31/10/2010 - 11:02

سيناريو للحرب وآخر للتسوية../ عصام نعمان*

سيناريو للحرب وآخر للتسوية../ عصام نعمان*

عادت إيران إلى احتلال واجهة اهتمامات وسائل الإعلام. هذه العودة لم يصنعها قادة إيران وحدهم بل شاركهم فيها أعداء إيران أيضاً. أخبار إيران أو الأخبار عنها يُفصح بعضها عن حرب يجري إعدادها وبعضها الآخر عن تسوية يجري طبخها في كواليس واشنطن وتل أبيب.

الحصافة والرصانة تقضيان بوضع كلا الاحتمالين، الحرب والتسوية، في الحسبان والتحسب لهما. جورج دبليو بوش لن يتورع عن شن الحرب اذا ما عجز عن أن يأخذ بالدبلوماسية ما يعتبره تعويض الحد الأدنى للعزوف عن الحرب. إيهود أولمرت لن يكف عن تحريضه عليها إلى آخر يوم في ولايته. غير أن ثمة قادة وأوساطاً في الولايات المتحدة يسعون جادين إلى تفاديها. ساعة القرار، سلماً أو حرباً، ستكون في أواخر سبتمبر/ أيلول المقبل. أما ساعة التنفيذ فيمكن ان تسبق الانتخابات الرئاسية والتشريعية مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل أو بعدها. إلى ذلك الحين سيبقى التجاذب والترقب والحيرة أسياد الموقف.

ثمة ما يدعو دعاة الحرب إلى ترجيح اندلاعها. يتفق بعضهم على أن إيران قد أضحت، حتى قبل إنجاز برنامجها النووي، قوة إقليمية مركزية تهدد مصالح الولايات المتحدة وحليفاتها. يقولون اذا لم يجرِ ضربها وتحجيمها اليوم فقد يتعذر ذلك غداً. بعضهم الآخر يوافق على ضرورة تحجيمها، لكنه يدعو إلى استنفاد جميع الوسائل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، حتى لو تطلّبت وقتاً، قبل اللجوء إلى القوة.

معارضو الحرب في أمريكا فئتان: الأولى تنطلق من مسألة القدرة، فتؤكد أن الولايات المتحدة غير قادرة حالياً، وخاصة بعد تورطها وتعثرها في أفغانستان والعراق، على شن حرب ناجحة ضد إيران. الفئة الثانية تسلّم بمسألة القصور في القدرة، لكنها تؤكد ان استعمال القوة غير ضروري أصلاً لأن هناك من الوسائل السياسية والاقتصادية والمصرفية ما يكفل تطويع إيران. هؤلاء يقدّمون كوريا الشمالية وليبيا كمثالين لمقاربتهم المغايرة.

بين المحللين والمراقبين فريق يميل إلى ترجيح كفة دعاة الحرب ويقدّم أدلة على تزايد تدابير الإعداد لها. وثمة فريق آخر يميل إلى استبعادها ولا تعوزه الأدلة في هذا المجال.

لعل المحلل والصحافي المشهور سيمور هيرش أبرز المحللين المحذرين من اتجاه الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني إلى استعمال القوة. مقاله الأخير في “نيو يوركر” بعنوان “إعداد ساحة المعركة”، ضمّنه وقائع حول العمليات السرية ضد إيران التي موّلها الكونجرس بنحو 400 مليون دولار من اجل إثارة الأقلية العربية في الأهواز وجماعات البلوش ومنظمات منشقة أخرى ضد حكومة طهران، كما كشف فيه عن اجتماع عُقد في مكتب تشيني كان موضوعه: كيف يمكن خلق مبرر للحرب بين طهران وواشنطن؟

في السياق نفسه تحدث مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية، رفض كشف هويته، عن “أرجحية كبيرة” بأن تقدم “إسرائيل” على ضرب إيران، وكأن ذلك هو المبرر الذي يبحث عنه تشيني لتقوم أمريكا بمهاجمة إيران رداً على قيامها بالاعتداء على “اسرائيل”. صحيح ان المتحدث باسم وزارة الدفاع جون كيسي سارع إلى انتقاد، وليس إلى نفي، تصريحات “المسؤول الكبير” بدعوى انه غباء من بعض الناس “أن يؤكدوا أموراً لا تكون لديهم اللياقة لعمل ذلك باسمهم”. لكن ما قاله “المسؤول الكبير” بقيت أصداؤه تتردد أمريكياً وإقليمياً ودولياً.

الى ذلك، يرى فريق آخر من المحللين والمراقبين ان ثمة تصريحات وتسريبات يجري إطلاقها من أجل الضغط على المسؤولين الإيرانيين وحملهم على اعادة النظر بموقفهم من مسألة تخصيب اليورانيوم وبالتالي الموافقة على العرض الذي تقدمت به الدول الخمس الكبرى زائد ألمانيا. ويقول هؤلاء إن “تصريحات الإيحاء والضغط” لا يلجأ اليها الأمريكيون فقط بل الإيرانيون أيضا. الدليل؟ ما صرّح به مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية في إيران الدكتور علي اكبر ولايتي لجهة تحذير المسؤولين في بلاده من لغة الاستفزاز التي يستعملونها ضد أمريكا وأوروبا. ذلك أن ولايتي يرمي من وراء تصريحه ذاك إلى الإيحاء للعالم بأن ثمة فريقين وموقفين في إيران تجاه المسألة النووية وأنه بالإمكان التوصل إلى تسوية في شأنها من خلال الاستمرار في اعتماد الحوار والدبلوماسية.

كل هذه الاجتهادات واردة ويمكن أن تكون مصيبة. غير أني أضيف اليها، من قبيل التحسب والحذر، اجتهاداً آخر في تفسير ما تقوم به واشنطن وتل أبيب في الوقت الحاضر. ان ظاهر الحال يشير إلى مخطط أمريكي صهيوني يهدف إلى إشعار أصحاب القرار في ساحات المقاومة العربية ان واشنطن وتل أبيب راغبتان فعلا في إشاعة جوٍ من التهدئة والحوار.

في هذا الإطار جرت موافقة “اسرائيل” على التهدئة بينها وبين “حماس” في غزة، والإفراج عن أسرى المقاومة اللبنانية (والفلسطينية) لدى الكيان الصهيوني، والتلويح بإمكانية وضع مزارع شبعا المحتلة في عهدة الأمم المتحدة.

قبل ذلك، كانت “إسرائيل” باشرت مفاوضات غير مباشرة مع سوريا، كما سربت واشنطن أخباراً عن قيامها بتليين ملموس في بنود “اتفاقية وضع القوات” الجاري بحثها مع المسؤولين العراقيين. كل ذلك جرى ويجري بقصد الايحاء إلى العرب، مسؤولين ومواطنين، بأن أمريكا و”إسرائيل” ترغبان فعلاً في تسوية سلمية للقضايا العالقة في المنطقة، وان ثمة ما يكسبه العرب من التفاوض والتعاون مع واشنطن وتل أبيب. حتى اذا قررت ادارة بوش توجيه ضربة قوية لإيران، أمكن إشعار العرب، مسؤولين ومقاومين، بأن لا مصلحة لهم، إزاء أجواء التهدئة والحوار السائدة، بدعم إيران سياسياً أو عسكرياً عند قيامها بالرد الشامل على العدوان.

ماذا يمكن أو يقتضي عمله اذا ثبت وجود مثل هذا المخطط الأمريكي الصهيوني الهادف من وراء مظاهر التهدئة والتليين الناشطة؟

ثمة دور للمسؤولين وآخر للمقاومين. المسؤولون، لاسيما في الدول المنتجة للنفط، يجب أن يجهروا بمواقف قوية رافضة للحرب ضد إيران لأن دولهم ستكون بالتأكيد أول وأشد المتضررين منها، كما العالم الذي سيعاني كثيراً من ارتفاع سعر برميل النفط إلى ما يزيد على 250 دولاراً.

المقاومون، لاسيما تنظيمات المقاومة في قطاع غزة ولبنان وأنصارها في كل مكان، يجب أن يعلنوا بقوة تصميمهم على استهداف مصالح أمريكا و”إسرائيل” حيث يتمكنون وبقدر ما يطيقون ويستطيعون.

إن مواقف صارمة وجادة من هذا الطراز يطلقها المسؤولون والمقاومون من شأنها حمل ادارة بوش وحكومة أولمرت على صرف النظر عن ولوج طريق العنف وإشعال حريق كبير، إقليمي وربما عالمي.
"الخليج"

التعليقات