31/10/2010 - 11:02

دولة بلا أخلاق!/ مصطفى إبراهيم

-

دولة بلا أخلاق!/ مصطفى إبراهيم
المعلمة خديجة تدرس مادة حقوق الإنسان في إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بمدينة غزة. ماذا ستقول لطلابها وطالباتها عندما ينتهي العدوان ويعودوا جميعاً إلى مقاعد الدرس، وعندما تسال الأطفال عن الحق في الأمان والحق في الحماية؟
وعندما يسألونها هم عن ابنها الطفل الذي أستشهد بقصف طائرة حربية، وهو يلعب على سطح المنزل مع ابن عمه، ماذا تبقى لهؤلاء الأطفال من حقوق الإنسان الذين يتعلمون مبادئه وأصوله؟ من سيقنعهم بتلك القيم ومبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية؟ وعدم احترام دولة الاحتلال والقتل لكل القيم والأعراف والمواثيق الدولية والأخلاقية؟ فدولة اليهود والقتل الجماعي تدعي أنها خاضت المعركة ضد "الإرهابيين"، و"القتلة" في القطاع لحماية مواطنيها وتغيير الواقع الأمني السيئ في مدن وبلدات الجنوب المستمر منذ ثماني سنوات. وهي تخوض المعركة من الناحية الأخلاقية وان عملياتهم تأتي من منطلق أخلاقي.
المتابع لسير العملية العسكرية غير الأخلاقية ضد الفلسطينيين في القطاع يزداد قناعة أنها عملية بربرية من اجل القتل وترويع وردع وتخويف الفلسطينيين من اجل تركيعهم، فدولة القتل وجيشها صاحب المنطلقات الأخلاقية لم يحقق إلا القتل والدمار والعدد الكبير من الجرحى والمعاقين، ولم تحقق الأهداف التي خرجت من اجلها فاستمرار الصواريخ مستمر، والمقاومة خسائرها قليلة مقارنة مع الادعاءات الإسرائيلية.
وقد أجمع جميع قادة دولة القتل أن احد أهداف العملية قد حقق، وهو ردع الفلسطينيين وتخويفهم، فدولة القتل والدمار والتخريب قام قادتها خلال العملية المجنونة كما أطلقوا على أنفسهم أن الدولة جنت، بجولات استعراضية لأرض المعركة للاطمئنان على الجنود وتقويتهم والشد على أيديهم ، فرئيس الدولة شمعون بيريز رداً على سؤال لأحد الجنود عن موعد وقف إطلاق النار، قال: "نحن لا نتحدث عن وقف إطلاق نار بل نتحدث عن وقف الإرهاب".
ما يجري من عمليات القتل المنظم ضد الفلسطينيين واستهداف المدنيين الآمنين سواء في منازلهم أو في مراكز اللجوء، أو أثناء هروبهم من القصف لمنازلهم يؤكد أن الهدف هو القتل والتخويف والردع. عدد الشهداء والجرحى من المدنيين يظهر حجم الحقد والإصرار من قبل جنود دولة القتل على استهداف المدنيين من دون استثناء ومن معظم الأجيال، فعائلات بأكملها قد أبيدت عن بكرة أبيها، وهم لم يكونوا مقاتلين ولم يحملوا السلاح، فقط لأنهم فلسطينيين.
فاستهداف المنازل وتدميرها على رؤوس قاطنيها بطائرات ألاف 16، وعدد الشهداء والإصابات الكبير جداً في صفوف الفلسطينيين، وتدمير عشرات المنازل المحيطة بالمنازل المستهدفة يزيد من القناعة لدى جميع الفلسطينيين بأن دولة القتل معنية بقتلهم وتخويفهم، فخلال اليومين الماضيين خاصة ما من خلال ما استطعنا متابعته والاطلاع على اجتياح حي تل الهوا والأحياء المحيطة به بمدينة غزة، واستهداف المدنيين داخل منازلهم بقذائف المدفعية، والبحرية والطيران الحربي بجميع أنواعه يؤكد أن الهدف هو القتل.
حالات القتل والشهداء ومن خلال حصرها ومشاهدة أماكن القصف للفارين من منازلهم والبحث عن أماكن أكثر أمناً للاختباء من النيران التي تلاحقهم في كل مكان، تقشعر لها الأبدان والحالات كثيرة، منها عائلة الحداد في تل الهوا وعائلة العالول في حي الصبرة وغيرها من الحالات التي تدمي القلوب، وتزيد من إصرار الفلسطينيين على التحدي والصمود والدفاع عن أنفسهم وقضيتهم.
فمن خلال متابعتي لما ينقله المراسلون العسكريون الإسرائيليين لمختلف وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، فهم يمجدون الجنود القتلة وبطولاتهم في قنص وقتل المقاومين، ويتحدثون عن بطولاتهم لمتابعة ما يجري في ارض المعركة، فالمراسل العسكري للتلفزيون الإسرائيلي في القناة الأولى وأثناء وجوده في دبابة مع مجموعة من الجنود على مشارف مدينة غزة الشرقية، تحدث وكأنه يوصف فيلم سينمائي.
وكيف قام قائد الوحدة عندما شاهد مجموعة من المقاومين الفلسطينيين وكان عددهم خمسة ويبعدون مئات الأمتار عن الدبابات، وكيف قام بتحذير باقي الدوريات وكيف قام بالتعامل بحذر عندما عمم على أفراد الطاقم في الدبابة التي كانت تقل مجموعة من الصحافيين في طريق العودة من غزة إلى إسرائيل، وكيف أطلق في البداية نار ومن ثم أطلق قذيفة مدفعية باتجاه المقاومين فقتلت ثلاثة منهم وإصابة الاثنين الآخرين، وانتهت الوصف بأنه لم يعرف أين ذهب المصابين واختفوا، وان أحدا من الجنود لم يصب بأذى.
فقصص المراسلين كثيرة في وصف القتل والدمار، إحدى المذيعات وصفت عملية بدء قصف الشريط الحدودي في رفح بأنها عملية نظيفة وسريعة وذكية، والمراسل الذي رافق احد الطيارين في طائرة أباتشي ووصفه للطيار بالأخلاقي وانه لم يقصف أي مكان إلا بعد تأكده من عدم وجود أي من المواطنين، وحديثه عن الدمار الهائل الذي حل بمدينة غزة، ونسي أن المنازل المجاورة تعج بالمدنيين.
هذه هي قصص البطولات المزعومة التي قام ويقوم بها الجنود والمراسلين العسكريين الإسرائيليين الذين لم يتركوا وسيلة للكذب والتحريف والتحريض على قتل الفلسطينيين، إلا وقاموا بها، فالمجموع اليهودي مجمع على قتل الفلسطينيين، فعاملة الاستقبال في أحد المستشفيات ردت عندما سمعت في إحدى المحطات الإذاعية على وقف إطلاق النار بالقول: انهوا العمل مرة واحدة لماذا توقفون؟
ها هي دولة الأخلاق لم تحقق إلا القتل، فالفلسطينيون مجمعون ومتفقون على العيش على هذه الأرض والدفاع عن أنفسهم وقضيتهم ودحض ادعاءات دولة الكذب والقتل والاستمرار في بناء مستقبلهم، وتحقيق مصيرهم ومقاومة دولة بلا أخلاق.
Mustafamm2001@yahoo.com



التعليقات