31/10/2010 - 11:02

ضيعونا ما بين غزه ورام الله../ راسم عبيدات

ضيعونا ما بين غزه ورام الله../ راسم عبيدات
...كثيرة هي الأمثال والمأثورات الشعبية، التي تصف الحالة التي وصلنا إليها، بفعل حكومتي غزة ورام الله، فمن "بين حانا ومانا ضاعت لحانا" إلى "لا مع سيدي بخير ولا مع ستي بخير" وصرنا مثل "قفا البقرة لا في العظم ولا في الجلد".. فهم لا يكفيهم الإقتتال على سلطة وهمية، سلطة محكومة من الرئيس حتى الفراش، بالقرارات والأوامر الإسرائيلية، فالكل من أجل الدخول والخروج والسفر والتنقل، يحتاج إلى إذن وتصريح إسرائيلي، وهناك من يحتاج إلى أكثر من إذن وتصريح..

والمسألة لم تقف عند هذا الحد، بل واضح أن كلا من الطرفين، حكومة غزه وحكومة رام الله، يعملان على تكريس الفصل الجغرافي والمؤسساتي بين الضفة والقطاع، وهذا النهج والتصرف من كلا الفريقين هو ربح صافي لإسرائيل وأمريكا اللتين تعملان من أجل تفتيت وحدة الشعب الفلسطيني، أرضاً وشعباً وهوية.

ويبدو أن مصالح الناس وهمومهم آخر ما يفكر فيه الطرفان، والمهم عندهم إثبات من هو الشرعي، والضحية المواطن الغلبان. فالكثير من المسائل المعيشية والحياتية للمواطن، والتي يفترض أن تكون بعيدة عن الصراعات والتجاذبات، تم زجها في الصراع الدائر، فنتائج التوجيهية العامة والتي كان حري بالطرفين الحرص على أن تصدر متزامنة في الضفة والقطاع، صدرت بشكل منفصل.

والمسألة لم تنته عند هذا الحد، فربما يخرج البعض علينا، والذي نصب من نفسه مفتياً وقاضياً ووزيراً، ليقول لنا بأن الشهادات الصادرة من غزة غير شرعية، وأنه سيطلب من الجامعات المحلية والعربية والأجنبية عدم الإعتراف بها أو اعتمادها إلا إذا وقعت من قبل وزير تربية حكومة رام الله، والطلبة الذين تقدموا للامتحان لا يعنيه مصيرهم ولا مستقبلهم، المهم الشرعية فوق الوطن والمواطن، هذه الشرعية التي لا توفر أمناً ولا أماناً لا لوطن ولا لمواطن..

وما ينطبق على امتحانات الثانوية العامة، ينسحب على الحج، حيث سمعنا البعض، انه لا حج إلا من خلال رام الله، والحج عن طريق غزه لا شرعي وخارج عن الشرعية، وربما تصور البعض أن حالة الطوارئ تجيز له تعطيل الحج أو وقفه لهذا العام، أو ربما للسنوات القادمة على اعتبار أن حكومة الطوارئ قد تمتد لأكثر من عام. وكل شيء جائز وغير مستغرب، أوليس في سبيل الشرعية عطلنا قراراً في مجلس الأمن باعتبار قطاع غزة منطقة منكوبة وكل ذلك حتى لا نمكن حماس من تحقيق أية إنجازات أو أية مكاسب، وربما تصل الأمور حد منع المواطنين من غزة من تصدير منتوجاتهم وبضائعهم للخارج أو الضفة، إلا عبر تصريح وتفويض وموافقة من رام الله.

إن ما يجري على درجة بالغة من الخطورة، حيث يجري العبث بأسس ومرتكزات البرنامج الوطني ومصير الشعب الفلسطيني، في سبيل مصالح وأهداف وأجندات، ليس للشعب الفلسطيني بها علاقة، بل هي خدمة لهذا النهج أو ذاك، وخدمة لهذا الطرف أو ذاك، رغم أن كلا من الفريقين، يحاول أن يبرر سلوكياته وتصرفاته وممارساته بالحرص على المصالح العليا للشعب الفلسطيني.

واستنادا لما يجري فإنه بات مطلوباً وبشكل ملح من كافة القوى والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، أن تقود وتقوم بتحركات جماهيرية جدية من أجل الضغط الفعلي على الفريقين، من أجل التوقف عن ما تقوم به من خطوات وممارسات، تدخل القضية والبرنامج الوطني في مرحلة نوعية خطيرة، حيث أن بعض الأطراف الإقليمية والدولية، تعطل الحوار الداخلي الفلسطيني، عن عمد وتسعى بكل الأشكال والطرق لمنع انطلاقه، و"أولمرت" طلب رسمياً من "رايس" أن تطلب من أبو مازن عدم التحاور مع حماس، وبما يؤشر إلى أن الأمور تتجه نحو القطعية التامة بين قطبي الصراع الفلسطيني (حماس وفتح)، هذه القطيعة التي سيترتب عليها الكثير الكثير من الضرر البالغ للشعب الفلسطيني، والتي ربما تصل حد التبديد والضياع للمشروع الوطني الفلسطيني، وإدخاله في أتون صراعات وحروب داخلية، تستنزفه وتحرف مسار نضاله وكفاحه..

وبالضرورة أن لا يكون مصير شعبنا ومستقبله رهناً لرؤية هذا الطرف أو ذاك، أو لتصريح هذا المسؤول أو الوزير، فهناك مسائل وهموم ومصالح يومية للمواطنين، يجب أن لا يكون حلها وقفاً على حل الخلافات والتعارضات السياسية، فلا يعقل أن يخسر طلبتنا سنة دراسية كاملة، في إطار الصراع والتجاذب غير المبرر بين رام الله وغزه، وكذلك مسألة الحج وجوازات السفر، ومن بعدها المناهج الدراسية في المدارس والكليات والجامعات، وغيرها الكثير من الأمور تتعلق بحياة المواطن ووجوده. وإدخال المواطن في حالة التوهان والضياع، وجره إلى دائرة الصراعات والخلافات، من شأنه فقط أن يعمق من حالة الإنقسام، وخلق المزيد من الإحباط واليأس بين الجماهير من كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، والذي بات يدرك جيداً أنها تقتتل باسمه وباسم مصالحه وأهدافه، في سبيل مصالح وأهداف فئوية، وخدمة لأجندات وأولويات غير فلسطينية، فالشعب لم يعد لديه عمى ألوان، فهو الآن يشاهد بالصوت والصورة كل ما يجري، وقادر على فرز القمح من الزوان، وهذا الشعب الذي قدم وما زال يقدم على مذبح الحرية والكفاح شهداء وجرحى وأسرى، أظنه لن يبقى صامتاً وساكتاً إلى الأبد، بل لا بد له أن يخرج عن صمته، وأن يأخذ دوره ومسؤولياته في التصدي وملاحقة كل العابثين بمصيره ومشروعه الوطني، وهو لم يقدم التضحيات، من أجل الفصيل الفلاني أو العلاني أو الوزير الفلاني أو العلاني أيضاً، بل من أجل فلسطين الحرة المستقلة، والتي ينعم فيها بالحرية والأمان والمواطنة الكاملة والديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية، وسيادة القانون والمساءلة والمحاسبة، والقيم والثقافة التي تجمع الشعب وتوحده، لا القيم والثقافة التي تغرس فيه الفرقة والشرذمة والانقسام والحقد والكره، وتعمق عنده الفئوية والجهوية والعشائرية والقبلية، والجنوح نحو الهم والخلاص الذاتي، وتضعف صلته وروابطه وانتماءه الوطني والقومي.

إن استمرار حالة الضياع بين قرارات حكومة غزة وقرارات و"فرمانات" حكومة رام الله، هذا القرار شرعي، وذلك القرار غير شرعي، وهنا عطلة أسبوعية يومان، وهناك عطلة أسبوعية يوم، وهؤلاء الموظفين يحق لهم تلقي رواتبهم، وهؤلاء الموظفين لا يحق لهم تلقي رواتبهم وغيرها الكثير الكثير من الممارسات الخاطئة، والتي ينذر الإستمرار فيها، بأننا متجهون نحو الانتحار والتدمير الذاتي، وعلى الجميع أن يعي ويدرك جيداً، أنه مهما كان حجم الخلافات وعمقها، قلا بديل عن الحوار الداخلي حولها، وهو المخرج الوحيد لنا من الأزمة، وكل الوعود البراقة والمخادعة والداعية لتعطيل الحوار الوطني الفلسطيني الداخلي، مقابل تحقيق "رؤية بوش للسلام" ستكون محكومة بالفشل، والمأثور الشعبي يقول "إللي بجرب المجرب عقله مخرب"، ومرة أخرى لا بديل عن وحدتنا وعن حوارنا الداخلي، ولنرحم شعبنا ونخرجه من دائرة الصراعات والتجاذبات الفئوية والمصلحية والحزبية والشرعي واللاشرعي.

التعليقات