31/10/2010 - 11:02

"سنة شارون"/ أنطوان شلحت

في شبه إجماع رأت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن السنة العبرية المنصرمة، التي انتهت يوم الاثنين 3/10/2005، كانت بامتياز "سنة أريئيل شارون"، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بعد أن أفلح قبيل انتهائها أيضًا، وخلافًا لكل التوقعات، في إلحاق الهزيمة بمنافسه الأقوى داخل حزبه- الليكود- بنيامين نتنياهو، على رغم تطبيقه "خطة فك الارتباط" مع قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة الغربية بما اشتملت عليه من سابقة إخلاء للمستوطنات.

وفي شبه إجماع آخر، مكمّل ومواز، رأت وسائل الإعلام هذه أن السنة العبرية الجديدة، التي احتفل الإسرائيليون يوم الثلاثاء 4/10/2005 بأول أيامها، ستكون برسم ما سيقدم عليه شارون من خطوات، إلى ناحية تدعيم مكانته الحزبية والسياسية، في جهة وإلى ناحية ما "سيدحرجه" من برامج سياسية تتعاطى مع "اليوم التالي" للانسحاب من غزة، في أخرى.

في واقع الأمر قد يصعب الاستئناف على الآراء الذاهبة، وهي تقوم بجردة حساب سياسية للسنة الفائتة، إلى أن شارون قد "تغيّر كثيرًا"، والتي عبّر عنها العديد من المعلقين الإسرائيليين من وجهة نظرهم الخاصة التي لا تقفز، في الآن ذاته، عما يمكن إدراجه في إطار "الوقائع الجافة" سوية مع استقطار الدلالات المختلفة (مقال دورون روزنبلوم، "هآرتس" الاثنين 3/10، مثلاً). لكن من وجهة نظرنا الخاصة أيضًا ليس من الصعب وضع هذا "التغيير" الذي يقولون به في سياقه الصحيح، الذي لا يحيل إلى الدوافع الآنية الراهنة فحسب، وإنما كذلك إلى "تقاليد" صهيونية عريقة، منذ أن بدأ مشروع هذه الحركة لاستيطان فلسطين كولونياليًا.

[في هذا الصدد أشار الباحث الإسرائيلي دان ياهف، في عرضه لكتاب "الجدار الحديدي" لمؤلفه آفي شلايم، مؤخرًا، إلى أن "تقسيم البلاد" يشكل الموضوع المركزي على امتداد التاريخين الفلسطيني والصهيوني في العصر الحديث، لكن الباحث- شلايم- يستعرض بإيجاز تطور الفكرة والتوجهات السياسية المختلفة حيالها ابتداء من "لجنة بيل" (1937) التي تشكلت في أعقاب "التمرد العربي"، والتي عقب دافيد بن غوريون عليها بالقول "إن الدولة اليهودية الجزئية ليست النهاية وإنما البداية... سوف ننظم قوة دفاع متطورة، جيشًا منتخبًا، وإنني سأكون على ثقة عندئذٍ في أننا سننجح بالاستيطان في كل باقي أجزاء البلاد... سواء أكان ذلك باتفاق مع جيراننا العرب أو بطريقة أخرى...". هذا الفهم لا يزال من ناحية عملية سائداً وقائماً حتى الآن، نعم للتقسيم ولكن بعد أن لا يبقى الكثير مما يمكن تقسيمه أو تقاسمه. مستوطنات، مواقع استيطانية، طرق التفافية، غلاف القدس، كتل مستوطنات وغير ذلك].

مع ذلك ودون التخويض التفصيلي في "التغيرات الكبيرة" التي خضع لها شارون أو يكاد، فإنه لدى السؤال عن مشاريعه لـ"اليوم التالي" يطالعنا ما يلي:

(*) رأت صحيفة "هآرتس" في مقالها الافتتاحي أن "الإشارات إلى استمرار الانسحاب الأحادي الجانب، التي أسمعت من قبل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية- أمان- ومستشار رئيس الوزراء الإعلامي مؤخرًا، لا يمكن أن تكون من قبيل المصادفة. فإن الحديث يجري عن اتجاه سائد يلقي على عاتق إسرائيل مسؤولية إقرار الحدود بصورة أحادية الجانب قدر الإمكان، مثلما أن الاستيطان كان ممارسة أحادية الجانب".

(*) بيد أن ناحوم برنياع، كبير المعلقين السياسيين في "يديعوت أحرونوت"، الذي صكّ تعبير "سنة شارون"، يؤكد أن شارون ليس في عجلة من أمره للاستمرار في إخلاء مناطق ومستوطنات، لا بصورة أحادية الجانب ولا في إطار اتفاق (مع الفلسطينيين). ويضيف: "إنه يؤمن بأنه أدخل أبو مازن إلى فخّ غزة. وطالما أن السلطة الفلسطينية لا تفكّك المنظمات الإرهابية فإن الأميركيين سيمتنعون عن الضغط على إسرائيل. يجوز أنه ربح عدة أشهر. ويجوز أنه ربح دورة كاملة".

(*) مستشهدًا بالاستطلاع الأخير لـ"معهد ترومان" في الجامعة العبرية- القدس، يشير عكيفا إلدار، المعلق السياسي في "هآرتس"، إلى أن حلم تسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني لا يزال حلمًا بعيد المنال، على الأقل في رؤيا الإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء. وسبب ذلك لا يكمن، برأيه، في ماهية التسوية، التي يمكن أن تكون في صيغة تقع بين خطة كلينتون وبين رؤيا بوش بهذا القدر أو ذاك، وإنما يكمن في فقدان الثقة، وأساسًا فقدانها لدى الجانب الإسرائيلي حيال الجانب الفلسطيني.

(*) هذا الرأي السابق لديه الكثير من "الأنصار" في الساحة الإسرائيلية. منهم من يسوّغ تأييده للانفصال بالاستناد إليه. وذلك كما لا ينفك يفعل الصحافي في "هآرتس" آري شفيط، الذي نشرت له الصحيفة يوم الاثنين 3/10/2005 مقالة جديدة بعنوان "عام تقسيم البلاد"، يؤكد في سياقه أنه خلال السنوات الأربع من 2000 إلى 2004 "فَهِمَ الإسرائيليون الرسالة الفلسطينية جيداً، وأدركوا أن الصراع لا يدور على قطاع غزة والضفة الغربية وإنما على حق وجود الدولة اليهودية ذاته في محيط عربي إسلامي... أدركوا أن الصراع لا يدور على القدس وإنما على وجود مجتمع حرّ غير عربي في الشرق الأوسط. لقد فهموا وأدركوا أن الصراع يدور على حق وجود إسرائيل كدولة يهودية- ديمقراطية".
ويتابع: "حول هذه الرؤية الأساسية المتبصرة أخذت تتبلور منذ رأس السنة العبرية في العام 2000 أغلبية إسرائيلية جديدة وصامتة. هذه الأغلبية تدرك أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني لن ينتهي في المستقبل المنظور، بيد أن هذه الأغلبية تعي أيضاً أن الاحتلال يشكل خطراً أخلاقياً وديمغرافياً وسياسياً على إسرائيل. وتعلم الأغلبية الإسرائيلية أنه لا بدّ، في جهة، من إنهاء الاحتلال بغية ضمان وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، لكنها تعلم أيضاً، في جهة أخرى، أن إنهاء الاحتلال بشروط تعني استمرار الصراع، ينطوي على إشكالية. فاستمرار الصراع يمكن أن يفجر موجات عاتية من العنف والتي من شأنها أن تزعزع إسرائيل فضلاً عما يمكن أن تشكله من خطورة عليها. لذلك تتوقع الأغلبية الإسرائيلية من زعامتها القومية العمل من أجل إنهاء الاحتلال تدريجياً، بحذر ودون تحميل إسرائيل مخاطر وجودية".


ومن هؤلاء "الأنصار" أيضًا الجنرال في الاحتياط ورئيس شعبة "أمان" الأسبق، شلومو غازيت، الذي كتب في هذا الشأن يقول: "يجدر أن نوضح ونشدّد على أنه في السنوات القريبة يتعيّن على إسرائيل أن تقرّر بشأن المفاوضات وبشأن مضمون الاتفاق السياسي الذي سيوقع بيننا وبين الفلسطينيين. مع ذلك وبتطرقنا إلى المستقبل البعيد، حتى لو لم تكن الأمور مرتبطة بالانفصال ونتائجه، من المهم التشديد على ما يلي- الاتفاق الذي سنوقع عليه سيكون اتفاقًا سياسيًا فقط، ومن المحظور أن نوهم أنفسنا بأن هناك احتمالاً في المستقبل القريب للوصول إلى مصالحة حقيقية مع الفلسطينيين، بل وحتى مع العالم العربي المحيط بنا. ومن المهم فهم أنه حتى لو أحرز اتفاق سياسي مع الفلسطينيين، فإن وجود إسرائيل في المستقبل القريب يتم ضمانه فقط بنفوذ قوتها العسكرية وقدرتها على ردعهم عن القيام بإجراءات عسكرية، وبقدرتها حسب الحاجة على أن تهزمهم وأن تلحق بهم خلال ذلك خسائر وأضرار فادحة" (من مقالته في "نشرة مركز يافه الإستراتيجية" التي تصدر ترجمة عربية كاملة لها قريبًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- "مدار").

ومهما تكن السيناريوهات المقبلة، فيما عرضنا له هنا وفيما لم نعرضه غير أنه لا يذهب أبعد مما ذكر سالفًا، فمن شبه الأكيد أن الفترة القريبة القادمة لن تشهد أية تطورات جوهرية تذكر، منِ شأنها أن تشي بوجهة سياسية إسرائيلية معينة. وهذا الأمر غير راجع إلى أن قباطنة الدولة الإٍسرائيلية، بمن فيهم أريئيل شارون نفسه، لا يملكون أجندة سياسية محدّدة سواء في وجهة المزيد من الانفصال أو في وجهة التوصل إلى تسوية بالاتفاق فحسب، وإنما يرجع أيضًا إلى أن هذه الفترة كافتها ستكون برسم الانتخابات البرلمانية التي ستجري، سواء في إسرائيل أو في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، علمًا بأن هذه الانتخابات ستتأثر إلى حدّ بعيد بخطة "فك الارتباط".

ولدى التنائي عن التأثيرات المباشرة لفك الارتباط، لكن على صلة بالخوض في مستقبل الحكم الإسرائيلي وهويته السياسية، ثمة أكثر من رأي يجمع على أنه لن تقوم حكومة بقيادة "اليسار الصهيوني"، أي بقيادة حزب "العمل"، بعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة على الأقل. أما في حالة عدم نجاح شارون في الاحتفاظ بالحكم فإن المتوقع أكثر شيء هو أن تصعد إلى سدّته حكومة أكثر يمينية يحتمل أن تكون بقيادة بنيامين نتنياهو. لكن لن تقوم حكومة في إسرائيل تتبع نهج "إيثار المستوطنات على المفاوضات" السياسية، بغض النظر عن إطارها. وإن هذا الأمر يبدو أكيدًا من ناحية الأميركيين، "وسبق أن كانت لعائلة بوش تجربة في المساعدة على إسقاط رئيس حكومة في إسرائيل على هذه الخلفية" (حكومة اسحق شمير)، كما يكتب أحد المحللين السياسيين. ويرد هذا الحكم الأخير في سياق عدم استبعاد أن تمارس واشنطن ضغوطًا على شارون في مسألة الاستيطان، خلافًا لما يقول به برنياع، حتى في غمرة موسم الانتخابات، الذي لا يختلف اثنان على أنه بدأ في إسرائيل فور الانتهاء من تنفيذ خطة فك الارتباط في أيلول 2005.

التعليقات