31/10/2010 - 11:02

على مفترق طرق – بين غزة وسخنين../ أمير مخول

على مفترق طرق – بين غزة وسخنين../ أمير مخول
الملامح الحالية لحالة استنهاض الهمم والتصعيد الكفاحي لجماهير شعبنا في الداخل مؤشرات هامة، وسيكون بمسؤوليتنا تحويلها الى تحول نوعي معزّز كفاحيا، وسنتحمل أيضا المسؤولية فيما إذا تم تفويت الفرصة وتحويل المد الشعبي الكفاحي الى حدث عابر.

حالة المد الكفاحي هذه انطلقت في النضال الشعبي المنظم لكسر الحصار على شعبنا في غزة، وبلغت ذروة جديدة في مظاهرة سخنين نهاية الأسبوع الفائت. وهذا ليس أمرا مفروغا منه، وإن كان نتاج حالة عينية، فمن شأنه أن يقود إلى تحول نوعي تصعيدي في مسيرة الكفاح الشعبي اذا ما تم استثمارها سياسيا، وذات الوقت هناك مخاطر من ان تتحول الى حدث لمرة واحدة فيما اذا لم نستغلها جماهيريا لإحداث انطلاقة مستدامة وتعزيز الإطار الكفاحي الجماعي الموحد لحمل هذا المشروع.

وفي نظرة سريعة للدالة النضالية لجماهير شعبنا في الداخل في العقدين الأخيرين فمن الملفت أن المحطات النضالية النوعية كانت نتاج التفاعل مع قضايا شعبنا ككل وليس نضالنا المحلي المجزّأ أو المحصور في حدود المواطنة فحسب. فالتفاعل ما بين التحرك الشعبي لكسر الحصار القاتل المفروض على جماهير شعبنا في غزة وهبة الغضب الشعبي على قرار المستشار القانوني لحكومة اسرائيل والمتوقع باغلاق ملف التحقيق بحق قتلة شهداء الداخل في انتفاضة القدس والاقصى في العام 2000 وتبييض جرائم الدولة، هو تفاعل نوعي متطور في مركزه الإقرار بأن إسرائيل بأجهزة القتل والحصار والدمار في غزة وأجهزة القتل والملاحقات والاقتلاع في الداخل هي ذات الكيان وذات الأجهزة، والجريمة لا تقع في حدود الجهاز الأمني فحسب بل كل اجهزة الدولة الأمنية والمدنية التي تتقاسم الجريمة.

ما ميّز التحرك الشعبي الأخير أنه كان متواصلا وتصعيديا كما أنه شكّل دمجا أو مزيجا من العفوي والمنظم. وكانت ملامح المعركة واضحة سواء في غزة أم في سخنين، وهذا دليل أن الطاقات الكفاحية بين الناس لا يمكن حصرها بل بحاجة إلى تطوير الأطر القيادية للانطلاق بها. فعندما دعت لجنة المتابعة الى الاضراب العام يوم الجمعة الاخير فان التجاوب الجماهيري الهائل في المظاهرة المركزية في سخنين فيه دلالات ايضا. وعندما تم اعلان الاضراب العام ردا على قرار المستشار القانوني للحكومة بشأن ملف تشرين 2000، فان لسان حال الناس وهمها كانا القرار المذكور وشهداءنا وشعبنا في غزة معا. وان كان من المتوخى اعلان الاضراب كخطوة ضمن مناهضة جرائم اسرائيل ضد كل شعبنا وعدم حصر مسببات اعلانه بالداخل، الا ان روح المظاهرات والمد الشعبي عوّضا عن هذا النقص ودمجا بين البعدين.

ومن الجدير هنا التطرق الى مظاهرة الناصرة قبل بضع اسابيع لكسر الحصار على غزة والتي نظمها تحالف غالبية الأحزاب والحركات السياسية المركبة للجنة المتابعة لكن المظاهرة كانت خارج إطار لجنة المتابعة. وهذا أيضا ملمح هام والدرس الأساسي انه إذا لم تستطع لجنة المتابعة اتخاذ موقف جماعي، فالبديل ليس بالضرورة إلغاء العمل، بل إن هنالك اصطفافات جديدة ستأخذ بالتبلور والعمل جماعيا. وهذا التحدي هو جوهري بالنسبة للجنة المتابعة، وكما يبدو فإن قرارات المتابعة بشأن قرار مزوز ورسالتها السياسية ونزع الثقة عن الدولة وأجهزتها وتبني مطلب تدويل قضايا جماهيرنا في الداخل، عبرت عن تعلم الدروس مما حدث، وهذا ايجابي، والهدف الآن تثبيته.

ان تطوير كفاحية لجنة المتابعة يزداد جوهرية في مرحلة الصراع الفلسطيني الفلسطيني في الضفة والقطاع ضمن السلطة الفلسطينية. والمقصود ان جماهيرنا في الداخل تستطيع ان تلعب دورا موحدا على مستوى شعبنا كله من ناحية، ومن الناحية الاخرى اذا لم تستوعب مؤسساتنا القيادية في الداخل أهمية تطوير دورها الكفاحي، فإنها ستصبح عاملا في التجزيء وستخضع جماهيرنا لقوى الشد التجزيئية سواء أكانت دولية أو إسرائيلية أو من أوساط في قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بتركيبتها الحالية.

إن ملمحا إضافيا هو التحرك الشعبي العفوي في بعضه وظهور طاقات قيادية شبابية وطنية منها المؤطرة أو غير المؤطرة، والتي انطلقت بسرعة سبقت أحيانا القوى السياسية المنظمة في عدة مواقع من البلاد واستقطبت حشودا جماهيرية شبابية في غالبيتها في المعركة لكسر الحصار على غزة. وقد انعكس حضورها أيضا في مظاهرة سخنين الوحدوية. وهذا بنظرة مستقبلية قد يكون من اهم الملامح محليا، والذي يؤكد وجود جيل جديد واعد وناضج يقوم بدوره رغم أن الأطر الجماهيرية الجماعية لم تعره اهتماما حقيقيا لغاية الان، لكنه لا ينتظر ذلك ايضا بل يلعب دوره معتمدا على مبادراته وإرادته وانتمائه ومستلهما من رصيد شعبنا.

ويبقى الملمح الأهم هو درسنا في غزة والذي لم يكن لقرار المستشار القانوني للحكومة وقرار المتابعة بالاضراب ردا عليه أن يحركا الناس بدونه. فالدرس المألوف الذي تعلمناه من غزة ان الناس – جماهير الشعب الفلسطيني – قادرة بارادتها ان تكسر الحصار الاكثر إجرامية والذي لا مثيل له في العالم.

فعندما انطلقت النساء الغزيات لمواجهة الحصار بالتصميم على كسره وتلاها في اليوم التالي جماهير الشعب بمئات آلافها لتكسر الجدار والحصار، هو الذي فرض حالة مقاومة معنوية جديدة "لا تعرف المستحيلا"، وتجاوزت الناس بقوتها الطبيعية الانسانية ايضا كل المشاريع الوهمية الفلسطينية القائمة على جدوى الحوار والتفاوض مع اسرائيل كهدف ومن منطلق الاقناع وملاءمة السلوك الفلسطيني الى الاملاءات الاسرائيلية الامريكية الاوروبية. وهذا درس لكل شعبنا ولكل شعوب العالم. فالعالم لا يتضامن مع الضحية بمجرد كونها ضحية فحسب بل ان الضحية تحدث الحراك والتفاعل العالميين فقط اذا ناضلت وهذه الحالة المعنوية هي الأساس وراء الجاهزية الكفاحية العالية ضمن شعبنا أينما كان.

وللحقيقة ورغم الواقع العربي الاقليمي المأساوي فان شعبنا تلمّس مرة اخرى معنى البعد العربي الإقليمي كحاضنة للشعب الفلسطيني ولحركته التحررية. سواء بالتحركات الشعبية الرائعة في البلدان العربية أم في انفتاح مصر امام شعبنا في غزة ودلالاته الأبعد من الاطار الانساني، بل انه دليل على القوة التي سيتمتع بها شعبنا لو كان الواقع العربي مغايرا. وهو دليل ان توازن القوى القاتل الحالي ليس مفروغا منه ولا يجوز التسليم لا بوجوده ولا لشروطه.

دعوة للتفكير: مؤتمر وطني للجماهير العربية وتقاسم الهم الفلسطيني

تعلم الدروس والاستفادة منها والانطلاق لمواجهة التحديات المستقبلية هي مسؤولية كل الاطر السياسية والجماهيرية والاهلية داخل شعبنا.

وفي حالتنا في الداخل فإن الإطار للتمعن جماعيا فيما جرى ويجري لا يجوز حصره في اجتماع للجنة المتابعة او للاطر السياسية أو الأهلية، بل تبدو الحاجة ملحّة لتنظيم مؤتمر جدي للجماهير العربية في الداخل تتفاعل فيه كل القوى، ليحث ايضا على عقد مؤتمرات موازية في كافة اماكن تواجد شعبنا في الوطن والشتات وضمان التفاعل بينها جميعا. فعنوان المرحلة هو تقاسم الهم الفلسطيني الجماعي واعادة بناء الاطر المرجعية لجماهير شعبنا سوءا في الداخل ام لشعبنا كله وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية، ضمن احياء المشروع الفلسطيني الكفاحي المستند الى الثوابت الفلسطينية التاريخية والتي لن يستطيع احد ان يحملها ويحميها اكثر من الناس – من الشعب الفلسطيني.

إن استدامة الجاهزية الكفاحية وروح الصمود والمقاومة لدى أي جزء من الشعب الفسلطيني هي دعم لكل أجزاء الشعب الفلسطيني.

التعليقات