31/10/2010 - 11:02

صرخة من حواري قلقيلية../ يونس العموري*

صرخة من حواري قلقيلية../ يونس العموري*
تعالوا نتحاكم أمام هذه اللحظة التي أصبحت مخزية وقد تكون مخجلة ومهينة بحق إنسانيتنا وفلسطينيتنا، تعالوا نحاور ذواتنا امام شجر الزيتون المقاوم في ظل الحقد على التين والزيتون وحكايا الجدات، تعالوا نرى المشهد من جديد، وتعالوا نعاود فهم ما يحدث، أو بالأحرى محاولة استيعاب المفردات الجديدة بقواميس الإيمان المطلق لإمام العصر الجديد، وواقعية الحكم الرشيد، تعالوا ندقق النظر بعيون ذابلة ومحبطة بمشهد الفرار والهروب والقتل من وطن يُقال إنه الوطن.

تعالوا نقول ما يجب ان يُقال... لا ما تريديون ان تسمعوا ما يُقال.... من انتم؟؟ ومن أين لكم كل هذا الحقد؟؟ وكل هذه الظلامية؟؟ كيف لنا أن نصدق أمنكم وأمانكم؟؟ وكيف لنا أن نتعايش وإياكم في ظل القتل والضرب والصراخ والضجيج؟؟ ما هي عقيدتكم وتوجيهاتكم؟؟ إن كنتم من المؤمنين بالمعجزات وصناعة المعجزة فشعب فلسطين بحد ذاته معجزة، وأن يقف بوجه الجلاد والمغتصب للحلم معجزة المعجزات، ولا يستحق منكم كل هذه البشاعة والتفنن بفعل القصف والقتل بتهمة الاعتراض على صراخكم وضجيجكم.. ولا تحاولوا ان تقولوا ما تقولون من فبركات اعلامية وعبارات أصبحت معلومة ومعروفة ونغمة من نغمات من ينطق باسمكم حيث سئمنا من سماعنا لمقولة لكل من يختلف معكم او معهم إنه من فلول التيار الظلامي أو ذاك الخياني.

تعالوا نناجي الرب بحضرة الإنكسار والظلم، وإن كان القهر سيد الموقف، ولا داعي لأن نمارس خداع الكلام المعسول والممزوج بدبلوماسية الكذب والتكذيب، ولنصارح فقراء أرصفة الشوارع والجوع، ومن يجوبون الحواري بحثا عن حقيقة وجودهم، وهل باتت أسماؤهم وكنى عائلاتهم من مرادفات ابليس الجديد؟؟... وعذرا لشاعر قال ما قال بحضرة الرب حينما ضاقت رقعة جغرافية الوطن عليه وولى الأدبار هاربا بعتمة ليل غاب القمر ليلتها ليكون فعل الهروب ممكنا، وانشد مناجيا رب وطنه والاوطان متمنيا على ابواب سنته الجديدة ان يكون للوطن معنى وان يكون لإنسانيته حقيقة يفهمها الأخر، فحينما يصبح هذا الوطن سجنا والسجان رفيق الأمس، وحينما يتحول الوطن مرتعا لممارسة العهر في وضح النهار، ومملكة لأمراء المجون، يصير كل شيء مباحا، وانهيار مداميك ما يسمى بالقيم والاخلاق والمحرمات فيه الكثير من وجهات النظر... فنيرون أحب روما وأحرقها، والحجاج حفظ كلام الله وقصف الكعبة...

تعالوا لنقول كلمتنا بوجه التنين ولمرة واحدة، وليكن من بعد ذلك الطوفان. سئمنا التحليل والتعقل وممارسة أقصى درجات الضبط والحكمة، وربما يتطلب الموقف ان نصبح المجانين بوضح النهار، وجنون الجماهير فيه الكثير من التعقل حينما تعجز القيادات بليلها...

هي كلمة الجماهير الآن وهي كلمة من يجب ان يقول كلمته في ظل اشتداد الهجمة وانسداد الأفق، فلا يمكن ان يتوقف سيل الدم الفلسطيني إلا حينما يدرك الشعب، كل الشعب وبكل أطيافه السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية، بأنه آن الأوان لطردهم من بيوتنا ومن احلامنا ومن على موائدنا...

هي كلمة للتاريخ وليغضب من يغضب، فلم يعد يهمنا غضب حفنة من الفاسدين والسماسرة وحفنة من الدراويش المتطرفين والعنصريين، فهم الحاقدون على الأفكار المبدعة المحلقة بعنان السماء... وهم من يخافون من أن يصبح الوطن وطنا فعليا للكل ومن لا يرى الوطن إلا بعيون لغة الدولار والبزنس، يرتعبون من الفكر الحر، يرتعبون من قصيدة حب ومن ظفيرة سمراء ترقب سويعات الغروب على شاطىء البحر المائج أو من قصيدة صوفية تحاول مناجاة الله بعيدا عن الشهوة والملذات بالعسل الموعود وحوريات العين....

فحينما يصبح القتل على هوية الانتماء السياسي أمرا فيه وجهة نظر يصبح كل شيء مباحا، ويصير الدم رخيصا وله من يبرره ويبرر سفكه على أرصفة الشوارع، وعندما يتمنطق المتحدثون بأغلظ البيانات المزمجرة تحريضا للذبح من الوريد للوريد تسقط كل المحرمات لتسقط معها كل الاخلاقيات التي من شأنها ضبط إيقاع وحركة الإنسان ليبقى إنسانا.

هي إذن قلقيلية من جديد، بمحطة جديدة وبوقائع جديدة يحملها فعل القتل الرخيص ما بين رفاق القهر.. فهل من الممكن ان نقف مكتوفي الأيدي تجاه ما يحدث بالظرف الراهن على الساحة الفلسطينية؟؟ سؤال اعتقد أنه برسم الشعب كل الشعب... وهل من الممكن أن نقف أيضا على الحياد تجاه الصراع الدموي ما بين فتح وحماس، والذي أخذ شكل العداء ومحاولة كل طرف تصفية الآخر واجتثاثه نهائيا؟؟ سؤال أعتقد أنه برسم النخب والقيادات التي تسمي نفسها مسؤولة عن هذا الشعب بصرف النظر عن الأطر التي تتقوقع فيها.... وما هي خارطة الطريق للخروج من هذه الأزمة؟؟

كثيرة هي الأسئلة التي لا شك أنها باتت تقض مضاجع كل من ينتمي لهذا الشعب، ولهذه الأمة على اعتبار أن ما يجري الآن على الساحة الفلسطينية، يشكل واحدة من اخطر المراحل التي مرت بها المسألة الفلسطينية برمتها، وهذا ما تؤكده جملة الوقائع والحسابات السياسية، والكل مسؤول ولا يمكن استثناء احد... السلطة بتكويناتها واجهزتها، وحماس بفكرها ونهجها الإقصائي، ومنظمة التحرير الهيكل الخائر والذي بات خاويا من اي محتوى فعلي وعملي... ومن تسمي نفسها المعارضة الوطنية لنهج اتفاقات اوسلو وما أعقبها... وقوى اليسار المتقوقعة على ذاتها والتي باتت تمارس فعل التنظير الأيديولوجي عن بعد في محاولة منها لحل معضلة الفكر ما بين التنظير والممارسة، بل إنها تحاول إعادة رسم قوانين كارل ماركس من جديد بعيدا عن مهاترات التدخل بالشأن السياسي الداخلي بالظرف الراهن (حسب اعتقادها)، فيما تحولت قيادات القوى اليسارية والقومية تلك الى مديرين ورؤساء لممالك وإقطاعيات للمنظمات غير الحكومية لتعليم الشعب كيفية التعاطي والشأن البيئي وحقوق المرأة، ومن أهمها حقها ببيتها في حالة الطلاق... أم أن الشعب من يتحمل المسؤولية عما آلت اليه اوضاعه في ظل صراع حماس وفتح، وفي ظل الحكم الجديد على قطاع غزة، وفي ظل فرض الرأي بقوة السلاح الذي صار زينة اللصوص هذه الأيام وابتعد عنه الرجال الرجال.. هو السؤال الذي يكرر نفسه ألف مرة باليوم وعلى لسان الكل تقريبا... من يتحمل المسؤولية؟؟

وللبحث عن المسؤولية لابد ان نفهم ما يجري... فهل هو صراع ايدلوجي ام انه اختلاف سياسي؟؟ أم أنه يأتي في السياق الطبيعي لخلاف الرفاق وتضارب البرامج فيما بينهم؟؟ أم انه صراع على السلطة وما تمثل هذه السلطة؟؟ أم هي أزمة القيادات الفلسطينية المؤثرة بالشارع الوطني؟؟ ولعلها أزمة الشعب الذي لم يعد يمتلك زمام المبادرة وحتى التأثير على قادته؟؟ أم أن من يتحمل جزءا من هذه المسؤولية قادة الرأي ومثقفو الجدل البيزنطي الذي ثار ولازال يثور في الصالونات النخبوية دون ان نلمس جرأة بالموقف الحاسم والقاطع، حيث نرى وكما هي العادة من يقف على الحياد وفي احسن الأحوال يدعو الى الحوار الوطني ونراهم يجاهرون بمواقف بعيدة عن الواقع، وهم يعلمون انهم بتلك المواقف الرخوة وغير العملية انما يسهمون في تأطير الصراع ومنحه الشرعية بشكل او بآخر....

وربما يطل علينا احدهم ليباغتنا بصيغة توافقية تستند الى قانون لا غالب ولا مغلوب بين طرفي الصراع الفلسطيني، وهو يعلم ان ثمة مغلوب بهذا الصراع ويتمثل بجماهير الشعب ومن آمنت بمقاومة الاحتلال حتى تحقيق اهدافها الإستراتيجية بالدولة الفلسطينية السيدة الحرة والمستقلة، والقادرة على استيعاب كل أطياف اللون السياسي والفكري العقائدي دون ان تنتصب اعواد المشانق وانعقاد محاكم التفتيش لمن يختلف وقادة الفهم السلطوي....

اعتقد أن ثمة سجال متواصل حول جدوى هذا الصراع وتحديد مسؤولياتها وابعد من ذلك لربما ضرورته على المستوى المحلي و الإقليمي وحتى الدولي في ظل استمراره وتصاعده ليأخذ هذا الشكل العبثي والفوضوي واللامنطقي وحتى اللا إنساني... فالمشهد يبدو اقسى مما نتصور... ونتائجه كارثية على مختلف الصعد والمستويات، ولعل الكارثة الكبرى التي يخلفها هذا الصراع ستنعكس بالقريب العاجل على الجمهور الفلسطيني برمته الذي فقد وسيفقد الأمل (على الأقل لزمن غير قصير) بجدوى الفعل المقاوم النضالي الكفاحي على اعتبار أن من يرفع لواء المقاومة اليوم يفعل ما يفعل باسم المقاومة والممانعة مما يعني أن هذا الجمهور يلزمه الكثير من الوقت حتى يعاود ترتيب أوراقه الإيمانية من جديد، وربما يعيد حساباته حول خيار الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة في ظل التقاتل والتصارع على مجرد سلطة مسلوبة السيادة والقرار..

إذا كان لابد من البحث عمن يُسأل او يتحمل مسؤولية ما يجري فلا بد من القول إن الكل يتحمل هذه المسؤولية.. الشعب كل الشعب بقواه وتفصيلاته... والقادة كل القادة ومن يتربعون على عرش إقطاعياتهم... ومؤسسات المجتمع المدني والاباء والامهات والابناء والبنات.. والعرايا أمام عدسات التلفزة.. ومن يمتشقون سلاح القنص والقتل.. ومن يعتقدون أنهم وكلاء الله على الأرض.. ومن يمارسون الرذيلة بوضح النهار على اعتبار أنهم من سادة القوم.. وربما يتحمل مسؤولية ما يجري الفكر ذاته الذي أصبح كل جاهل يدعى أنه يحميه ويمثل أطروحاته.. ولعل الحالم بالغد الأفضل يتحمل المسؤولية كونه يمارس الإحتلام بالليل فقط.. والهارب من حلمه يتحمل المسؤولية.. ومن لا يحاول أن يصرخ بوجه أولو الأمر فينا يتحمل اعظم المسؤوليات... العروبة والإعراب والعجم والأصدقاء والأعداء يتحملون مسؤولية هذه العبثية..

ونتيجة هذه المسؤولية لا بد من إعادة الحسابات.. وباعتقادي إن الخيارات المطروحة أمام الكل أصبحت محدودة ولا تحتمل الحذلقات وممارسة طرف التنظير أو الجلوس على طاولة الحوارات للبحث عن مبادرات تأخذ بعين الإعتبار مصالح هذا الطرف أو ذاك من مغانم ما يسمى بالسلطة... الأمر الذي يعني أن الحوار وبالتالي إنجاز الاتفاق سيكون مجرد محاولة ترميم لواقع نعترف جميعا أنه واقع مؤلم ومأساوي، ولذلك فلا بد من إعادة رسم خارطة القوى من جديدة بل إعادة بناء القوى الذاتية لجماهير الشعب وإعادة الفعل الإصطفافي من جديد على أسس مختلفة وتغير معالم القوى المسيطرة على صناعة القرار الفلسطيني سواء أكان الموالي منها أو المعارض، وسواء أكان الموالي لسلطة حماس هناك أو لسلطة التحالفات في المعارضات ببعض العواصم الإقليمية أو لتلك الموالية لسلطة رام الله....

التعليقات