31/10/2010 - 11:02

عرب البحر الأحمر وقراصنته../ فيصل جلول

عرب البحر الأحمر وقراصنته../ فيصل جلول
ليست أعمال القرصنة حديثة العهد في البحر الأحمر، فالوقائع التاريخية تشير إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب أرسل قوة بحرية لمجابهة القراصنة الأحباش مقابل الشواطئ العربية من دون أن تفلح هذه القوة في القضاء عليهم.

وقد دامت أعمال القرصنة إلى العصر الأموي حين نجحت الدولة الأموية بوسائلها البحرية الفعالة في قطع دابر القرصنة، وبالتالي فرض سيطرة أموية محكمة على هذه “البحيرة العربية”.

وتفيد الوقائع أيضاً أن سفينة هندية تدعى “دوريا دولت” تابعة لامبراطورية الهند البريطانية تعرضت للقرصنة مقابل الشاطئ اليمني وشكلت ذريعة للاحتلال البريطاني لمدينة عدن عام 1831 ولجنوب اليمن من بعد، استمر حتى العام 1967.

واليوم تنتشر أعمال القرصنة من جديد مقابل الساحل الصومالي لهذا البحر حيث يتعرض القراصنة للسفن التجارية المتعددة الجنسية ويفرضون أتاوات مالية على أصحابها لقاء الإفراج عنها وعنهم، ويقال إن ما يربحه القراصنة الصوماليون من هذه الأعمال يستخدم في تمويل الحرب الأهلية المستمرة في الصومال منذ انهيار نظام الرئيس السابق محمد سياد بري عام 1991 اثر انقلاب عسكري قاده الجنرال محمد فارح عديد.

ويدير القراصنة رحلات بحرية سرية لنقل النازحين الصوماليين إلى دول الجوار وبخاصة الجمهورية اليمنية وتنسب إليهم عمليات التهريب غير القانونية.

وعلى الرغم من الحضور المكثف للاسطول الأمريكي الخامس في المياه الدولية لهذا البحر وتمركز قاعدة بحرية استراتيجية فرنسية أمريكية مشتركة في جيبوتي المطلة على باب المندب ناهيك عن الأساطيل الروسية والأوروبية التي تبحر في المياه الدولية بداعي مكافحة الإرهاب وحماية السفن التجارية وناقلات النفط، على الرغم من ذلك فإن القراصنة يزاولون أنشطتهم من دون تهديد يذكر، الأمر الذي أثار حفيظة شيخ شريف أحمد رئيس المحاكم الصومالية الذي عبر عن ريبته إزاء تضخم ظاهرة القرصنة في ظل الأساطيل المذكورة، وعن شكه الضمني في أن تشكل ذريعة لخطط دولية للسيطرة على حركة الملاحة في البحر الأحمر وتدويلها وبالتالي حرمان دول المنطقة من سيادتها على شواطئها.

بيد أن شكوك شريف أحمد لا تلتقي مع تفسير آخر يقول إن الأساطيل الأجنبية على أهميتها ليست مهيأة لممارسة أعمال الشرطة البحرية في هذه المنطقة، وبالتالي لن يكون بوسعها القضاء على القراصنة وإن السبيل الوحيد لبلوغ هذا الهدف يكمن في اتفاق الدول العربية المشاطئة على تولي هذه المهمة خصوصا أنها المتضرر الأكبر من أعمال القرصنة التي تلحق أذى كبيراً بقناة السويس وخليج عدن الذي يستقبل منذ أكثر من عشر سنوات استثمارات يمنية وعربية ودولية كي يستأنف دوره التاريخي كمحطة مركزية في حركة التجارة العالمية، ناهيك عن مشروع بناء مدينتين نموذجيتين على الساحلين اليمني والجيبوتي يربط بينهما جسر بحري عملاق.

ما من شك أن الخوف من تدويل البحر الأحمر يتصل بمصير السيادة العربية على الشطر الأعظم من شواطئه وترجيح الأدوار الاريترية و”الإسرائيلية” رغم أن الدولة العبرية تحتل جيباً يكاد لا يذكر إذا ما قورن بالمدى الواسع الذي يخص العرب. والترجيح “الإسرائيلي” في ظل التدويل يعني الحؤول دون تكرار تجربة التضامن العربي في حرب اكتوبر/ تشرين الأول عام 1973 عبر إقفال قناة السويس وميناء عدن أمام الإمدادات “الإسرائيلية” كما يعني توفير الغطاء الضروري لتنفيذ مشروع ربط البحر الأحمر بالبحر الميت وما يعنيه من تبدل حقيقي في خطوط التجارة والنفوذ.

في هذا الوقت ما زال عرب البحر الأحمر يدرسون احتمال عقد اجتماع، في ما بينهم لدرس المخاطر، ومازالوا غير عابئين بحل المشكلة الصومالية ومازالوا يتوجسون من بعضهم البعض خوفاً من أن يزيد نفوذ هذه الدولة العربية عن تلك بينما البحر يكاد أن يفر من بين أيديهم.

الثابت أن أضرار تدويل البحر الأحمر ستعم كل الدول العربية المشاطئة وبخاصة تلك التي تظن أنها محمية بعلاقاتها الوثيقة مع الدول الأجنبية الكبرى التي ما كفّت يوماً عن الطمع في السيطرة على هذا الممر المائي الدولي، ولعل تعيين قائد بريطاني على رأس القوة البحرية الأوروبية التي ستلعب دور الشرطة الدولية في هذه المنطقة ينم عن إرادة لا تلين في استعادة ما يسميه الغرب “أسلاباً” عربية غنمها من السلطنة العثمانية واضطر للتخلي عنها خلال الحرب الباردة.

في مواجهة التدويل، ومع اقتراب الخطر إلى صحن الدار العربي ما عاد مفيداً البحث عن اجماع عربي بعيد المنال في هذه القضية كما في غيرها، وعليه ربما يتوجب أن تبادر مصر واليمن إلى تشكيل قوة بحرية مشتركة لردع أعمال القرصنة، وللقول للأجانب المعنيين بحماية مصالحهم كما يزعمون أن المصالح تمر عبر السيادة العربية على القسم الأكبر من البحر الأحمر وليس على حسابها أو عبر انتهاكها.
"الخليج"

التعليقات