31/10/2010 - 11:02

سباق الرئاسة الأميركي: لحظة الأزمة وحلم البداية الجديدة../ عمرو حمزاوي*

سباق الرئاسة الأميركي: لحظة الأزمة وحلم البداية الجديدة../ عمرو حمزاوي*
ربما تمثل أحد أهم العوامل المفسرة لانفتاح سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية سنة 2008 على العديد من الاحتمالات التي تتجاوز ثلاثية: النوع - الدين - الطبقة الحاكمة تقليدياً لقناعات الناخبين الأميركيين وسلوكهم التصويتي، في تبلور شعور عام لدى أغلبية واضحة من مواطني الولايات المتحدة بأن مجتمعهم يمر اليوم بسلسلة من الأزمات العنيفة تستدعي مواجهتها بفاعلية البحث عن حلول مبتكرة وقيادات حيوية.

من الخطأ اختزال ظاهرة السيناتور الأسود باراك أوباما وتحوله بعد فوزه في ولاية أيوا ذات الأغلبية البيضاء إلى منافس حقيقي على بطاقة ترشيح الحزب الديموقراطي في قدرات خطابية وحضور إعلامي متميز. كذلك يعد من قبيل التبسيط المخل بحقائق الأمور عدم الالتفات إلى مضامين خطاب المرشح الجمهوري رون باول، عضو مجلس النواب الأميركي عن ولاية تكساس، وجلها شديد الراديكالية في نقد ورفض السياسات الداخلية والخارجية لإدارة بوش والدعوة إلى تغيير جذري في توجهات الحزب الجمهوري.

فما كان لأوباما أن يتفوق في ولاية بيضاء من دون دعم قوي من قبل الناخبين المستقلين والشباب، وهم معاً يشكلون اليوم أغلبية الجمهور الناخب في الولايات المتحدة، المنجذب لشعار حملته المركزي وهو التغيير. نعم نجحت هيلاري كلينتون في اقتناص ولاية نيو هامبشاير متقدمة على أوباما، إلا أن معدلات التأييد العام للأخير ما زالت هي الأعلى (59 في المئة في مقابل 37 في المئة لكلينتون). وما كان لرون باول على الرغم من تهميش الإعلام الأميركي له وتجاهله من قبل المصالح المالية الكبرى القريبة من الحزب الجمهوري ومحدودية حظوظه في الفوز ببطاقة ترشيح حزبه أن يتفوق خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام المنصرم على كل المرشحين الجمهوريين الآخرين في جمع التبرعات لولا اقتناع شرائح متنوعة داخل الحزب وبين قواعده الشعبية بأهمية التجاوز السريع لسنوات بوش والبحث عن بدائل جديدة.

وحقيقة الأمر أن نتائج العديد من استطلاعات الرأي العام التي أجريت مؤخراً تدلل بما لا يدع مجالاً للشك على جدية رغبة الأميركيين في تحويل الانتخابات الرئاسية سنة 2008 إلى لحظة انقطاع مع خبرة بوش ونقطة بداية لولايات متحدة جديدة داخلياً وخارجياً. فللمرة الأولى أظهرت استطلاعات وتقارير مؤسسة راسموسن (Rasmussen Reports) على سبيل المثال أن نسبة 46 في المئة من المواطنين تنظر بتشاؤم إلى الحاضر والمستقبل وترى مجد أميركا كظاهرة تنتمي الى ماض ولى أو في سبيله إلى ذلك، في مقابل نسبة 38 في المئة من المتفائلين بحذر.

للمرة الأولى أيضاً تتجاوز نسبة المتخوفين من فقدان وظائفهم أو ممتلكاتهم حاجز الثلث لتصل إلى 44 في المئة، أكثر من نصفهم يرى الكارثة واقعة لا محالة. أما العوامل التي ساقتها الأغلبية لتعليل تشاؤمها فتراوحت بين الارتفاع المستمر للمديونية العامة وهي اليوم تزيد عن 9 تريليون دولار وبين فشل إدارة بوش في حل أي من المشكلات الرئيسية التي تواجه المجتمع الأميركي كالهجرة غير الشرعية وشبح الكساد الاقتصادي وعدم شمولية الرعاية الصحية لجميع المواطنين وتدني مستويات التعليم وغيرها. بل ربط بعض من استطلعت أراؤهم مخاوفهم بنظرة العالم السلبية الى دور القوة العظمى وفقدان الثقة في مصداقية مثلها العليا كالحرية والديموقراطية.

ترسم هذه النسب والمؤشرات صورة تتناقض جوهرياً مع الرؤى النمطية الشائعة عن الولايات المتحدة الفتية بأغلبيتها والمتفائلة دوماً بالحاضر والمستقبل، وتوضح بجلاء عمق حالة الإرهاق والإعياء العام التي أصابت الأميركيين خلال السنوات الماضية. بكل تأكيد تتحمل إدارة بوش بإخفاقاتها المتتالية في الداخل واستنزافها للطاقة الاقتصادية في مغامرات خارجية عالية الكلفة الشق الأكبر من مسؤولية حالة الإرهاق والإعياء العام هذه، إلا أن موضوعية التحليل تقتضي الإشارة إلى الأدوار السلبية التي لعبتها نخب الحزبين الجمهوري والديموقراطي في الكونغرس وخارجه. فقد تجاهلت الأغلبية الجمهورية التي سيطرت على السلطة التشريعية حتى انتخابات التجديد النصفي في 2006 وظيفتها في الرقابة على السلطة التنفيذية بغرض ترشيد فعلها وأسقطت من حساباتها الأدوات القوية التي يمنحها الدستور الأميركي للمشرعين في هذا السياق لتتحول إلى تابع مطيع لإدارة بوش خاصة خلال فترتها الأولى (بداية 2001 - نهاية 2004).

أما الديموقراطيون فقد اتسم فعلهم حتى 2006 بالوهن الشديد بل وبممالأة بوش بالموافقة على غزو العراق والترخيص للعديد من الإجراءات غير الديموقراطية المنتقصة للحريات المدنية كقانون الوطنية (Patriotic Act) وغياب المعارضة الفاعلة لسياسات اقتصادية واجتماعية ثبت فشلها، في حين لم يسفر انتقالهم إلى مواقع الأغلبية عن تغيرات نوعية حقيقية وبدا الأمر طوال العام المنصرم وكأنه مراوحة في ذات المواقع سواء حول القضايا الداخلية كالهجرة غير الشرعية أو الخارجية كالعراق. وما انخفاض معدلات التأييد العام مع نهاية 2007 للإدارة والكونغرس إلى 32 في المئة (وفقاً لمركز غالوب) و22 في المئة (وفقاً لشبكة سي ان ان) على التوالي سوى دليل بين على رفض أغلبية المواطنين الأميركيين للتركيبة الراهنة لنظامهم السياسي بسلطتيه التشريعية والتنفيذية وبأسهم من إمكانات إصلاحها.

هو إذاً الشعور العام بأزمات حادة تعصف بالمجتمع الأميركي مصحوباً بقناعة الأغلبية بعجز قيادات اليوم عن مواجهتها بفاعلية الذي يدفع الناخبين إلى الانجذاب لخطاب التغيير والبدايات الجديدة وتقديمه على ثلاثية: النوع - الدين - الطبقة، التي تفسر تقليدياً السلوك التصويتي في الولايات المتحدة.

تمكن باراك أوباما من الاستحواذ على هذه المساحة وصناعة صورته السياسية كونه مرشح التغيير مستفيداً في ذلك من تعويل هيلاري كلينتون على عنصر الخبرة في تسويق حملتها ومن محدودية القبول العام للخطاب اليساري الاختزالي للمرشح جون ادواردز (السيناتور السابق عن كارولينا الجنوبية) المتهم دوماً للمصالح الرأسمالية الكبيرة بمسؤوليتها عن كل أزمات الأميركيين.

أما جاذبية رون باول، وكذلك حملات المرشح السيناتور جون ماكين (أريزونا) وحاكم ولاية أركنساو السابق مايك هاكابي، فتكمن في صياغة بدائل للسياسات الراهنة تتجاوز حدود الانقسام الحزبي وتبحث عن نقاط توافق جديدة في المجتمع الأميركي. ففي حين ينادي باول وهاكابي بانسحاب الولايات المتحدة من العراق مناقضين بذلك موقف حزبهما ومقتربين من المنافس الديموقراطي وإن اختلفت الأسباب، يقترح ماكين حلولاً لقضية الهجرة غير الشرعية تقع خارج خط الجمهوريين التقليدي وتتلاقى مع طروحات الديموقراطيين الداعية إلى إسباغ الشرعية القانونية على وجود المهاجرين.

نحن أمام سباق انتخابي غير تقليدي لا حدود لاحتمالاته ومفاجآته.
"الحياة"

التعليقات