31/10/2010 - 11:02

سجناء سياسيّون في الولايات المتّحدة: قضيّة سامي العريان نموذجاً../ شارلوت كيتس*

سجناء سياسيّون في الولايات المتّحدة: قضيّة سامي العريان نموذجاً../ شارلوت كيتس*
جرى احتجاز الأكاديمي الفلسطيني الدكتور سامي العريان، كسجين سياسي في المستشفى التابع لأحد السجون الأميركيّة بعد إعلانه الإضراب عن الطعام للفت أنظار الشعب الأميركي والعالم للظلم الذي وقع عليه. فقد اعتُقل العريان بسبب التزامه العمل من أجل العدالة والكرامة لوطنه وشعبه.

السجن الذي يقبع فيه العريان ليس في إسرائيل، بل في ولاية نورث كارولينا الأميركية. ويأتي اعتقاله جزءاً من سياسة أميركيّة تستهدف الناشطين الفلسطينيّين، فضلاً عن استهداف التجمّعات العربية والإسلامية والجنوب آسيوية، وذلك في إطار «الحرب الداخلية» على الإرهاب في موازاة الحرب العالمية «الخارجية» على الإرهاب وحركات التحرّر.

حالة العريان تمثّل قضية اضطهاد لإنسان من جهة، وتصميم من الحكومة الأميركية على تجريم المقاومة ومعاقبة النشطاء الفلسطينيّين. الأمر الذي يقوّض، ليس فقط مبادئ العدالة، بل النظام الجنائي الأميركي ذاته. فسامي العريان (49 عاماً)، هو لاجئ فلسطيني عاش في الولايات المتحدة لأكثر من ثلاثين عاماً، إضافةً إلى دوره البارز كناشط في أوساط الجاليات والتجمعات الفلسطينية والعربية والإسلامية في ولاية فلوريدا وعلى المستوى القومي، وعمله كبروفيسور في علوم الكمبيوتر في جامعة ساوث فلوريدا، وحياته الشخصية كزوج وأب لخمسة أبناء. لكن «جريمته» هي مشاركته في معركة هامّة وأساسية لحماية الحقوق المدنية وتعرّضها للإساءة من خلال قانون «الأدلة السرية» وضدّ سياسات الاعتقال على أساس عنصري والهجوم على العمل التضامني والوطني العام في أوساط الجاليات المستهدفة.

لقد قامت أجهزة الأمن الأميركية بالتنصّت على العريان طوال اثني عشر عاماً، إضافة إلى ثماني سنوات تحت رقابة عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف. بي. أي). واليوم، يخضع للسجن على الرغم من تبرئة ساحته من جانب المحلّفين وتريد أن تفرض عليه الحكومة الشهادة ضدّ آخرين وهو يرفض ذلك بشدة.
وكان أحد أقرباء العريان، الدكتور مازن النجار وهو البروفيسور في الجامعة نفسها التي يعمل فيها العريان، قد اعتُقل هو الآخر عام 1997، «لانتهاكه قوانين الهجرة». كانت مشكلة بسيطة آنذاك ويمكن تصحيحها. مع ذلك، فقد حكم عليه بالسجن مدّة ثلاث سنوات ونصف سنة على أساس «قانون الأدلة السرية» التي لم يُسمَح لأحد بالاطلاع عليها في دولة تدّعي الدفاع عن الحرية.

واليوم، الآلاف من العرب والمسلمين أصبحوا ضحايا لهذا القانون العنصري ومشتقّاته من قانون الأدلة السرية الذي أقرّته إدارة بيل كلينتون، ليس داخل الولايات المتحدة فقط، بل في أماكن مختلفة من العالم، إذ يجري احتجاز هؤلاء في سجون سرية دون أن توجَّه إليهم أيّ اتهامات. وكذلك، هناك أكثر من 400 شخص يُحتجزون أيضاً في معتقل غوانتانامو.

وفي أواخر التسعينات، حيث لم يكن قانون الأدلة السرية قد بدأ يلقي بظلاله الكئيبة، أدّى سامي العريان دوراً رئيسياً في حملة الدفاع عن عديله مازن النجار، وتمكّن من إطلاق سراحه وخرج هو والنجار منتصرين حين وصف قاضي الهجرة كيفن ماكهيو القضية المرفوعة من الحكومة ضدّ النجار بأنها «تخلو من أيّ أدلّة مباشرة أو غير مباشرة» تؤيّد اعتقال النجار وقد أمر القاضي بإطلاق سراحه فوراً.

ومع حلول منتصف عام 2001، كانت قد تبلورت جهود داخل الكونغرس للحدّ من استخدام الأدلّة السرية. وبالفعل فقد أُطلق كل الموقوفين على أساس الأدلة السرية إلّا رجلاً واحداً لا يحمل الجنسية الأميركية. وعبّر جورج بوش، عن معارضة هذه الممارسة. ومن دواعي المفارقة، أن موقف بوش المناهض لاستخدام الأدلة السرية، كان من الأسباب الرئيسية التي جعلت الكثيرين من أبناء الجاليتين العربية والإسلامية يؤيدونه. وفي فلوريدا، كان العريان من النشطاء في الدعوة لانتخاب بوش.

كان العريان والنجار ناشطين بارزين في المجتمع الإسلامي الأميركي، ولهما نشاط واسع مع المركز الإسلامي في تامبا وأكاديمية فلوريدا الإسلامية. كما أنهما من أشدّ الملتزمين الدفاع عن القضية الفلسطينية. وقد أنتجت المنظّمات التي أسهم العريان في تأسيسها في جامعة جنوب فلوريدا، ومؤسّسة الدراسات العالمية والإسلام ومشروع القلق الإسلامي، مجلّدات من المواد التعليمية، وشارك في العديد من المناسبات والمؤتمرات، وساعد على ربط عمل هذه المؤسسات الإسلامية بالكفاح من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال والقمع، إضافةً إلى توفير آفاق تعليمية عادةً ما يجري إسكاتها أو لا تسمع أصواتها في الجدل الأميركي بشأن فلسطين. لقد كان العريان من مؤسّسي روّاد المؤسّسات العربية والإسلامية في فلوريدا، وكذا التيّار المحلّي والعالمي للعمل الإسلامي من أجل العدالة في فلسطين. وبينما كان يتزعّم الدفاع عن عديله، كان أيضاً رئيساً للجنة القومية لحماية الحرية السياسية.
وبسبب قيامه بهذا الدور، كان العريان هدفاً للتجسّس والمضايقات والترهيب، لكنّ أيّاً منها لم يسكته أو يوقف نشاطه المكرَّس لخدمة الحرية والعدالة.

وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول، بدأت آليات القمع الحكومية تعمل عملها. فقد أعيد اعتقال النجار على أساس التهم المتصلة بإدارة الهجرة ذاتها، وأُبعد عن الولايات المتحدة. وقد دعي العريان المعروف بكونه متحدثاً بارعاً باسم الجاليتين العربية والإسلامية، إلى الظهور في البرنامج الحواري اليميني السيّء السمعة الذي يستضيفه بيل أوريللي. وبينما قيل للعريان إنّه سوف يتحدث عن رد فعل الجالية العربية والإسلامية في جنوب فلوريدا، على هجمات 11 أيلول، نصب له أوريللي كميناً يتعلق بالتزامه القضية الفلسطينية، وهو الالتزام الذي كان أوريللي يريد تجريمه، ولا سيما أنه يعمل ضمن حملة تضم عدداً من الداعين إلى التخويف من الإسلام من أمثال جو كوفمان وستيفن إيمبرسون، الذين سعوا إلى محاولة إلصاق تهمة تفجير مدينة أوكلاهوما بالمسلمين بينما من كان خلفها هو عنصري أميركي متطرّف.

وفي العشرين من شباط 2003، اعتُقل العريان، ووُجّهت إليه وإلى ثلاثة ناشطين فلسطينيّين آخرين، هم سميح حمودة وحاتم فارس وغسان بلوط، اتهامات مختلفة تركّزت على الزعم بأنهم قدّموا «دعماً مادياً» لحركة «الجهاد الإسلامي» المدرجة على لائحة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.

وقد بُنيت الاتهامات ضدّ العريان ليس على سياسات القمع التي انتهجتها إدارة بوش في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول، ولا في «قانون الوطنية» السيء الصيت، بل على أساس تشريع مُرّر في عهد الرئيس كلينتون وأدّى دوراً رئيسياً في تجريم المقاومة عالمياً. إنه قانون مكافحة الإرهاب لعام 1996. وأصدر الرئيس كلينتون بموجب هذا القانون الذي استهدف حركات المقاومة في الخارج، أمرين تنفيذيين، أحدهما ينص على إعداد وزارة الخارجية قائمة بالمنظمات الإرهابية حول العالم، التي يحظر تقديم «المساعدات المادية» إليها. ولم تقتصر هذه القائمة على المنظمات الفلسطينية «أو حتى العربية والإسلامية» بل شملت الحزب الشيوعي في الفيليبين وجيش الشعب الجديد التابع له، والقوات المسلحة الثورية في كولومبيا.
وفي عام 1995، حاول الرئيس كلينتون إطلاق عملية غير عادلة لدفع الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال للتعاون مع المحتلين من خلال إصدار أمر تنفيذي أعلن «حالة الطوارئ القومية» من أجل التعامل مع «الخطر الذي تمثّله المقاومة الفلسطينية على عملية السلام في الشرق الأوسط».

وكذلك خطر «حزب الله» لمواصلته المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، كما اتخذ قراراً بتجميد أرصدة اثنتي عشرة منظمة منها «حماس» و«الجهاد الإسلامي» والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية وحزب الله، ثم تبع ذلك قانون يجرّم أي «دعم مادي» لهذه المنظمات.

ولأنه شعب يعيش معظمه في الشتات، فقد كانت الجالية الفلسطينية والعربية في الولايات المتحدة مشاركة بعمق في النشاط السياسي والخيري لدعم إخوانهم في الأرض المحتلة وفي مخيمات اللاجئين في الشتات. بالإضافة إلى ذلك، كانت الجالية المسلمة الأوسع فاعلية في دعم الشعوب الإسلامية تحت الاحتلال سواء في فلسطين أو غيرها. لقد جرى تجريم منظمات المقاومة وعمليات الدعم لها من خلال هذا التشريع القمعي. فهذه المنظمات لم تكن تعمل في الكفاح المسلح فقط، بل كانت ولا تزال، تعمل في كل نواحي الحياة الفلسطينية.
ويجب النظر إلى تجريم المقاومة في سياق تاريخ التضامن الدولي داخل الولايات المتحدة لحركات التحرير الوطني التي صُنّفت من جانب القوى الإمبريالية على أنها «إرهابية».

وخذ على سبيل المثال، الحركات التي ساندت الشعوب في نيكاراغوا والسلفادور في الثمانينات والحركة المناهضة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وقد جرى تصنيف الحركة الساندينية وجبهة تحرير فارابوندو مارثي على أنهما «إرهابيتان»، وكذا المؤتمر الوطني الأفريقي، وهي الحركة التي كان لها ممثلون في معظم المدن الأميركية.

وعلى ضوء هذه القوانين القمعية ضد حركات التحرر في العقود الماضية، فإنه لمن الصعب تخيل عدم وجود هذه الحركات على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للمنظمات الإرهابية لو كانت موجودة في ذلك الوقت، الأمر الذي كان يلحق ضرراً كبيراً بحركة التضامن التي تفاخرت بدعم حركات التحرر الوطني والمقاومة. لقد كانت حملات جمع التبرعات للسلفادور ونيكاراغوا في الثمانينات ستصنَّف على أنها غير مشروعة لو جرى إمرار قانون مشابه آنذاك.

وقد اتهمت الحكومة الأميركيّة مجموعة كبيرة من الجمعيات الخيرية والمنظمات الاجتماعية في فلسطين، بأنها تعمل كواجهات لمنظمات المقاومة. ففي المناخ الذي ساد في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول، بل حتى قبلها، اتخذت السلطات الأميركية قراراً بإغلاق عدد من الجمعيات الخيرية داخل الولايات المتحدة مثل «مؤسسة الأرض المقدسة» Holly Land Founation وغيرها. وجرى تجميد أرصدتها. ولا تزال معظم هذه المنظمات والجمعيات مغلقة حتى يومنا هذا، وتعرض بعض القائمين عليها للملاحقات والمضايقات داخل الولايات المتحدة وخارجها.

وفي 11 آذار الماضي، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أنّ مسؤولي الأمم المتحدة لاحظوا أن الفلسطينيين «أصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على المساعدات الإنسانية». وهذا أمر غير مفاجئ بالنظر إلى المحاولات المحمومة التي بذلتها الولايات المتحدة وإسرائيل على مدى أكثر من عقد من الزمن لقطع التمويل، وعزل وإضعاف المؤسّسات الفلسطينية. ومع ذلك، اختارت الولايات المتحدة مواصلة حربها على الفلسطينيين، إلى جانب الحرب التي تشنّها عليهم قوات الاحتلال الإسرائيلية، فضلاً عن الحرب التي تشنها واشنطن ضد الشعبين العراقي والأفغاني وتهديداتها ضد إيران. ولم تفعل واشنطن ذلك من خلال اعتقال ناشطين أميركيّين من أصل فلسطيني كسجناء سياسيين فقط، بل صمتت عن اعتقال إسرائيل لأكثر من عشرة آلاف فلسطيني منهم 41 عضواً في المجلس التشريعي بمن فيهم عزيز الدويك رئيس المجلس المنتخب، وأحمد سعدات.

وفي هذه الأثناء، فرضت واشنطن، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، حصاراً اقتصادياً مدمراً على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزّة في محاولة جديدة لمعاقبة هذا الشعب الذي انتخب بشكل ديموقراطي، حكومة ملتزمة المقاومة والتحرير الوطني. وتطالب الولايات المتحدة وأوروبا الحكومة الفلسطينية بقبول «حق» البقاء للدولة المحتلة التي تقوم على أراض فلسطينية مسروقة وأقامت نظاماً استيطانياً مبنياً على الفصل الإثني والديني، وفي الوقت ذاته ترفض الولايات المتحدة وأوروبا حق العودة للشعب الفلسطيني وحق مقاومة الاحتلال الذي دمر حياتهم.

وعلى الرغم من الحصار، لم يرضخ الفلسطينيون لهذه الشروط التي لا تستند إلى العدالة أو الشرعية، بل على تكريس احتلال بلا ثمن، وجاء الرد الأميركي ـ كالمعتاد ـ محاولة تجريم المقاومة، وطالبت السلطة بالتصدي لحركة «حماس» في محاولة لإشعال نار حرب أهلية في الضفة الغربية وغزة، لكن التزام الشعب الفلسطيني وإرادته الصلبة في مقاومة هذه المحاولات فوّتت الفرصة على الأميركيين. ومع ذلك، فإن حرب إدارة بوش على الفلسطينيين لم تقتصر على دعم المعتدي ومحاولة عزل المعتدى عليه، بل تعدّته إلى محاولة الضغط على الأنظمة العربية لإسقاط «حق العودة» للاجئين الفلسطينيين من المبادرة العربية.

وبالطبع، فإنّ عودة اللاجئين من شأنها إحباط المشروع الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين والقائم على الفصل العنصري الذي دفعت ثمنه أجيال من اللاجئين الفلسطينيين منذ قيام الدولة العبرية التي تحكم بالبندقية. وقد بذلت الولايات المتحدة التي ترى في الحفاظ على المشروع الصهيوني في فلسطين هدفاً أساسياً لسياستها في المنطقة، بذلت أقصى جهودها من خلال مبعوثيها مثل كوندوليزا رايس، لمحاولة الضغط على العرب لإسقاط هذا الحق ودفعهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وفي هذه الأثناء، ظلّ سامي العريان يقبع في السجن وقُدّم إلى المحاكمة مع زملائه النشطاء الآخرين. وبالرغم من عدد كبير من الشهود، ومنهم إسرائيليون، الذين أتوا بهم، جرت تبرئته من ثماني تهم، واختلف المحلّفون على تسع تهم أخرى. وكان ذلك نتاج أحد عشر عاماً من المراقبة من جانب الـ«أف. بي. آي» والأجواء المحمومة التي أعقبت هجمات 11 أيلوللم تكن قضية العريان هي الوحيدة في هذا المجال، فقد حوكم ناشطان فلسطينيان هما محمد صلاح وعبد الحليم الأشقر، في شيكاغو لاتهامهما بممارسة «الابتزاز» وتقديم «دعم مادي» إلى حركة «حماس». وقد جرت تبرئتهما من كلّ التهم ذات الصلة بالإرهاب في شباط 2007. وكما قال محامي العريان والأشقر في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» فإنه «لا يمكن إدارة بوش أن تكسب هذه الحرب من خلال تجريم شعب يقاتل من أجل حريته».

وأوضح المحلّفون في قضية العريان / الأشقر في بيان أصدروه أنّ «الشعب الأميركي ليس معنياً بإدانة القادة الفلسطينيين والعرب والمسلمين والأميركيين بالإرهاب، لأنهم يساعدون مواطنيهم وشعوبهم الخاضعة للاحتلال».

وفي الوقت الذي تشنّ فيه الإمبريالية الأميركية الحرب على العالم العربي وتغزو وتحتل أفغانستان والعراق مما أدى إلى مقتل أكثر من 650 ألف شخص في العراق فقط، فضلاً عن آلاف الجنود الأميركيّين، وتمدّ إسرائيل بالمساعدات والأسلحة لشنّ العدوان على فلسطين ولبنان وتهديد إيران، تقوم (الولايات المتحدة) بتجريم أي مقاومة لهيمنتها على العالم وتحتجز الآلاف في سجون سرية حول العالم، كما تقوم بخطف الأشخاص وتسليمهم إلى دول تمارس التعذيب. فضلاً عن احتجاز الآلاف في معتقل غوانتانامو في إشارة رمزية إلى الحصانة التي تتمتع بها الولايات المتحدة لتفعل ما تشاء وتنتهك القانون الدولي والأعراف الدولية لحقوق الإنسان لدرجة أن هذه السياسات الوحشية طالت مواطنين ومقيمين داخل الولايات المتحدة نفسها.

وعلى الرغم من هزيمتها المنكرة في قضية العريان، فإن الحكومة الأميركية عبّرت عن تصميمها المضي قدماً في مقاضاته. وفي ظلّ العناء والإجهاد اللذين لحقا به وبعائلته، قرّر العريان أخيراً الدخول في مقايضة مع القضاء الأميركي، يعترف بموجبها بأنه مذنب بتهمة «تقديم خدمات» إلى أشخاص مرتبطين بحركة «الجهاد الإسلامي»، على أن تكتفي السلطات بإبعاده عن البلاد.

وعلى الرغم من السنوات الثلاثين التي عاشها في الولايات المتحدة وتمتّعه بالجنسية هو وجميع أفراد عائلته، فإنه قبل ذلك من أجل إراحة عائلته التي ظلّت تعاني إلى جانبه، على مدى سنوات طويلة. وبالرغم من تعهّد الهيئة القضائية إصدار حكم مخفَّف ضدّه إذا اعترف بهذه التهمة، فإن القاضي جيمس مودي، الذي أظهر انحيازاً كاملاً أثناء مداولات القضية حين سمح للعديد من الشهود الإسرائيليّين بالإدلاء بشهاداتهم حول الخسائر الناتجة من أعمال المقاومة الفلسطينية، ورفض السماح لأي شهود فلسطينيين بالإدلاء بشهاداتهم حول معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي، أصدر حكماً آخر وألقى عليه محاضرة بشأن الذنب الذي اقترفه بطريقة كانت مرفوضة تماماً من جانب هيئة المحلّفين. فلم تجرِ إدانة العريان وزميليه الأشقر وصلاح، بل لم توجَّه إليه أيّ اتهامات لها صلة بأي ضرر يقع على الولايات المتحدة أو مصالحها في الداخل أو الخارج.

وكل الاتهامات الموجهة إليهم لها علاقة فقط بالنضال الفلسطيني من أجل تحرير بلادهم من الاحتلال. وكان من المقرر أن يجري إبعاد العريان بعد صدور الحكم عليه في شهر إبريل 2007. فقد حصل العريان ــ ضمن المقايضة القضائية ــ على تعهّد بأن لا يُستدعى للشهادة في أيّ قضية أخرى، إلا أن القاضي غوردون كرومبيرغ في فريجينيا الذي أطلق تحذيراته من «أسلمة الولايات المتحدة» طلب شهادته في قضية ضد نشطاء وزعماء في الجالية العربية الأميركية.

وجاء إضراب العريان عن الطعام احتجاجاً على الحكم الذي صدر بحقه، وتراجع المحكمة عن الاتفاق الذي أبرم معه، والذي يمنحه حق عدم الإدلاء بالشهادة في أيّ قضية تتعلّق بنشطاء آخرين. ومثل هذه الممارسة من جانب السلطات الأميركية ليست جديدة ولا تقتصر على العريان وحده.

ومع ذلك، فإن محاولة إجبار العريان على الإدلاء بشهادته تلقي الضوء ــ مرة أخرى ــ على مدى إزدراء الحكومة الأميركية للمبادئ ذات الصلة بالعدالة، من أجل تحقيق هدف القمع السياسي. وبالطبع، فإن العريان ليس السجين السياسي الوحيد الذي يقبع خلف قضبان السجون الأميركية. فهناك الكثير من السجناء السياسيين الذين أمضوا سنوات طويلة في السجون الأميركية منذ السبعينات، من حركة تحرير السود إلى مناضلين بورتوريكيّين إلى ليوناردو بيلتيار الذي استُهدف لتعاونه مع الحركة الوطنية لتحرير سكّان البلاد الأصليين إلى الاتهامات ضدّ ناشطين سود مؤخراً. وتمثّل قضية سامي العريان عولمة للاعتقال السياسي في السجون الأميركية، فضلاً عن معتقل غوانتانامو و«المحاكم العسكرية» والاعتقالات السرية في أماكن مختلفة من العالم.
وعلى أيّ حال، فإن قضية العريان ليست جديرة بالتأييد فقط، بل تستحق تحركاً لحشد الدعم الشعبي من أجل الضغط على السلطات لإيضاح أن الشعب يرفض أن تقدِم حكومته على هذه الممارسات باسمه (وبأمواله حيث بلغت تكاليف محاكمة العريان أكثر من خمسين مليون دولار تكبدها دافع الضرائب الأميركي).
فالعريان، وزملاؤه من السجناء السياسيين الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، هم مصدر إلهام لكل المناضلين من أجل العدالة في هذا العالم. فبالرغم من استهدافه وعائلته، لم يتوقف عن العمل مع الأقليات الفلسطينية والعربية والإسلامية في الولايات المتحدة. وبينما كان يخضع للتحقيق والملاحقة من الـ«أف. بي. آي» ويتعرّض للهجوم من جانب الصحافة، كان يجوب أرجاء الولايات المتحدة من أقصاها إلى أقصاها ويواصل المطالبة بالعدالة في فلسطين، والتأييد لحركة التحرير الوطنية الفلسطينية.

إنّه مثال يُحتذى به في الشجاعة والكرامة والإقدام لكل المقاومين. فالمقاومة تتخذ أشكالاً مختلفة، بما في ذلك، الكتابة والخطابة وتعريف الرأي العام وبناء المؤسّسات القادرة على حشد التأييد للعدالة في فلسطين، وهذا يمثّل تذكرة لنا بالمهمّات الملقاة على عاتق كل فرد فينا، وخاصة الملتزمين بهذه القضية العادلة.

وقد شرعت إدارة بوش في هذه الملاحقات القضائية ليس فقط من أجل استهداف بضعة ناشطين أو قادة في الجاليات العربية والإسلامية، بل الهدف الأبعد هو إسكات أصوات التأييد للقضية الفلسطينية في أوساط العرب والمسلمين الأميركيّين ولقمع النشطاء وللضغط على الناس من أجل التخلي عن العمل السياسي.

ومع ذلك، فقد ظلّ الردّ المناسب على هذا القمع دائماً هو النضال والتحدي وعدم الاستسلام للقمع أو التخلّي عن عمل قانوني وشرعي خوفاً من إجراءات غير قانونية وغير مشروعة. وكلّما ارتفع مستوى نشاط العرب الأميركيّين، وكلّما كانت مؤسّساتهم أقوى، كانت حركة التضامن أعلى صوتاً وأكثر وضوحاً، وأصبحنا أكثر قوة كحركة وأكثر قدرة على دحر قوى القمع. وفي الواقع، فإن قضية سامي العريان تمثّل نموذجاً صارخاً على القمع الذي تقوم به «المؤسّسة» الأميركية واستهدافها لأحد زعماء الجالية العربية. وأيضاً، على عدم التخلّي عن تأييد قضية عادلة في وجه الظلم ومحاولات الترهيب.
"الأخبار"

التعليقات