31/10/2010 - 11:02

روسيا و"الحسم العسكري" في غزة / د.مجيد القضماني

-

روسيا و
روسيا، التي خاضت قبل اشهر قليلة حربا اضطرارية "دفاعا عن سكان اوسيتيا الجنوبية"، الذين تعرضوا لعدوان جورجي بتحريض ودعم من الغرب وبمساعدة جوهرية من اسرائيل، تكتفي في مواقفها الرسمية المعلنة من العدوان الاسرائيلي على غزة، بدعوة الجانبين الى "ايقاف العنف المتبادل" بما يحمله ذلك ضمنيا من مساواة بين الضحية والجلاد، وتحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية سياسية عن استمرار هذه الحرب التي راح ضحيتها حتى كتابة هذه الاسطر ما يقارب الألف شهيد وأربعة الاف وخمسمئة جريح جلهم من النساء والاطفال والمدنيين الأبرياء!؟

روسيا، التي تربطها بالشعب الفلسطيني وبقضيته الوطنية اكثر من علاقات تضامنية، والتي رفضت "التواطوء" على الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني عندما اعطى حركة "حماس" أغلبية أصواته في الانتخابات التشريعة الأخيرة، وأصرت على استقبال قادة الحركة في موسكو (ودفعت ثمن ذلك في اكثر من موقع)، ورفضت مسوغات الحصار على القطاع، ودعت الفلسطينيين للعمل من اجل استعادة وحدتهم الوطنية، وقدمت ولا تزال تقدم المعونات الإنسانية وغيرها من المساعدات للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، تتصرف في هذه الظروف الكارثية التي يعيشها قطاع غزة بسبب حرب ظالمة يتعرض فيها سكان مدنيون هم جزء من شعب صديق ومناصر لها، للقتل المتعمد، تتصرف كما لو أنها غير قادرة على لعب دور اكثر جدية من الدور الحالي الذي تقوم به والمتمثل في تكرار توجيه الدعوات "للجانبين" لإيقاف "العنف المتبادل"..

ولا يوجد ما يدفع للافتراض بأن القيادة الروسية ليست على دراية بان ما يجري في غزة، انما يجري وفق سيناريو معد ومنسق سلفا مع عواصم غربية، وللأسف عربية أيضا، تتجاوز اهدافه الحقيقية "صواريخ المقاومة" وهي ذريعة يتم استغلالها لتبرير ما يرتكب من مؤامرة ترقى الى درجة تصفية جوهر القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني.!

الفلسطينيون في غزة، يعاقبون على مواقفهم الرافضة لأي تنازل عن حقوقهم في وطنهم، مثل باقي شعوب العالم ومن ضمنهم على سبيل المثال، شعب اوسيتيا الجنوبية الذي لم تتردد موسكو بإرسال قواتها العسكرية للدفاع عن ما تقول انه حق ابنائه الطبيعي والشرعي بتقرير مصيرهم والعيش وفق ما يرون انه ينسجم مع تطلعاتهم الوطنية والقومية.

والحال هكذا، كيف سنفهم إذن الدعوات التي تطلقها القيادة الروسية لإعادة تشكيل نظام عالمي جديد يقوم على أسس أكثر عدلا؟ هل العدل يتجزأ ؟ هل العدل الذي تدعو اليه روسيا هو تجاه مصالحها فقط، وهي التي تسعى لاستعادة دورها الكوني في تحقيق توازن تقول ان العالم يفتقده منذ انهيار الاتحاد السوفيتي؟

موسكو، بدت طوال الأيام التسعة عشر الماضية من مسلسل الجرائم المتواصل، بدت (على أقل تقدير إعلاميا) وكأنها تسير متناغمة مع مواقف لا تعكس ماقامت به من جهود دبلوماسية في فترة ما قبل للعدوان..! بدت وكأنها تتصرف كما لو أن ما يجري هو "جولة أخرى من مواجهات تتكرر بين إسرائيليين وفلسطينيين"، بعد أن تتوقف، ستستأنف "جولة مفاوضات جديدة"، تأمل أن يكون لها نصيبها في استضافة "جولات منها" في مؤتمر موسكو الدولي المرتقب، وتعتقد أن "هذا الشرف" الذي تسعى اليه، قد يتعثر في حال اتخذت مواقف علنية قوية ترفض بصورة لا لبس فيها ما يجري في غزة من "حسم عسكري!" يدفع ثمنه مليون ونصف مليون من المواطنين العزل الأصدقاء لروسيا ويستهدف مستقبل القضية الفلسطينية برمتها!

رئيس السلطة الوطنية، محمود عباس قام بزيارة لموسكو قبيل العدوان العسكري الاسرائيلي على غزة بأيام قليلة، قادما من واشنطن وغادرها متوجها الى القاهرة. وتقول أوساط متابعة إن الرئيس عباس طلب من القيادة الروسية "المساعدة في اقناع حماس بالتراجع عن مواقفها قبل فوات الأوان".

وترجح هذه الأوساط أن تكون موسكو قد اختارت السير على ايقاع ما تروجه عواصم عربية ودولية من أن هناك "مبادرة جدية لتسوية شرق أوسطية شاملة على كافة المسارات"، والمطلوب هو "التواطوء" لازالة العقبة المتبقية أمام هذه التسوية: المقاومة الفلسطينية وعمودها الفقري حركة "حماس".

يتوهم من يعتقد ان مؤتمرا يلتئم في موسكو أو في أي عاصمة أخرى، على أشلاء ودماء أطفال ونساء غزة (حتى وإن حضره زعماء عرب ومسؤولون اسرائيليون وأوروبيون وأمريكيون) سيحقق لهذه العاصمة ما تأمله من انجاز حقيقي في عملية السلام!؟

شعوب المنطقة، لا تنتظر دخول لاعبين جدد بقدر ما تنتظر ظهور لاعبين عادلين وقادرين فعلا على إعادة المصداقية لعملية التسوية المتعثرة..ومثال على ذلك هو موقف تركيا، وكيف بتبنيها سياسة علنية ترفض بوضوح وحزم مساواة الظالم بالمظلوم، عززت مكانتها في وجدان شعوب المنطقة وعززت فرص دورها الاقليمي مستقبلا، ويكفيها "شرفا" ان المقاومة الفلسطينية، قبلت أن تكلفها بحمل "همومها" الى مجلس الأمن الدولي، وها هي متواجدة بوفد رسمي في القاهرة، تشارك جنبا الى جنب في مباحثات حركة حماس، علما أن الأخيرة كانت من أوائل من أبدى تفهما لموقف روسيا في صد عدوان جورجيا في القوقاز، ولم تكتف بقول ذلك في جلسات مغلقة بل وأعلنته على لسان رئيس مكتبها السياسي، خالد مشغل.

الشارع العربي الذي رحب ويرحب بعودة روسيا القوية، واستبشر ويستبشر خيرا وهو يرى مساعيها لاستعادة مكانتها العالمية، ويثق بأن روسيا القوية العادلة، لمصلحة العرب والعالم اجمع، لا يزال يأمل بموقف روسي علني حازم وحاسم، يعكس حجم الآمال المعلقة عليها، ويساهم بايقاف فوري لهذه الإجرام الاسرائيلي، والإصرار على انسحاب القوات المحتلة من قطاع غزة وفك الحصار المفروض على أهله. وحري بالجهات الداعمة والمناصرة للشعب الفلسطيني في روسيا، وهي كثيرة ومتعددة، أن تعلن الآن وفي هذه الظروف نيتها إطلاق سفينة محملة بالمعونات الانسانية تصل الى غزة عبر البحر.

قد يقال في روسيا.. واين "بعض الأشقاء الفلسطينيين والعرب" من كل هذا؟ نعم، بعض هؤلاء "الأشقاء" للأسف يشارك في هذا " التواطوء"..! ولكن هل هذا يعفي روسيا من دورها، وهي التي تدفع على سبيل المثال بسفنها الحربية الى الشواطىء الصومالية " لتأمين الملاحة ومواجهة القراصنة"…!

ان " التواطوء" على غزة، يفوق بشاعة ما يقوم به قراصنة البحار في خليج عدن...! ما يجري في غزة، ليس "جولة أخرى من اقتتال بين جانبين" كما تكرر بعض الأوساط المتصهينة في روسيا، وسيبقى وصمة عار على جبين كل من شارك فيه أو صمت عنه من العرب وغير العرب، ولن يمر بدون عقاب!

___
* كاتب صحفي / موسكو

التعليقات