31/10/2010 - 11:02

روائح "مؤامرة شيراك" تزكم أنوفاً بالجملة../ فيصل جلول

روائح
لم تمض أيام معدودة على زيارة خافيير سولانا المبعوث الأوروبي إلى دمشق وما تلاها من أنباء حول كسر الجليد بين الاتحاد الأوروبي والمسؤولين السوريين حتى تدخلت “إسرائيل” بالكشف عن “مؤامرة” من النوع الذي يثير الخيال العربي المهجوس ب”المخطط” أو “المخططات” الدولية المعادية. تفاصيل “المؤامرة” نشرتها أواخر الأسبوع الماضي صحيفة “معاريف” وملخصها أن الرئيس جاك شيراك دعا في بداية حرب تموز/يوليو الماضي “الإسرائيليين” إلى التوجه نحو دمشق وإسقاط النظام السوري لأن “سوريا هي مصدر كل المشكلات”، وتعتقد الصحيفة أن “أمريكا ما كانت لتشكو كثيرا لو أننا توجهنا إلى سوريا”.

“سكوب معاريف” ليس مفاجئاً تماماً لمن يعرفون نوايا الرئيس الفرنسي تجاه النظام السوري، فقد سبق لمصادر مختلفة أن كشفت عن رغبته الطاغية في تصفية حسابات متراكمة مع الرئيس السوري بشار الأسد، لكن ماذا عن نوايا “إسرائيل” من هذه المبادرة؟

تنبعث من روائح “الفضيحة” نية “إسرائيلية” للاصطياد في الماء العكر في توقيت سياسي شرق أوسطي لا يتناسب مع رغبات ومصالح الدولة العبرية: إجماع أوروبي على الحوار مع سوريا بموافقة شيراك “دون تحفظ” وبالتالي التخلي عن الرهان المضمر على إسقاط النظام السوري، لا بل لم يتردد ممثل الاتحاد الأوروبي عن دعم المطلب السوري بعودة الجولان المحتل. مساع سعودية تؤرق “إسرائيل”. تارة بتجديد الإجماع العربي حول مبادرة بيروت للسلام في قمة عربية ارتأى الملك عبدالله أن تعود لهذه الغاية إلى الرياض بدلاً من شرم الشيخ. وتارة أخرى عبر “اتفاق مكة” الذي حرم الكيان الصهيوني من فرصة الإفادة من حرب أهلية فلسطينية. وتارة ثالثة عبر دعم الاتصالات الجارية لحل الأزمة اللبنانية. ورابعة عبر اتصالات مكثفة مع إيران للحؤول دون انفجار الفتن المذهبية في أراضي المسلمين. انفراج ملحوظ في الاتصالات الأمريكية - الإيرانية والسورية في مؤتمر بغداد واتصالات سورية - فرنسية على هامش المؤتمر نفسه.

بالمقابل يضيق هامش المناورة أمام إيهود أولمرت في الأزمة الداخلية المتصاعدة حول حرب لبنان، ولعله يراهن على أن تؤدي فضيحة “معاريف” إلى إلقاء الضوء على الحرب المذكورة من زوايا ونوايا أوروبية وأمريكية وبالتالي القول للرأي العام “الإسرائيلي” إن حلفاء تل أبيب كانوا يريدون منها ما لا تريده هي من الحرب على لبنان، وبالتالي لم تعمل الحكومة إلا بما يتناسب مع المصلحة اليهودية.

ما من شك أن الكشف عن وثيقة “مؤامرة شيراك” - كان يمكن أن تبقى في الأرشيف الدبلوماسي ثلاثين عاماً- يضمر أيضا التأثير مجريات الأزمة اللبنانية. فهي تصب الماء في طاحونة المحللين السوريين ونظرائهم اللبنانيين الذين ما انفكوا يتهمون فرنسا وجماعة 14 آذار/مارس ب”التآمر” على المقاومة وعلى سوريا وترفع سوراً بوجه محاولة إصلاح ذات البين بين دمشق والآذاريين اللبنانيين، ناهيك عن قطع الطريق أمام الانفراجات الذي بدأت تتجمع في سماء الأزمة اللبنانية.

أما أجواء الثقة التي كانت تعدها بعض الدول الأوروبية لترميم الجسور المقطوعة مع دمشق فقد باتت عرضة للتبدد جراء معلومات “معاريف” التي ما عاد من المفيد نفيها أو تلطيفها، فالذي أطلقها يعرف على ما يبدو أن المناخات النفسية العربية (والسورية بخاصة) تستقبل أحاديث المؤامرات بتلهف ولا تقيم وزناً للمفارقات فيها، وتسخر من نفيها بعد نشرها، لا بل ربما يعتبر نفيها في مثل هذه المناخات دليلاً إضافياً على صدقها، فكيف إذا كان نشرها قد تم في “توقيت تآمري؟”.

في 8 آذار/مارس الجاري، وقبل يومين من التئام مؤتمر بغداد الذي وفر فرصة للمصالحة بين سوريا وإيران والولايات المتحدة وأوروبا، دعا عبدالحليم خدام من مقر إقامته في فرنسا البعثيين لإسقاط النظام السوري، في حين كانت وزارة الداخلية اللبنانية تذيع للمرة الأولى معلومات عن تورط سوري في تفجير “عين علق”، وفي 18 آذار/مارس، كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك يقلد النائب سعد الحريري وسام جوقة الشرف لدوره في تأسيس تيار 14 آذار الذي ما انفك يطالب بتغيير النظام السوري. وفي هذا الوقت انحسرت أجواء التفاؤل بحل الأزمة اللبنانية وعاد التصعيد إلى الشوارع في “بر إلياس” و”المنية”، وفي هذا الوقت أيضاً صدرت معلومات “معاريف” لتقول لمن يهمه الأمر إن شيراك مازال يراهن على إسقاط النظام السوري وسيواصل على هذا الرسم حتى “الرمق الأخير” في ولايته، وإن لقاءات سولانا في المنطقة وفي سوريا ربما تمت لإرضاء الألمان والإيطاليين والإسبان، وليس لوضع حد لتصفية حسابات بلاده المعقدة والتي توصف تخففاً بالشخصية مع الأسد الابن. لكن هل يتحمل شيراك وحده مخطط “المؤامرة” الفاشل؟ وهل ينطوي مع رحيله عن الأليزيه؟

عشية الرئاسيات لم “يتردد” المرشح نيكولاي ساركوزي في نعت “حزب الله” ب”الإرهابي” تماما كما تفعل تل أبيب وواشنطن. وفي الدولة العبرية لم يتردد المعنيون بالمساهمة بقوة في حملة ساركوزي الانتخابية عبر توزيع طابع بريدي يحمل صورته بوصفه صديقاً صدوقاً ل”إسرائيل”. أما ريتشارد بيرل أحد منظّري المحافظين الجدد في واشنطن فقد أدلى بصوته منذ أكثر من عامين للمرشح الديغولي الذي يوصف بأنه خليفة جاك شيراك من دون أن يكون وريثه السياسي نظراً للحساسيات “الشخصية” والخيانات المتراكمة بين الرجلين.

أن يخلف ساركوزي شيراك في قصر الأليزيه ربما يعني أيضا أن يرث أسلوبه في التعاطي مع دمشق، فهو “شيراك الشاب” بحسب ليونيل جوسبان رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق. ما يعني أن “المؤامرة” على النظام السوري ربما تستمر مع ساركوزي ولعلها معه تزكم أنوفاً أكثر.

"الخليج"

التعليقات