31/10/2010 - 11:02

عالم قانوني جديد بعد نهاية الحرب على غزة!../ محمود المبارك*

عالم قانوني جديد بعد نهاية الحرب على غزة!../ محمود المبارك*
يبدو أن إعلان رئيس الوزراء المستقيل إيهود أولمرت مساء السبت الماضي عن الإنجاز الذي حققته بلاده في حربها ضد غزة، لا يعني تحقيق نصر عسكري على «حماس» كما كان مقرراً في بداية الحرب، أو القضاء على صواريخ المقاومة، وإنما يعني مقدرة بلاده على ارتكاب جميع أنواع الجرائم في القانون الدولي بجدارة، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية!

ذلك أن الحرب الإسرائيلية على غزة جمعت كل أنواع الجرائم في القانون الدولي والتي صنفتها المحكمة الجنائية الدولية إلى: جرائم إبادة، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة العدوان.

فتحت النوع الأول، تعتبر التصريحات الصريحة والضمنية، الصادرة من المسؤولين الإسرائيليين، المتعلقة بنيّة إسرائيل في التخلص من «حماس» كهدف رئيسي للحرب على غزة، شرحاً عملياً لتعريف «جريمة الإبادة»، التي تعني «ارتكاب أي فعل بنيّة إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية إهلاكاً كلياً أو جزئياً». ولعله من المفيد الإشارة إلى أن معاهدة منع جريمة إبادة الجنس عام 1948، تُجَرِّم مجرد وجود «النيّة» بقصد القتل، حتى لو لم يتحقق القتل ذاته.

كما أن استهداف المدنيين بإلقاء القنابل بشكل عشوائي في أنحاء غزة، و تعمّد استهدافهم في الملاجئ والمستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والمنشآت المدنية وتدمير البنية التحتية، واستخدام الأسلحة المحرمة، كل ذلك يعد «جرائم حرب» بموجب القوانين الدولية، وهو النوع الثاني من جرائم القانون الدولي بموجب تصنيف المحكمة الجنائية الدولية، إذ استطاعت إسرائيل خلال فترة وجيزة ارتكاب «جرائم الحرب» بمختلف أصنافها، بطريقة مذهلة!

ومعلوم أن تجويع الشعب الفلسطيني في غزة، ومنع الدواء والغذاء من الوصول إلى الشعب الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، أثناء الحرب وقبلها، وتشريده خلال الحرب، هو النوع الثالث من جرائم القانون الدولي، بحسب ميثاق روما الأساسي، والتي تسمى «جرائم ضد الإنسانية». وغني عن القول أن بدء الحرب على غزة، يعد «جريمة عدوان» بحسب النوع الرابع من جرائم القانون الدولي، إذ لا يمكن قبول تبرير اسرائيل أن عدوانها على غزة نوع من أنواع «الدفاع عن النفس» بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، كما فصلت ذلك في مقالات سابقة.

الجرائم الإسرائيلية مكتملة إذاً، وأركان الجريمة مسجلة بالصوت والصورة، وقد أكدت هذا منظمات حقوقية غربية وعربية يصعب حصرها، ولكن المؤسف هو أن الدول العربية لم تتحرك بعد، تجاه بدء رفع إجراءات دعوى ضد المسؤولين الإسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية، ولا يبدو أن لها نيّة في ذلك! بل ان الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية الرافض للاستجابة لدعوة الحقوقيين الدوليين، لمساندتهم في رفع إجراءات دعوى ضد المسؤولين الإسرائيليين، وعدم تحرك ثلاث دول عربية أعضاء في محكمة الجنايات الدولية بأي خطوات نحو هذا، يثير أكثر من سؤال في ذهن رجل الشارع العربي، حول المواقف غير المعلنة لهذه الحكومات من العدوان الإسرائيلي! وهو أمر لا يزيد الشعوب العربية إلا تشبثاً بدعم المقاومة الفلسطينية بعد أن تعاونت الحكومات الغربية وسكتت الحكومات العربية عن اغتيال القانون الدولي!

ويبدو واضحاً اليوم أن هناك تبايناً واضحاً بين الشعوب العربية وحكوماتها، خلافاً لما كان عليه الأمر من قبل! ولعل المشهد العربي الأخير حول الأحداث في غزة يعكس هذا التباين الغريب. فبالأمس، كان التنديد العربي رسمياً وشعبياً، يقتصر على إسرائيل والغرب، وكانت المطالبة العربية تصر على محاكمة المسؤولين الإسرائيليين، وكانت الشعوب والحكومات العربية يداً واحدة مع المقاومة الفلسطينية الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت الدول العربية تطالب بطرد إسرائيل من منظمة الأمم المتحدة، كما كانت اللاءات العربية كلها ضد الصلح مع إسرائيل والتفاوض معها والاعتراف بها.

أما اليوم، فقد تحوّل المشهد العربي إلى صورة مختلفة جداً! فالتنديد العربي أصبح من الشعوب العربية ضد بعض حكوماتها، والمقاومة الفلسطينية لم يعد مرحباً بها كما كانت من قبل، بل ان اللاءات العربية تحوّلت ضدها، وطلب محاكمة إسرائيل أو تجميد عضويتها في الأمم المتحدة أصبح يسمع من خارج العالم العربي، وليس من داخله!

وإذا كان من سمة تميّز المشهد الدولي المعاصر، فهي سمة بروز دور منظمات المقاومة غير الحكومية، وانحسار دور الحكومات الرسمي. فمنذ أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، لا يجادل الكثير أن منظمات المقاومة غير المدعومة حكومياً، من أمثال «القاعدة» و «طالبان» و «المحاكم الإسلامية» و «حزب الله» و «حماس»، صارت هي المحرك الرئيسي للأحداث في السياسات الدولية المعاصرة، في حين انحسر دور الحكومات الرسمية - غربية كانت أو عربية - إلى ردود أفعال لما تقوم به تلك الحركات.

ذلك أن الدول الغربية التي أسهمت في تأسيس عالم القانون الدولي، نتيجة معاناتها لمآسي الحروب في ما بينها خلال القرون الماضية، رفضت الالتزام بتلك القوانين الدولية في خلافاتها مع غيرها من الأمم، الأمر الذي آل بها إلى انتهاك القانون الدولي انتهاكاً فاضحاً. وإذ وقفت حكومات الدول المعتدى عليها ضعيفة أمام الواقع الأليم عقوداً طويلة، لم تجد الشعوب المستضعفة بداً من أخذ الأمور بيدها، والرد بأسلوب القوة نفسه الذي اتُبِع ضدها، وإن خالف ذلك مواقف حكوماتها. ويبدو أن هذا الطريق بدأ يزداد قبولاً وسط جماهير الأمة العربية. إذ أن الإعلان الإسرائيلي الرسمي عن انتهاء الحرب على غزة، التي شهدت تنفيذ أكثر من 2500 غارة عسكرية ضد المدنيين، وإلقاء ما يزيد على ألف طن من المتفجرات عن طريق الجو فقط، سيفسر على المستوى العربي الشعبي على أنه نصر للمقاومة. وتبعاً لذلك لنا أن نتصور استمرار المقاومة، خلافاً لما كانت ترجوه الحكومات الغربية والعربية!

واقع الأمر أن الدول الغربية بانتهاكها للقوانين الدولية في تعاملها مع الأمم الأخرى، تكون قد أسست لعهد غير سعيد وستجني حصاد ذلك، وقد بدت نتائجه تظهر الآن! والحكومات العربية، بعدم مقدرتها على تغيير هذا الواقع الأليم، ستشهد انتهاء عصر احتكارها للمشهد الرسمي!
"الحياة"

التعليقات