31/10/2010 - 11:02

عزمي بشارة .. وانعكاس العقلية الارهابية الصهيونية!/ ناصر السهلي

عزمي بشارة .. وانعكاس العقلية الارهابية الصهيونية!/ ناصر السهلي
لم ترغب الادارة الصهيونية العنصرية في تل أبيب أن تنهي العام 2007 دون أن تعيد إلى الذاكرة مدى الانحطاط الذي وصلت إليه عقلية مافياوية من الطراز الاول بأن أعلنت وكالة الأنباء الالمانية عما تخفيه تلك العقلية الدموية في تحضيرها للتخلص من الدكتور عزمي بشارة عن طريق التصفية الجسدية أو الاختطاف على طريقة ما حصل مع فعانونو العالم النووي الذي استدرجته الموساد وزجت به في السجون ومنعته من السفر وحرية الحركة..

"ديمقراطية" و "حقوق إنسان" يتفذلك الساسة الصهاينة ويردد ورائهم رهط من مثقفي العولمة العرب والمتصهينيين الغربيين.. والحقيقة الساطعة في اللهث وراء تثبيت المفاهيم والتطبيقات العنصرية والاستعلائية أقرب إلى الواقع الصهيوني من كل الدعاية التي تغلفها أحيانا لفافات استعلاءات دينية وتطرف قومي يكاد يكون فريدا في "الشرق الاوسط".. هذا لو انطبقت مفاهيم التشكل القومي على التجمعات الصهيونية المستوردة لمواطنيها من أين ما كان ومعاملة اليهود الشرقيين ليست بعيدة أبدا عن تلك الحقيقة التي يدركها عرب الداخل وكان الى وقت قريب ينكرها التعامل الاعلامي الغربي تجنبا لتلطيخ "الديمقراطية الوحيدة"!

التجربة مع عقلية العصابات التي تحكمت بعلاقة الساسة الصهاينة مع الاخر ليست وليدة اللحظة الراهنة، ففي التاريخ الصهيوني ثمة دموية اتسم بها مسار تلك العلاقة بدءا من التزييف والقرصنة بكل اشكالها وصنوفها وليس انهاءا بالاغتيال والاعدام السياسي.. وللدكتور عزمي بشارة باع طويل في فضح تلك العقلية حين تحدث الرجل، سواءا اختلف او اتفق معه البعض، عن دولة المواطنة التي عرت الحركة الصهيونية بأحزابها اليمينية والدينية القومية وتلك التي ادعت انها تقف على اليسار الصهيوني... فمنذ سنوات طويلة والرجل يتعرض لحملة ماكارثية على الطريقة الصهيونية ومع كل الاسف اسهم البعض عن قصد او غير قصد في الوسط العربي بتعميق تلك الملاحقات السياسية والايديولوجية التي استهدفته شخصيا دون مناقشة الفكر الذي يطرحه.. فإلى جانب تلك الملاحقة السياسة بمشاركة اعلامية موجهة كان بشارة يتعرض لتهديدات حقيقية من الاوساط اليهودية التي يُقال عنها متطرفة باستهدافه شخصيا وعائلته..
في الجانب الصهيوني لا يبدو أن للحكومات التي تعاقبت على تل ابيب مشكلة مع "الفكر" طالما أنه تحت سقف التصهين، بمعنى آخر يُسمح لك أن تطرح وتنتقد ما تشاء طالما أن أطروحاتك لا تتجاوز الخطوط التي ترسمها العقلية الدينية المتسيسة والمتسيدة للكثير من القرارات والتوجهات.. فعلى سبيل المثال، أن تصدر تعليقات عنصرية واستعلائية من الحاخام عوباديا يوسف عن العرب ووصفهم بأبشع ما تنم عنه العقليات المنحطة فإن ذلك لا مشكلة فيه في رأي الساسة والمعلقين الصهاينة الذين كانوا وما زالوا يركزون على مطاردة كل كلمة تفوه بها عزمي بشارة وغيره من عرب 48 لاثبات أن الرجل تارة متهم بزيارة وتسهيل زيارة دولة معادية كسوريا ولبنان وتارة أخرى سخافة ان الرجل يتجسس لمصلحة حزب الله.. أما أن يصدر كلاما اشد وطأة ضد السكان الأصليين لفلسطين، وجله كلام تجييشي وتحريضي، من أفواه لا تختلف عما كان يتفوه به مائير كاهانا واستمرار التجييش والممارسات البشعة ضد العرب من حركات فرختها أصلا أفكار هؤلاء الاستعلائيين المتدينيين بعقليات تتراوح بين الدعوة الى ترانسفير جماعي لكل عربي والدعوة الصريحة للتخلص الجسدي من هؤلاء..

فحين يصعد مجند صهيوني الى حافلة ويطلق النار على العرب فيقتل على يد الركاب الاخرين المدافعين عن أنفسهم فإن الساسة والاعلام الصهيونيين لا يركزون على الخلفية التي شحذت عقل العنصرية وحفزته لارتكاب مجزرة في حافلة أو عند حاجز للعمال او باطلاق النار للقتل على متظاهرين عرب في "دولة الديمقراطية" بل يجري التركيز على مقتل مرتكب الجريمة.. للدلالة على الانحراف الواضح لقيمة الاخر لا مشكلة ان يُحكم على مستوطن او جندي او متدين لا يروق له رؤية عربي في " دولة اليهود" بأغورات معدودة او عدة اشهر او اعوام
ثم يجيء رأس الدولة ليصدر عفوا عن قتلة ملطخة ايديهم بدماء العرب والفلسطينيين.. هناك أمثلة كثيرة على القيمة المتدنية للغير في علاقة التعصب الديني والسياسي داخل الكيان الصهيوني، فإذا كانت النظرة الى ما هو يهودي شرقي او اثيوبي نظرة دونية ومتشككة فما بالنا بالعقل الذي ينظر الى أكثر من 20% من سكان تلك الدولة على انهم "مخلفات احتلال عربي لارض اسرائيل".. ففي المضمون تنم التشريعات القانونية عن عنصرية أفدح من ابارتهايد جنوب افريقيا ابان حكم الاقلية البيضاء ونحن نتحدث عن تشريعات تستهدف العرب دون غيرهم بدءا من عدم السماح لسكان قرى مهجرين يعيشون كلاجئين بالقرب من قراهم من العودة اليها مرورا بمنع الزواج بين الفلسطينيين من داخل الخط الاخضر وبقية الاراضي المحتلة ومنع هؤلاء من الاقامة في مناطق جغرافية محددة ضمنيا فقط لليهود إلى جانب الميزانيات التي لا تتناسب مع النمووالتزايد والحاجات في الوسط العربي و ليس انتهاءا بمحاولات فرض نظام الخدمة العسكرية على العرب لقتل العرب وملاحقة العرب الدروز الرافضين لتلك الخدمة..

تعتقد دولة الاحتلال والعنصرية بأنها تعيش في الخمسينات والستينات حيث كان التعتيم والتدليس الغربي سيد الموقف، وربما يقودها أصحاب نظرية التفوق الى تصديق هالة القدسية التي نظر الانسان الغربي من خلالها لدولة الكيبوتسات، غير مدركة أن ربما أنه حتى لو كان الاعلام الغربي يصمت أحيانا عن ممارساتها البشعة بحكم التغلغل وسياسات المصالح فإن الانسان عموما والغربي تحديدا بات يتابع الصغيرة والكبيرة الصادرة عن دولة بات يُطلق عليها في اوساط غربية كثيرة " دولة الابرتهايد"..

إذا كيف ستقبل هذه الدولة التي باتت مقروءة كأكثر الدول خطورة على الاستقرار والسلام الدوليين أن يخرج رجل مثل عزمي بشارة ليتحدث للرأي العام العربي والغربي عن " انماط جديدة من الابارتهايد" ؟ أو عن الدولة التي تعتبر كل يهودي في الدنيا "اسرائيليا" مجرد قرر ان يستعمر الضفة وغزة والجولان وداخل فلسطين 48 بينما تمنع زواج فلسطيني بفلسطينية وتتبجح عن رفضها لحق العودة؟
تلك الامور الفكرية التي يتحاور من خلالها عزمي بشارة مع العثل الغربي تعتبرها الحركة الصهيونية من الخطورة بمكان مما يستدعي ملاحقته والعمل سرا للتخلص منه ليس فقط لكي لا يكون أحد الفلسطينيين والعرب تفوق فكريا أمام فكر مفلس ليس لديه سوى اللعب على وتر الدين والعاطفة والاستغلال البشع لأجيال غربية لا تتحمل وزر ما ارتكبته النازية... وليس فقط لأنه شخص لا يلعب دور الضحية بل يحاجج وبقوة الحق والقانون، كما فعل في أحد الاعوام بكوبنهاغن من خلال 4 ندوات ومقابلة تلفزيونية خلال أقل من 48 ساعة ولقاءات في الخارجية ومع قايدات أحزاب كبيرة ومؤثرة وخاطب آلاف الفلسطينيين والعرب في مهرجان استمر لاكثر من 3 ساعات، وليس فقط لأن أكثر الصحفيين الاسرائيليين قدرة على المناورة عجزوا عن توريطه في لعب الدور الذي يراد من الانسان المقموع.. بل لأن العقلية الصهيونية العنصرية الاستعمارية لا ترغب بأن يكون عزمي بشارة ورفاقه في التجمع وغيره من القوى العربية الفلسطينية مثلا يحتذى به عند الاجيال العربية التي يرغب الاحتلال الصهيوني في رؤيتها تائهة تلهث خلف امتيازات شخصية تكسر روح الانتماء الوطنية وبالتالي خلق جيل "مأسرل" خانع وقابل بالامر الواقع... إذ لا يمكن لدولة استعمارية احلالية الاستمرار في ظروف يكون فيها أصحاب الارض الاصليين موحدين في الانتماء والهوية القومية، بل إن الفرز المذهبي الذي حول العرب في الخطاب الصهيوني والمناهج التعليمية الى مجموعات : درزية، مسيحية، مسلمة، أحمدية وبدوية ..إلخ من التوصيفات التي أرادت كسر روح الانتماء القومي.. أضف إلى ذلك الاوصاف التي يُنعت بها الانسان العربي في الادب الصهيوني والتي تنم فقط عن عقلية موغلة في العنصرية والتي تربي الاجيال الصهيونية على كره واستعداد للقتل بمبررات سخيفة... فالناصرة شكلت ذات يوم مثلا فاضحا في طبيعة العلاقة التي أرادتها الدولة الاستعمارية الممارسة وبامتياز لقانون الاستعمار الانكليزي "فرق تسد" بين مكونات المجتمع العربي الفلسطيني.. ولولا الوعي الذي تمتع به أهالي المدينة العرب لكانت نجحت تلك السياسة..

أنا لا أتحدث هنا عن أن الدكتور عزمي بشارة له الفضل وحيدا في مواجهة التطرف والعنصرية الصهيونية، بل أتحدث عن حالة متقدمة وواضحة الفكر والمعالم.. عما يمكن لتلك العقلية المأزومة في دولة تتسامح مع فكر رحبعام زئيفي وتوزره ومع موشي ليفنغر وافيغدور ليبرمان وكهانا حي وبقية المجموعات والاحزاب العنصرية الفكر والممارسة بينما وبشكل هستيري جماعي تلاحق شخص مثل عزمي بشارة والشيخ رائد صلاح وكل الشخصيات والمجموعات العربية الذاهبة في اتجاه تعرية الحركة الصهيونية..
من ناحية ثانية أنا أقرأ كل الملاحقات التي تعرض ويتعرض لها الرجل وآخرها ما رشح عن توجه لاغتياله جسديا بعد العجز عن اغتياله سياسيا وفكريا بمثابة دروس ورسائل مبطنة لعرب الـ48.. وأفضل سلاح يمكن أن يملكه اخوتنا هناك في مواجهة الفاشية الصهيونية هو سلاح الوحدة والابتعاد عن سياسات التجريح الشخصي واعتبار أية جهود لا تصب في جهة التوحد بوجه المشروع الصهيوني بمثابة هدر واضاعة لكل عوامل القوة.. وبهذا يمكن لشعبنا العربي الفلسطيني الاصيل في فلسطين 48 أن يكونوا صمام الامان لكل القضية الفلسطينية التي وبكل أسف تشهد انتكاسة التشرذم وضياع الجهود الوحدوية بما يفسح المجال لدولة الاحتلال للنفاذ عبر الشقوق التي أصابت جدار الوحدة الوطنية بما يجري في الضفة وغزة... ويقينا نقول بأنه لا أحد يستطيع أن يزايد على حماة الارض والذاكرة من عرب 48 الذين اتقنوا فن الحياة والمقاومة بوجه غاصب لم يشهد تاريخ الاحتلالات بشاعته..

تبقى الاشارة الى أن المسؤولية العربية عن حياة عزمي بشارة وكل مناضل فلسطيني مهدد بالاغتيال على ايدي الموساد هي مسؤولية لا يمكن التقليل من شأنها طالما أن الرجل أصبح في المنافي العربية نتيجة لثمن التمسك بالانتماء الى هذه الامة ومستقبلها...

التعليقات