31/10/2010 - 11:02

سقوط أخطر حلفاء "الحرب على الإرهاب"../ محمود المبارك*

سقوط أخطر حلفاء
في شهر حزيران (يونيو) الماضي، ورداً على النداءات الداخلية العارمة التي طالبت بتنحي الرئيس برويز مشرف، رفض الزعيم الباكستاني قبول إقالته أو تقديم استقالته بأسلوب لم يخل من تهكم على ذاته حين قال: «أنا لست فاكهة فاسدة، ولن أقبل الإقالة أو الاستقالة»!

اليوم، حيث يستعد التحالف الحكومي الباكستاني لتقديم مذكرة اتهام ضد الرئيس مشرف أمام البرلمان الباكستاني، ربما تكون مسرحية سقوط مشرف - التي طال انتظارها - دخلت آخر فصولها.

ذلك أن الرئيس الذي وصل إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري على حكومة منتخبة عام 1999، لم يأل جهداً في انتهاك دستور بلاده طوال مدة رئاسته، وهو الأمر الذي يخوّل البرلمان الباكستاني إقالته ومن ثم محاكمته بتهمة انتهاك الدستور كجريمة يعاقب عليها القانون، بموجب المادة 47 من الدستور الباكستاني.

من أجل ذلك، فإن السؤال الأولى طرحه هو ليس لماذا تتم إجراءات عزل مشرف الآن، ولكن لماذا تأخرت هذه الإجراءات حتى اليوم؟ وواقع الأمر أن اختيار هذا الوقت لبدء إجراءات إقالة الزعيم المستبد يعود لسببين اثنين، أحدهما خارجي والآخر داخلي.

أما السبب الخارجي فهو قبول الولايات المتحدة بالتخلي عنه، حين وجدت البديل الأكثر شعبية على المستوى الداخلي. فتصريح المتحدث باسم البيت الأبيض قبل أيام، أن الولايات المتحدة لن تقحم نفسها في المسائل الداخلية لباكستان، في إشارة إلى إجراءات عزل مشرف، وهي التي سبق أن تدخلت - ولا تزال تتدخل - سياسياً وعسكرياً في القرارات المصيرية لباكستان، لا يمكن تفسيره إلا أنه تخلٍ من واشنطن عن حليفها السابق.

أما السبب الداخلي - الذي ربما يكون له ارتباط بالأول - فهو عدم مساندة الجيش لقائده العسكري السابق، إذ لوح الجيش بأنه سينأى بنفسه عن مساندة الرئيس مشرف ضد البرلمان، في إشارة أخرى تحد من إمكان لجوء الرئيس إلى عمل عسكري يضمن بقاءه في مقعده في سدة الرئاسة، كما اعتاد في السابق!

وبغض النظر عن إمكان تحقيق العدد الكافي في البرلمان لإقالة مشرف في الوقت الحالي، إذ يتطلب الدستور الباكستاني الحصول على تأييد ثلثي أعضاء البرلمان بمجلسيه أي 295 صوتاً، من أصل 439 صوتاً، وهو الأمر الذي لم يتم تحقيقه بعد، بغض النظر عن ذلك، فإن مجرد إثارة طلب إقالة الرئيس الباكستاني في أروقة البرلمان، كفيلة بأن توقد شعلة من الحماسة لدى عدد من البرلمانيين المستقلين، الذين سيواجهون معركة انتخابية قريبة، وتبعاً لذلك سيتوجب عليهم إرضاء ناخبيهم الذين لا يرغبون في بقاء زعيمهم الذي نجا من ست محاولات اغتيال!

ذلك أن الجنرال العسكري الذي لم يحالفه التوفيق في علاج أزمات بلاده الداخلية بأسلوب حكيم، سواء في تعامله مع الجماعات الإسلامية، أم في قرار عزل رئيس المحكمة العليا، أم في أحداث المسجد الأحمر الدامية، لم يترك مجالاً لمناصريه لكي يتغنوا بإنجازات زعيمهم خلال فترة رئاسته. ولهذا يتندر الباكستانيون بأنهم في عهد مشرف أحرزوا المراتب الأولى عالمياً في القهر السياسي والفقر الاقتصادي والتخلف التقني!

من أجل ذلك، فإن الولايات المتحدة - التي تدرك أن مشكلة باكستان، التي تقع وسط ثلاث دول تتسابق على تطوير السلاح النووي، ليست متمحورة في شخص الرئيس ذاته - وتدرك أيضاً أن عليها حماية السلاح النووي الباكستاني من أن يقع في أيدي المتطرفين الإسلاميين، إذا ما وقعت البلاد في فوضى سياسية. حال الفوضى تلك، يمكن أن تقع فيما لو استمر مشرف في رئاسته، ولعل هذا يشرح أسباب قرار البيت الأبيض التخلي عن مشرف في هذا الوقت، بعد أن أصبح عبئاً على البيت الأبيض كونه ورقة خاسرة.

بل إن واشنطن تعلم جيداً أن مصير باكستان الداخلي مصدر قلق لأفغانستان، حيث مصير 26 ألفاً من جنودها وجنود الحلف الاطلسي في أفغانستان، قد يتغير كثيراً بتغير الأوضاع الداخلية في باكستان. وتبعاً لذلك، ربما حثت إدارة بوش الرئيس الباكستاني على البحث عن منفى قبل أن يبحث عن مأوى فلا يجده!

من يدري فربما يأتي اليوم الذي تندم فيه الولايات المتحدة على فراق أقوى حلفائها في «الحرب على الإرهاب»، كما فقدت واشنطن حليفها غير الرسمي في العراق، والذي لم تدرك إدارة بوش أنه كان سداً منيعاً أمام الحركات الإسلامية إلا في وقت متأخر، ولكن إذا حدث ذلك، فلن تكون فيه تعزية للرجل الذي سيرمى كما ترمى الفاكهة الفاسدة! ولكن لعله من باب التعزية والتسلية لمشرف أن صديقه في البيت الأبيض - الذي قَبِلَ التخلي عنه - سيصبح عما قريب فاكهة فاسدة كذلك!
"الحياة"

التعليقات