31/10/2010 - 11:02

ذهب عربي للاحتلال الجديد!../ طلال سلمان

ذهب عربي للاحتلال الجديد!../ طلال سلمان
يعود الرئيس الأميركي جورج و. بوش من جولته على أقطار النفط العربية بما يتجاوز تقديراته ومطالبه سواء على المستوى السياسي، أم بخاصة على المستوى الاقتصادي..

... وبالتبعية يعود الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من جولته الموازية على الأقطار ذاتها، بأكثر مما كان يطمع أو يحلم، لا سيما وقد أضاف إلى المكاسب السياسية والاقتصادية أرباحاً ثقافية يستطيع أن يباهي بها منافسيه، فهو ليس مجرد تاجر سلاح بل داعية علم وفن وحضارة.

فوق المكاسب الهائلة فقد عاد الرئيسان الضيفان بهدايا لا تقدّر بثمن، لا سيما وأن قيمتها المعنوية استثنائية: السيوف العربية التي صارت من الذهب الخالص، بحيث تبدو ـ فعلاً ـ خارج التاريخ، بقدر ما هي خارج قوائم السلاح المعاصر!

صحيح أن القواعد العسكرية الأميركية قائمة في المنطقة منذ زمن بعيد، لكنها الآن قد اكتسبت «شرعية» لا تقبل النقاش: فهي قد أقيمت بطلب صريح ومعلن، من دون تحرّج أو خوف من ردة فعل حمقاء قد يقدم عليها «المتطرفون» من أهل الإرهاب.
الجديد أن فرنسا، التي كانت مستبعدة وممنوعة من الالتفات إلى الرمال المذهّبة في الجزيرة والخليج، قد نالت ترخيصاً أميركياً بإقامة قاعدة عسكرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، بينما السياسة المعتمدة فرنسياً لا تفتأ تخفض من أعداد العاملين في القوات المسلحة (أما الإدارة الأميركية فتكاد تعتمد بعد «فتح» البلاد التي احتلتها وستحتلها على المرتزقة والطامعين بالوصول إلى جنة الإمبريالية والاستعمار الجديد).

لكأن الزمان قد دار «بالعرب» دورة كاملة خلال قرن واحد، أو أقل قليلاً، وها هم يستنجدون بالغرب (الأميركي، هذه المرة) ليؤمنهم من خوف وليأخذهم بطائراته الأسرع من الصوت إلى معارج التقدم، بعيداً عن مخاطر الاستقلال، ومن دون أوجاع الديموقراطية والعدل الاجتماعي.

هذه المرة لا شروط ولا أحلام: فالغرب الأميركي مطلوب بذاته، لا من أجل «الوحدة»، كما كان الأمر مع البريطانيين، ولا من أجل التحضّر، كما كانت دعاية الفرنسيين عندما احتلوا المشرق العربي وتوزعوه بعد تقسيمه قبل قرن كامل جمهوريات وممالك وإمارات مع ترك «المركز» شاغراً لإسرائيل التي ستقام في ما بعد!

الولايات المتحدة الأميركية تبيع دول الرمال المذهّبة سلاحاً لن يجد فيها من يحمله، وإن وُجد في مصدّره من يستخدمه وليس من أجل مصالح أهل البلاد وحياتهم في أرضهم ومع جيرانهم الأقربين.

ولقد كان مفرحاً أن نرى في دولة الإمارات، قبل حين، محاولة جادة للاستعانة بنتاج الغرب الثقافي، كمثل دعوة الجامعة الفرنسية العريقة «السوربون» لأن تفتح «فرعاً» في أبو ظبي، ودعوة «اللوفر» بأن يقيم متحفاً مصغراً...

وكان مفرحاً أن تتزاحم إمارات النفط في الخليج عموماً على استقدام الجامعات الأجنبية، كما فعلت قطر... ففي ذلك نفع لأهل البلاد وضيوفهم ممن يبيعونهم عرق الجباه والزنود ليشتروا الحق بمستقبل أفضل.

بالمقابل فإن موجبات الضيافة قد منعت على المضيفين العرب «لفت نظر» الرئيس الأميركي، وهو الصديق الأكبر، إلى المجازر الجماعية التي واصلت إسرائيل ارتكابها في غزة على وجه الخصوص، وكذلك في الضفة الغربية، وإن حل «الاعتقال» من فوق رأس «السلطة» أو بتواطؤ منها، ضد «الناشطين ضد الاحتلال» لأي تنظيم انتموا بما في ذلك فتح، محل المجازر..
وبالمقابل فإن موجبات الضيف لم تمنع الرئيس الأميركي من اتخاذ هذه الأقطار العربية منصة لإطلاق صواريخ تهديداته ضد إيران وضد كل من يعمل من أجل حرية وطنه، مع تخصيص لبنان وفلسطين بتحية خاصة.

لقد اختتم جورج بوش (وتابعه نيقولا ساركوزي) جولتهما في أقطار الذهب، وعاد كل منهما بعشرات المليارات من الدولارات ثمناً لسلاح سيكون مؤذيا لمشتريه.

... وواصلت إسرائيل مذابحها ضد الفلسطينيين، وقد حظيت الآن بدعم أقوى من الرئيسين اللذين لم يسمعا من مضيفيهما موقفاً حازماً يجعلهما يتدخلان ـ جدياً ـ لوقفها...

وهكذا تمت القسمة الضيزى: صفقات السلاح والقواعد والتكنولوجيا للأميركيين (والفرنسيين)، وفلسطين أو ما تبقى منها لإسرائيل، مع الحرص على أن تكون في بعض البعض من أرضها مساحة لراية فلسطينية إعلاناً عن التسليم بالهزيمة العربية الجديدة!
"السفير"

التعليقات