافتقدنا الثقافة الوطنية، فنحن أمام تبدلات في محتوى ومكونات الهوية في سياق التبدلات الجيو سياسية، وعلى مدى تاريخي وليس بالآفاق السياسية الراهنة.. بيد أن السياسة الراهنة نقطة البدء في تأسيس عملية التآكل للهوية الوطنية، وفي هذا السياق يمكن رؤية الأسباب التالية التي يندرج تحتها عنوان «تآكل وبهتان الهوية الوطنية»:

1- انتقال الثورة الفلسطينية من أيديولوجيا الثورة والمقاومة.. إلى أيديولوجيا التسوية وما استتبع ذلك من تغيير المفاهيم والأهداف، وتعديل في بنود الميثاق الوطني الفلسطيني الذي شكل على مدار ثلاثة عقود أحد أهم مكونات الهوية الوطنية.

2- الاعتراف «بإسرائيل» عربياً وفلسطينياً، هو بالمحصلة انتقاص من الحق الفلسطيني التاريخي واقتطاع جزء من الهوية الوطنية، كون الهوية الوطنية مرتبطة بمساحة فلسطين التاريخية وليست مرتبطة بجزء منها.. وهنا يتجلى الاعتداء على الهوية الوطنية عبر الاعتداء على الأرض التي تختزن الذاكرة والتاريخ، والتي لا زالت تختزن كل الرموز الحياتية لآلاف من الفلسطينيين المهاجرين واللاجئين..! هل هناك بيت يخلو من خارطة فلسطين «الأيقونة المقدسة».

3- فشل السلطة الفلسطينية في إبقاء م.ت.ف عنصراً فاعلاً وأساسياً في تجميع الشعب الفلسطيني كونها معبراً عن هويته وأهدافه وسبل نضاله وآماله وأحلامه.. وخزان وعيه الكفاحي والوطني.

4- الانقسام الفلسطيني، وتعبيراته السياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية، حيث لأول مرة يجد الشعب الفلسطيني نفسه أمام تناقض سياسي وتناقض اجتماعي، وثقافي، يضع حداً فاصلاً بين الإسلامي المقاوم، والعلماني المقاوم.. بين الشهيد المؤمن والشهيد الكافر.. إننا أمام انقسام مجتمعي حاد لا يقوم على أساس مواقف سياسية وإنما على أساس ديني، تتشكل على وقعه هويات وكيانات فصائلية على حساب الهوية الوطنية. وبإمكاننا في حالة التأمل أن نطرح السؤال التالي: ما الذي يمكن أن يفرزه واقع الانقسام والتشظي بالمستوى السياسي والثقافي الديني والعلماني بعد عشر سنوات من حالة الانقسام.. أي بنى ثقافية، وأي ذاكرة وأية مشاعر يمكن أن تتشكل على أرض الوطن؟

5- تبلور نزعات تفكيكية على سطح الثقافة الفلسطينية، أحد أهم مكونات الهوية الوطنية على مدار تفتحها وصعودها، وتألقها.. في مقابل نزعات دينية «إسلاموية إحلالية» ترى في الهوية الإسلامية حلاً لكل معضلات الإنسان الفلسطيني والعربي والإسلامي، وتعمل على تديين السياسة وتسييس الدين.. ومن ثم مهاجمة الفكر القومي باعتباره فكراً علمانياً.. كما برزت نزعات ليبرالية تغريبية إحلالية لا ترى حياة للشعب الفلسطيني ولا مستقبلاً إلا في إطار إقليمي ودولي «شرق أوسطي» وتيار العولمة السياسي والثقافي والاقتصادي والأمني والذي أفضى إلى هوية عولمية أو عالمية، تبتلع كل الهويات الوطنية والفرعية منها.

6- الهجرة الفلسطينية الطوعية، والقسرية التي تبتعد عن الوطن بحثاً عن حياة أفضل في ظل فقدان الأمل، وانسداد آفاق النضال الوطني في لحظة تاريخية معينة.

التعليقات