31/10/2010 - 11:02

سياسة رايس في الشرق الأوسط والفشل المحتوم/ باتريك سيل

سياسة رايس في الشرق الأوسط والفشل المحتوم/ باتريك سيل
عند التساؤل عن أهداف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط يتصور كل إنسان عاقل بأن أميركا تود أن يسود الاستقرار في هذه المنطقة المضطربة، وأن تحل المشاكل التي تتخبط بها، فتكسب صداقة العرب والمسلمين وتضمن تدفق النفط دونما عوائق بأسعار معقولة وتعزل التطرف الإسلامي.

فإذا كانت هذه هي فعلاً الأهداف الأميركية، إذن فإن كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية تسير في الاتجاه المعاكس. فهي قامت هذا الأسبوع برحلة إلى القاهرة والرياض وأبوظبي في محاولة لكسب الدعم في معركة ضد مجموعة من الأعداء - إيران وسورية و «حزب الله» في لبنان والحركة الإسلامية الفلسطينية «حماس» التي حصلت على فوز كاسح في الانتخابات الفلسطينية يوم 25 كانون الثاني (يناير) الماضي والتي تقوم حالياً بتشكيل حكومة.

كشفت رايس على الملأ عداءها لهذه الدول والحركات، وهي تبدو مصممة على إلحاق الهزيمة بها. وهذا في رأي كل عاقل أمر يفتقر إلى الحكمة وغير قابل للتحقيق.

ولا تزال إيران وبرنامجها النووي الهدف الرئيسي لخطة الدكتورة رايس العدائية. إذ هاجمت عشية رحلتها الحكومة الإيرانية ووصفتها بـ «البنك المركزي للإرهاب والتحدي الاستراتيجي لأميركا».

وقالت مخاطبة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ «إن الولايات المتحدة مصممة على مواجهة سياسات النظام الإيراني». وعليه قامت إدارة الرئيس بوش بتقديم طلب إلى الكونغرس برصد 75 مليون دولار لإطلاق قناة تلفزيونية بالفارسية بهدف زعزعة النظام من الداخل وتشجيع فئات المعارضة المختلفة المعادية لحكم الملالي. وهذا يذكر بقانون تحرير العراق الذي وقعه الرئيس كلينتون عام 1998 والذي استبق كارثة اجتياح العراق عام 2003. كما طالبت الإدارة برصد خمسة ملاين دولار لصالح المعارضين للنظام السوري محاولة بذلك إثارة الحكم في دمشق. ويبدو من خلال هذا التصرف أن أميركا تتجه نحو سياسة «تغيير النظام» في كل من إيران وسورية.

كذلك تتجه أميركا، وإن أنكرت ذلك، نحو التآمر مع إسرائيل لتثبيت المقاطعة المالية والديبلوماسية لحركة «حماس». ففي مقابلة مع بعض الصحافيين العرب، حذرت الدكتورة رايس حكومات الشرق الأوسط من منح أي مبالغ الى حكومة فلسطينية برئاسة «حماس».

ولا شك أن مثل هذه التوجهات ستثير النزاعات المحلية وتخل باستقرار المنطقة وتؤجج موجة العداء لأميركا لدى العرب والمسلمين وتقدم بذلك هدية جميلة للإسلاميين المتطرفين. وإنه لمن المحزن أن نرى دولة عظمى تتخبط في العجز بهذا الشكل كما لو أنها غافلة عن عواقب سياساتها.

وقد لا تدرك الدكتورة رايس أن مهمتها محتومة الفشل. فهي لن تحصل على ما تريد، لأن قادة مصر والسعودية والإمارات العربية لا يريدون، مهما قالوا لها، أن يواجهوا إيران وأن ينزعوا استقرار النظام السوري. وهم حتماً لا يقوون على الانحياز علناً لأميركا ضد «حزب الله» أو «حماس»، لأن كليهما يتمتعان بتأييد شعبي كبير في العالم العربي.

القادة العرب يضلون مخاطبهم من فرط تهذيبهم. فهم لا يمكن أن يقولوا للدكتورة رايس ان سياسات أميركا في المنطقة - خصوصاً الحرب الكارثية في العراق ودعم القمع الإسرائيلي للفلسطينيين - هي سياسات مغرقة في خطأ الاتجاه وبحاجة عاجلة إلى إعادة نظر.

ويبدو أن أحداً لا يعرف ما هي وجهات نظر كوندوليزا رايس نفسها بالنسبة الى الشرق الأوسط المضطرب. فهي في معظم الأحيان تردد كالببغاء آراء الآخرين. إذ أشارت مراراً إلى أن إسرائيل لا يمكن لها أن تتصرف أحادياً في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية. غير أن كلامها هذا لم يقترن بعمل حازم من أي نوع، بل هي على العكس تبدو الآن كأنها تتبنى مواقف إسرائيل من إيران و «حماس».

وخلال جولتها في المنطقة رددت النغمة بأن على «حماس» أن تتخلى عن العنف وتعترف بحق إسرائيل بالوجود. وأغلقت في هذا الصدد التزام «حماس» بالهدنة ما يقرب من عام وعرضها على إسرائيل هدنة غير محدودة زمنياً. كما أنها لم تطالب إسرائيل بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين الوطنية والتوقف عن قتلهم. ففي هذا الأسبوع وحده قام الجيش الإسرائيلي بقتل خمسة فلسطينيين بينهم شابان يبلغان 17 سنة كانا يقذفان الحجارة. فمسألة الامتناع عن العنف والاعتراف لا بد أن يكونا متبادلين.

وتفيد التقارير الواردة من واشنطن بأن «الليكوديين» في إدارة بوش خذلوا الدكتورة رايس، خصوصاً ايليوت أبرامز المسؤول عن السياسة في الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وجون حنا ودافيد ورمسر، الأول مستشار نائب الرئيس ديك تشيني لشؤون الأمن القومي والثاني مستشاره الرئيسي لشؤون الشرق الأوسط. ومن الواضح أن هؤلاء المسؤولين يعتقدون بأن مصلحة إسرائيل تقضي بقطع الأموال عن «حماس» وعزلها دولياً وإلحاق الهزيمة بها قبل أن يتاح لها تشكيل حكومة. إنها سياسة قصيرة النظر لأن إسرائيل إذا ما رفضت التفاوض مع «حماس» - التي تتمتع بالشرعية وبتأييد الجماهير وتستطيع إبرام اتفاق - فإنها قد تواجه في وقت ما عدواً أشد شراسة على شاكلة «القاعدة».

الواقع أن السياسات الأميركية لم تنطبع يوماً بالبصمة الإسرائيلية الواضحة كما هو حالها اليوم. وهذا الانحياز ينخر في سمعة رايس ويزيد من الأذى الذي يلحق بسمعة أميركا التي انهارت لدى العرب والمسلمين. وحين قرر ايهود أولمرت رئيس حكومة إسرائيل بالنيابة تجميد تحويل الخمسين مليون دولار شهرياً بشكل مخالف للقانون، لأنها رسوم جمركية عائدة للفلسطينيين، لزمت السيدة رايس الصمت. أما وزارة الخارجية فقد صرحت بأن لا تعليق لها على ذلك... يا للفضيحة.

ولعل أبرز صوت جاء يتحدى سياسة رايس هو ذلك الذي جاء في تصريح الرئيس السابق جيمي كارتر الذي قاد في الشهر الماضي فريقاً من المراقبين للإشراف على انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني. فقد كتب في صحيفة «واشنطن بوست» في 20 الجاري مقالاً يحث فيه أميركا وإسرائيل على عدم عرقلة قيام «حماس» بتشكيل حكومة. وأنذر قائلاً «إن أي تواطؤ ضمني أو رسمي بين الدولتين (أميركا وإسرائيل) لإعاقة العملية بمعاقبة الشعب الفلسطيني يؤدي إلى نتائج عكسية وعواقب مدمرة».

وذهب بعض المعلقين إلى القول إن انتصار «حماس» هو نكسة لقضية السلام. وقد فند كارتر هذا القول قائلاً «إن انتخاب مرشحي حماس لا يمكن أن يؤثر على محادثات سلام حقيقية، لأن مثل هذه المحادثات معدومة أصلاً منذ أكثر من خمس سنوات».

ولقد كرر الرئيس كارتر رأيه بأن «الاتفاق الذي يأتي نتيجة التفاوض هو السبيل الوحيد لتنفيذ الحل القائم على وجود دولتين، فهو يوفر السلام لإسرائيل والعدل للفلسطينيين». ويتحدث كارتر كرجل لا يزال يأسف لأن الاتفاق الذي توصل إليه في كامب ديفيد عام 1978 بين أنور السادات ومناحيم بيغن لم يؤد إلى سلام شامل، ولا يزال الحل الشامل للنزاع أمله الدائم.

وينذر كارتر بأن معاقبة «حماس» ستؤدي إلى «نفور الفلسطينيين الأبرياء المقموعين ويحث على العنف ويزيد من تقدير حماس محلياً ودولياً، الأمر الذي لن يشجع حماس على تعديل سياساتها».

هذا هو صوت العقل الذي لا يبدو بأن إسرائيل النزاعة إلى التوسع وأصدقاءها في أميركا يصغون إليه. أما كوندوليزا رايس فهي حديثة العهد نسبياً في سياسات الشرق الأوسط، وقد سمحت لنفسها بالانجرار في معركة لا يمكن أن تكسبها ضد القوى الإسلامية الوطنية العربية والإيرانية. ومهما يكن من أمر فليس من الواضح كم من النفوذ تملك حقاً في رسم السياسة الأميركية في هذه المنطقة الحيوية.

التعليقات