31/10/2010 - 11:02

صراع مفتوح... وعدوان منهجي ومنظم!../ عبد اللطيف مهنا

صراع مفتوح... وعدوان منهجي ومنظم!../ عبد اللطيف مهنا
يشن الإسرائيليون حرباً ضروساً على الفلسطينيين جميعاً... وهي حرب يصرون قولاً وفعلاً أن لا هوادة فيها، ولا يمكن حصر استهدافاتها البيّنة إلا في عنوان واحدٍ لا غير، إنه وجودهم الوطني برمته... لعل هذا أمر لا جدة فيه، بل هو كان وسيظل منذ أن كان المشروع الصهيوني، من قبل ومن بعد الشروع في تنفيذه... أي أنه منذ أن أطلقوا مقولتهم: أرض بلا شعب لشعب بلا وطن، وسيستمر هذا الاستهداف اليوم وغداً... أو بالأحرى إلى ما سيقدر لهذا المشروع الاستعماري الإحلالي من الاستمرار والبقاء... ننطلق من هذه البديهية للقول أنهم اليوم يخوضون حربهم متعددة الأوجه هذه على جبهتين:

الأولى، حرب ضد كل ما يرمز أو يمثل الإرادة الفلسطينية المواجهة أو المقاومة، وعلى إختلاف مناحيها المادية والثقافية، وبغض النظر عن تعبيراتها المتنوعة أو المتعددة، ومنها بالطبع كافة الأشكال التنظيمية مختلفة المنطلقات والتوجهات السياسية والفكرية والأيديولوجية، وصولاً إلى أشكال الصمود الشعبي، ومظاهر الإصرار الوطني على البقاء، وسمة العناد الفلسطيني الأسطوري المتشبث بتراب الوطن.

والثانية، حرب، أيضاً، تدور موضوعياً ضد حتى كل ما يرمز أو يمثل نهج المساوماتية الفلسطينية، أو يجسده دعاة المنطق أو المنهج التسووي الباحث عن الحلول، بغض النظر عن اختلال موازين القوى، وبصرفه عن كونها قطعاً حلول تصفوية جائرة... أو ما تبدو أحياناً وكأنما هي منشودة لذاتها من قبل هؤلاء الجانحين لما يدعى السلام تحت طائلة هذه الموازين المختلة، متخذين من استجداء المفاوضات خياراً واحداً أو سبيلاً مأمولاً له.

لن نذهب بعيداً، وسنندل على ما ذهبنا إليه بالقريب الذي نقصره زمنياً على المشهد الذي يعبر عما تعيشه الساحة الفلسطينية تحت الاحتلال من التداعيات الراهنة، ونحصرها فيما بين حدثين... ما يفصل بين عمليتي ديمونا الفدائية وجريمة اغتيال القيادي اللبناني المقاوم الشهيد عماد مغنية...

قد يتساءل متسائل، وما علاقة هذه بهذه؟ أو علام مثل هذا الربط بينهما... بين ما حدث في فلسطين المحتلة وما كان قد وقع خارجها في ساحات الجوار العربي؟

أولاً، لعلها معارك الأمة في مختلف ساحاتها التي لا تتجزأ. وثانياً، لعلنا سوف نجيب موضوعياً على مثل هذه التساؤلات في السياق لاحقاً... وعودة إلى الجبهتين الإسرائيليتين المفتوحتين ضد الخندقين الفلسطينيين النقيضين المشار إليهما:
في سياق الأولى، وعقب حدوث عملية ديمونا الفدائية، التي يقال أن عالمة نووية إسرائيلية قد قتلت فيها، شاب المستويين السياسي و الأمني في إسرائيل حالة من الهياج المتوحش الذي ينبئ عن همجية عنصرية تلازم طبيعتها العدوانية، بدت جلية في كلٍ من وجهيها السياسي والدموي، ونقتطف من مؤشراتها ما يلي:

توالت الاجتياحات التدميرية الإسرائيلية في غزة و الضفة على السواء، ولم ينقطع مسلسل التصفيات ضد نشطاء المقاومة، وجرى هذا في عمليات ممنهجة تعدّت مسارها التدميري والدموي المعتاد لتصل إلى مستوى شن غارة على مسجد وقتل المصلين أثناء الصلاة في بلدة عبسان الغزاوية رداً على قصف مستعمرة سديروت كما أعلن الإسرائيليون في تبريرهم لها... وقد نسترسل في سرد مثل هذه المآثر العدوانية الإسرائيلية، والتي غدت فعلاً يومياً معتاداً، يراه العالم يومياً على شاشات الفضائيات، كمذابح متواصلة مألوفة، بحيث لا نجد حاجة تدفعنا لسردها.

وفي هذا المجال، يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت:
"علينا التحرك بشكل منظم ومنهجي على المدى الطويل... ولن نستثني أحداً" وهؤلاء الذين يقول أنه لن نستثني منهم أحداً، هم ليسوا فقط من تباهي قائلاً: لقد " قتلنا مئتين خلال الأشهر الماضية" منهم، ويعني، بالطبع، المقاومين الفلسطينيين، أو من دعا تساحي هانغبي، رئيس لجنة "الشؤون الخارجية والدفاع" في الكنيست، إلى تصفية جميع قادتهم "بلا تمييز"، حيث، كما يقول، " لا فرق بين الذين يرتدون سترة إنتحارية وسترة ديبلوماسية" منهم، لأن جميع أصحاب كلا السترتين عند إسرائيلي آخر هو آفي ديختر وزير الأمن الداخلي هم "رؤوس أفاعي"، لابد من مهاجمتها، وإنما بلغ الأمر بأن دعا وزير الداخلية مئير شطريت إلى مسح "أحد أحياء غزة تماماً من الخريطة"... مسحه، هكذا، وقالها ببساطة يحسده عليها عتاة الفاشيين، وأكمل، وبصراحة لا يجرؤ على مثلها في عالمنا اليوم إلا الإسرائيليون: يجب أن "ننظفها... ويجب أن ندمر كل شيء في هذه المنطقة" المراد تنظيفها!

كانت اللوثة الدموية الإسرائيلية الكاشفة عن الغطرسة والحقد المعتق قد بلغت مبلغها، لدرجة أن الجنرال موفاز وزير المواصلات أبدى دهشته من التهاون الإسرائيلي قائلاً: "لا أفهم لماذا لم يتم حتى الآن اغتيال محمود الزهّار" !!!
نحن هنا لانتحدث عن نتنياهو أو ليبرمان، وإنما عن ما هم يوصفون بالأقل تطرفاً، وحتى عن حمائم مزعومة مثل حاييم رامون نائب رئيس الوزراء، صاحب مقترحات الرد ب "وابل من النيران"، بالإضافة إلى قطع الكهرباء والماء والوقود عن قطاع غزة، مقابل إطلاق صاروخ واحد على المستعمرات الإسرائيلية المحاذية، وخوض حرب على هذا القطاع "وعلى جميع الجبهات"...

لقد ترافق هذا مع رسالة احتجاج إسرائيلية للأمم المتحدة على الصواريخ الفلسطينية، التي تصفها إسرائيل بالبدائية، بالتوازي مع التهيئة لعملية عدوانية واسعة النطاق ضد قطاع غزة، قالت صحيفة "يدعوت آحرونوت" أن قرارها قد "اتخذ قبل صدور تقرير فينوغراد، وتم الحفاظ على سريته للحفاظ على عامل المفاجأة قدر الإمكان"، وكانت مبيتة قبل أن يصرح وزير الحرب الجنرال إيهود باراك بأن "عملية واسعة في غزة باتت قريبة"... هذه التهيئة بلغت مداها بحشد ديبلوماسي قوامه سبعين سفيراً جالوا على مستعمرة "سديروت"، ومعبر بيت حانون، حيث استمعوا هناك إلى إيجاز أمني، بالإضافة إلى مطالعة سياسية من وزير الخارجية تسيبي ليفني حول العدوان الفلسطيني على إسرائيل الآمنة!

على الجبهة الفلسطينية الثانية، ومنذ العودة الصاخبة من كرنفال آنابولس، دأب الإسرائيليون يومياً على كل ما يدفن أوهام تلك التظاهرة، وهذا ليس تصريحاً لا تلميحاً منهم فحسب وإنما فعلاً يومياً على الأرض... آخرها، على الصعيد التهويدي، إعلان إزماع بناء عشرة آلاف وحدة سكنية للمستعمرين في مستعمرات ما حول القدس الشرقية، وفي هذا يقول زئيف بويم رئيس بلدية القدس المحتلة:

"نحن نبني في كل مكان في القدس داخل حدودها البلدية"... هذه الحدود التي اتسعت لتصل تخوم البحر الميت، ولتبتلع ما يقارب ثلث الضفة الغربية، موضحاً لمن يتحدث عن مزاعم تأجيل المخططات التهويدية على هامش المفاوصات بين الاحتلال وسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود: "إن ما يعتبره الناس تأجيلاً هو في الواقع المراحل النهائية من التنسيق في البلدية"!

يضاف إلى هذا، الاعتقالات المستمرة والاجتياحات المتواصلة، وأخيراً سلب الصيارفة واعتقالهم في الخليل ونابلس ورام الله وجنين وطول كرم... وهكذا، بحيث أصبح الحديث عن المفاوضات، وكل ما يدور في سياق الأوهام التسووية، وأمر ما كان يدعى بـ"العملية السلمية"، مجرد نكتة سمجة، حتى بالنسبة لأصحابها... بل حديث إفك ينم عن تهافت بائس لا يمكن وصفه إلا بالتفريط، أو هذا هو أقل ما يمكن أن يوصف به من قبل معارضيها...

والآن، وعودة إلى تساؤلات سبقت حول ربط الحدثين التي بدأنا بهما... عملية ديمونا واغتيال القائد اللبناني المقاوم الشهيد عماد مغنية... الإسرائيليون لا يجزئون جبهة أعدائهم، ولا يفرقون بين عربيين مقاومين، بل ولا حتى بين عربي مقاوم وآخر مسالم، ولنأخذ مثلاً، يكشف عن منطق ينسجم مع طبيعتهم المتسقة مع المشروع الذي جاء بهم إلى المنطقة:

قبل أيام قٌُدّّم لمحكمة جنائية إسرائيلية ثلاثة أسرى من مقاومي حزب الله اللبناني وقعا في الأسر إبان الحرب العدوانية الأخيرة على لبنان... محكمة جنائية لمقاتلين أسروا وهم يواجهون عدواناً على بلادهم ويقاتلونه فوق ترابهم الوطني، والتهمة:
التدريب على السلاح في لبنان بدون موافقة السلطات الإسرائيلية، وحيازة أسلحة بدون موافقة وزارة الداخلية الإسرائيلية أيضاً!!!

... والمفارقة أنه، وحيث لا يفرق الإسرائيليون بين عربي وآخر، نجد كاتباً في صحيفة لبنانية معروفة بوطنيتها وعروبتها يكتب دون أن يرفّ له جفن، ونصاً: أن "كل ما يمت بصلة إلى عملية ديمونا الانتحارية كان غير إنساني وغير أخلاقي"... وقبله يصف مسؤول عربي المقاومة الفلسطينية بأنها "كاريكاتورية ومضحكة" ... الإسرائيليون أجابوا الجميع، عندما اغتالوا القائد اللبناني المقاوم في دمشق... قالوها: أنه إنما صراع مفتوح ساحتة كل الوطن العربي وليس فلسطين فحسب... سببه عدوان دائم على العرب، يجري تماماً، وفق ما قاله أولمرت، أي بشكل "منظم ومنهجي"... و"لا يستثني" منهم أحداً مقاوماً كان أم مسالماً!

التعليقات