31/10/2010 - 11:02

عباس.. والأمعاء الخاوية في غزة../ أحمد الحيلة*

عباس.. والأمعاء الخاوية في غزة../ أحمد الحيلة*
تعيش غزة في ظلام دامس بانقطاع التيار الكهربائي عنها بسبب توقف المانحين الأوروبيين عن تسديد الفاتورة للاحتلال الإسرائيلي..، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، فالكهرباء هي جزء مظلم من المشهد الإنساني المؤلم في قطاع غزة..

فالأرقام والإحصاءات التي ترد من غزة مخيفة وتبعث على القلق على مصير جزء أصيل من الشعب الفلسطيني الذي يسكن القطاع؛ فبسبب الحصار والإغلاق تتعرض البنى التحتية والمشاريع والمؤسسات العامة والتجارة والصناعة إلى التراجع والدمار، مما ينعكس سلباً على حياة الناس هناك، فقد أغلقت نحو 3190 مؤسسة صناعية أبوابها في غزة بسبب منعها من استيراد المواد الأولية، مما أضاف 56 ألف عامل إلى دائرة العاطلين عن العمل، هذا بالإضافة إلى منع الاحتلال الإسرائيلي المزارعين الفلسطينيين في غزة من تصدير محصولاتهم الزراعية عبر المعابر، الأمر الذي يهدد واقع ومصير المزارعين والعاملين في مجال الزراعة الذي يمثل جزءً حيوياً من الاقتصاد الفلسطيني المتواضع.

هذا الحال زاد من حجم الفقر في قطاع غزة؛ فقد أكد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن نحو 57% من الأسر الفلسطينية يقل دخلها الشهري عن خط الفقر الوطني، والأخطر من ذلك أن القطاع الصحي في غزة آخذ في التدهور، والانهيار إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فكيف للمستشفيات والمراكز الصحية أن تعمل في ظل انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود الذي يعد بديلاً مؤقتاً لتشغيل مولدات الطاقة الكهربائية، فقد أفادت المعلومات نقلاً عن الدكتور معاوية حسنين، مدير قسم الطوارئ في وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 80% من أجهزة تصوير الأشعة في مستشفيات القطاع تعطلت بالإضافة إلى غالبية أجهزة التصوير المقطعي وأجهزة الكلى الصناعية والعديد من المعدات الطبية نتيجة استمرار الحصار وإغلاق المعابر.

وحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فإن ما يزيد عن 150 نوعاً من الأدوية والمستحضرات الطبية "الضرورية" قد نفدت من المستشفيات والعيادات الصحية في غزة.

المشهد فيه الكثير من التفاصيل المخيفة التي لا يتسع المقام لإحصائها، ولكن الخلاصة أن قطاع غزة يتعرض لحملة شرسة من التجويع والعقاب اللا إنساني، وكأن حياة البشر هناك أصبحت لدى بعض الزعامات الفلسطينية ـ للأسف ـ لا قيمة لها، وكأن الناس هناك ليسوا فلسطينيين يستحقون العيش بكرامة ولو بحد إنساني أدنى، وكأن الناس هناك أصبحوا "سلعة" بيد اللاعبين السياسيين المتلاعبين بمصير الشعب والقضية الفلسطينية.

هذا الواقع يقودنا للسؤال عن الجهة المسؤولة عن هذا التدهور الخطير الحاصل في قطاع غزة؟

وزير الإعلام الفلسطيني في حكومة رام الله السيد رياض المالكي يقول في معرض رده على تحميل حكومة فياض ـ عباس المسؤولية عن الوضع المتردي في غزة: "على حركة حماس أن تتحمل المسؤولية عما يحدث في غزة، أو لتعيد الأمور إلى ما كانت عليه، مع تقديمها الاعتذار للشعب الفلسطيني".

هذا التصريح الرسمي لحكومة فياض والذي لا يستنكر أو يدين الحصار على غزة، بل يحرّض عليه، يفيدنا أن القوم معنيون باستمرار الحصار، ليس سياسياً فقط ، بل حصاراً يحارب الناس في قوتهم اليومي، وفي حليب أطفالهم، وأدوية المرضى منهم، وفي فرض ظروف غير إنسانية على شعبنا الفلسطيني في القطاع حتى توافق حركة حماس على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه كشرط لازم لتخفيف حدة الحصار المستمر أصلاً منذ أن فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية.

ما يعنينا هنا وبالدرجة الأولى هو الشعب الفلسطيني، لأن الشعب أكبر وأعظم من حركتي فتح وحماس، وهو أكبر من عباس، وفياض، وهنية..

وبقطع النظر عن خطأ أو صواب سياسة حركتي فتح و حماس في ظل الجدل السياسي الراهن، فمن غير المقبول أن يتحول الشعب الفلسطيني بأمعائه الخاوية إلى مادة للمساومة أو الابتزاز السياسي بين طرفي المعادلة الفلسطينية الداخلية..، ولا يعقل أن تقوم حكومة فياض ـ عباس بالمشاركة في فرض الحصار أو السكوت عنه تحت أي ذريعة كانت، فالشعب لم ينتخب أحداً من بني جلدته ليجلده بالسياط، أو ليستخدمه استخداماً رخيصاً في خلافات سياسية بين حزبين أو فصيلين..

فما ذنب الأطفال والمرضى والمعوزين والموظفين من أبناء شعبنا ليكونوا مادة للمساومة والابتزاز..، إلا إذا اعتبر السيد عباس وحكومته أن الفلسطينيين في غزة منحازون لحركة حماس وعليهم أن يدفعوا الثمن كعقاب جماعي..، وكأن لسان السيد عباس يقول: إما تنقلبوا في غزة على الوضع الراهن الذي تسيطر فيه حماس، وإلا فليذهب الغزيون إلى جهنم أو ليبتلعهم البحر كما كان يتمنى رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين..

إن الأوضاع والتراكمات التي تخلقها الرئاسة وحكومة رام الله من رفض للحوار الداخلي في الوقت الذي يلتقون فيه مع قادة الاحتلال، ومن ثم رفض المشروع القطري في مجلس الأمن الداعي لفتح المعابر مع غزة..، في الوقت الذي تُقطع فيه الرواتب عن جزء من الموظفين هناك ، بالإضافة إلى رفض التعامل مع المؤسسات العامة وكأنها مؤسسات للأعداء، ومن ثم الذهاب بعيداً بالموافقة المبدئية على اتفاق مبادئ مع الاحتلال يرجئ القضايا الأساسية كالقدس واللاجئين والسيادة إلى ما لا نهاية.. كإعادة إنتاج لاتفاق أوسلو ولكن هذه المرة بشروط أسوأ مما كان..، كل ذلك يجعلنا نعتقد أن القيادة الفلسطينية الحالية غير جديرة بموقعها، لأنها قدمت نفسها على الشعب، وفضلت مصالحها الحزبية والفصائلية الضيقة على حساب القضية والوطن، وبالتالي لم تعد تلك القيادة صالحة ومؤهلة..، وعلى الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات أن يعيد النظر في هذه القيادة وأن يكون له موقف منها..

التعليقات