31/10/2010 - 11:02

على هامش انطلاقة احتفالية القدس عاصمة الثقافة 2009../ رنا بشارة

على هامش انطلاقة احتفالية القدس عاصمة الثقافة 2009../ رنا بشارة
مع انطلاقة احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009 اليوم، فإن الدعوة إلى الاستنفار من أجل إنجاح الحدث قد برزت بشكل ملحوظ على صفحات الصحف خلال الأيام الأخيرة. كما رافق الدعوة تسجيل عدد من المآخذ على آليات التخطيط والإعداد والتنفيذ .

أخذا بمبدأ النسبة والتناسب وضيق الفترة الزمنية المتبقية، لن نسجل نقاطا سلبية أو إيجابية من الناحية الفنية، ولن نبحث الآن عن حلول سحرية للتعقيدات المتشابكة المتعلقة بوضع مدينة القدس المتردي، أو عن حل لأزمة شح التمويل المتوفر للمشاريع الثقافية المنوي تنفيذها، أو تحديد إطار واضح لمقاومة الاحتلال «ثقافيا» في القدس وذلك دون الوقوع وإيقاع العرب في فخ التطبيع.

لسنا بصدد الخوض في سجالات حول خلفية وعفوية الإعلان عن القدس كعاصمة للثقافة العربية دون سابق تمحيص في حجم وأهمية الحدث والمقدرة على التنفيذ، وحتى لمغازيه السياسية تحت الاحتلال. فعاصمة الثقافة هي احتفالية وليست حدثا رمزيا يتم تحت الاحتلال، ولا ندري كم يفيد الحدث وكم يفيد النضال ضد الاحتلال اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية وهي في ظل الاحتلال. هذا النقاش وراءنا لن نثيره. كما لن نطرح انعكاسات الانقسام السياسي الفلسطيني على انجاح الاحتفالية وتشكيل لجان محسوبة على هذا «الطرف» أو ذاك أو على فصيل فلسطيني وفصيل آخر رغم شعورنا بالمرارة لذلك .

لقد سال الكثير من الحبر في وصف وتشخيص حالة العزل والحصار والتهويد اليومي الذي تعيشه مدينة القدس. فالحال المترهل بكافة أبعاده قد أشبع تحليلا منذ سنوات. واستنفذت المناشدات والدعوات لانقاذ ما تبقى من عروبة القدس نفسها، ولكن الحال حتى لم يراوح مكانه بل ازداد سوءا يوما بعد يوم وعاما بعد عام. فالطرف الآخر اي الاحتلال لديه خطة ضم جدية، ولديه القوة والمبادرة والهيمنة لكي ينفذها، وهو يفعل ذلك غير آبه بالمؤتمرات والهيئات والقرارات.

أما الحركة الوطنية في القدس فهي في حالة ضمور مستمر، وأما المجتمع المقدسي نفسه على الأرض فمهموم ببطاقات الهوية وضريبة البلدية وبالهم الفردي وبالمصادرة والهدم والاقتلاع وبشظف العيش. وهو مبعثر بين احياء فقر عربية في «مدينة إسرائيلية»... الواقع في القدس يتغير يوميا.

نحن إذا الآن امام إنجاح الاحتفالية رغم كل الاعتبارات لأننا صرنا من باب أضعف الإيمان نتوق لإنجاح أي حدث في القدس وللقدس- حتى وإن كان مجرد رمزيا ومعنويا- إذا كان يشكل تحديا في وجه الممارسات الإسرائيلية.

وإنجاح «الاحتفالية» خلال العام لا يتخذ بعدا محليا، فحسب، بل بعدا عربيا أولا ودوليا ثانيا. وليس بالضرورة أن تكون الأنشطة العربية من أجل القدس فقط في القدس ومحكومة بجغرافيا المكان وهذا أيضا يجنبنا نقاشات جانبية حول خطورة الوقوع في فخ التطبيع ... حسنا فليتحول إذا إلى سلسلة احداث تضامن مع القدس ولترتاح مهرجانات الثقافة قليلا.

وعلى الرغم من ضرورة إنجاح الحدث محليا وعربيا ودوليا، إلا أن ذلك لا يثنينا عن الإشارة في هذا الإطار إلى بعض الاعتبارات الماثلة أمامنا اليوم بالتزامن مع عام الاحتفالية. لنتخذ من الحدث فرصة لطرحها من باب التأمل المجرد من أية نوايا...

أولا: لا بد من التأكيد على أن أي حدث يصب في الحفاظ على عروبة القدس وإن كان رمزيا أو معنويا يشكل تحديا بوجه ممارسات التهويد الاسرائيلية يتطلب عملا دؤوبا ومثابرا لإنجاحه، والنشاط الموسمي المهرجاني الطابع ليس علاجا، بل هو المشكلة.

ثانيا: إن البعد الثقافي لمدينة القدس لا يقل ولا يزيد أهمية عن أي بعد آخر، وعليه فإن تكريس الجهود نحو مسار دون غيره في القدس لن يؤدي إلى معالجة حقيقية وشمولية في وجه السياسات الاسرائيلية في القدس. إن كل بعد حياتي سياسي ووطني وتنموي للمدينة لا يقل أهمية عن البعد الآخر. فالبعد الثقافي هام، ولكن لا يقل عنه أهمية البعد الاقتصادي والديني والاجتماعي والقانوني والتربوي. ولم نخصص عاصمة واحتفالية لكل بعد من هذه الأبعاد.

ولتحقيق الرؤية الاستراتيجية الفلسطينية الشمولية للقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية أولا، وكقلب الأمة العربية ثانيا، لا بد من أن تكون هنالك بوصلة لعمل حقيقي فلسطيني وعربي مثابر ومتكامل في مواجهة واقع التهويد الجاري على الأرض. عاصمة الثقافة عمل رمزي لا بأس بإنجاحه، ولكن المهام أعلاه ليست رمزية ولا تحل بنشاط رمزي.

ثالثا: بات واضحا أن القدس ستواجه هذا العام، «عام الاحتفالية» بحملة هدم لمئات المنازل الفلسطينية وفي مواقع ذات حساسية بالغة تمثل جزءا لا يتجزأ من صورة المدينة العربية التاريخية، وهي استمرار لحملات سابقة نفذتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على مدار العقود الماضية، إلا أنها ذات وتيرة متسارعة بشكل لا يقبل الشك اليوم.

رابعا: رغم أن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لم تختلف في سياساتها تجاه القدس ومارست جميعها دون استثناء-- بغض النظر عن أيديولوجياتها السياسية- التهويد بكافة الأساليب، إلا أنه لا مفر من الإشارة إلى أن عام الاحتفالية بالقدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009 هو عام تشكيل ائتلاف حكومي يميني متطرف يقوده نتنياهو وبوزير خارجية خارطة طريقه عنوانها «الترانسفير للعرب»، وخاصة في القدس. ويكثف الاستيطان، وسوف يكون متنفسه لذلك في مرحلة أوباما هو القدس.

خامسا: إن عام الاحتفالية مناسبة لنتذكر أيضا أن من يجلس على كرسي رئاسة «بلدية القدس» هو نير بركات المدعوم بقوة من قبل ليبرمان (وزير خارجية نتنياهو) صاحب شعار «الترانسفير للعرب». بركات، وإن لا يختلف كثيرا عن سابقيه، من حيث تنفيذ الأهداف الاسرائيلية في القدس، معروف بانتماءاته السياسية لـ «اليمين المتطرّف» ويشغل منصب رئيس حركة «القدس من أجل قدس يهودية»، ورئاسته لحركة كهذه مؤشر لما أقدم وسيقدم عليه في القدس.

سادسا: تتزامن «الاحتفالية» وانعقاد مؤتمر القمة العربية الدورية في العاصمة القطرية في 30 من الشهر الجاري، ولعل في ذلك مناسبة للتأكيد والتشديد على أهمية تفعيل الدور العربي إزاء ما يجري في القدس وضرورة اتخاذ اجراءات فعلية للتصدي للحملة الاسرائيلية على المدينة.

سابعا: هذا العام هو العام الأول للرئاسة الأمريكية الجديدة. إن ذلك لا يعني التعويل على تغيرات جوهرية في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية وتعليق الآمال على انقلابات جذرية في الموقف الأمريكي بالأخص فيما يتعلق بموضوع القدس، حيث أن تسارع وتيرة التهويد والاستيطان لا يترك مجالا لانتظار «مبادرات حسن نية» لا تأتي بشيء سوى بمزيد من الاحباط. وبما أننا بصدد الحديث عن القدس، فإن أخذ زمام المبادرة والتمسك برؤية فلسطينية استراتيجية مستقلة لحل سياسي «عادل» في القدس غير قابل للمساومات أمر ملح لا يحتمل الترقب والتعامل بردود فعل والاكتفاء بإدانات موسمية.

إن إعلان القدس كعاصمة الثقافة العربية للعام 2009، رغم أهميته الرمزية، وبمعزل عن النجاح أو الفشل يبقى حدثا آنيا يترك في افضل الحالات وقعا ثقافيا في القدس على المدى المنظور.

بالمقابل فإن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ احتلالها للمدينة وبغض النظر عن «اختلاف» أيديولوجياتها السياسية عمدت إلى تنفيذ رؤية استراتيجية شمولية تستهدف طمس هوية المدينة العربية الفسطينية، وكانت تتخذ من كل انفراج تفاوضي مع الفلسطينيين أو من انعقاد أي محفل دولي من أجل «السلام في الشرق الأوسط» غطاء للتسريع بعملية تهويد المدينة، وما «نقطفه» اليوم على واقع أرض القدس هو «ثمار» لمنهجية عمل اسرائيلية مبرمجة استمرت على مدار عقود بشكل تصعيدي يبلغ ذروته الآن.

وعودة للإحصائيات المتعلقة بهدم المنازل وتجريد المقدسيين من حق إقامتهم في المدينة وحجم الأراضي المصادرة والوحدات السكنية التي تم إضافتها إلى المستوطنات المحيطة بالقدس منذ مؤتمر مدريد وحتى اليوم لهي خير دليل على ذلك، ناهيك عن الاستيطان وجدار الفصل الذي عزل القدس عن محيطها الجغرافي والاجتماعي وجعلها في أقبح صورة.

تحتاج القدس الى قيادة وطنية محلية مستقرة ودائمة ولديها أدوات، وتحتاج إلى خطة فعلية في مواجهة الخطة الاسرائيلية القائمة وتنفذها، وهي أدوات لا تكون دون تبني فلسطيني وعربي شامل. وهذا سؤال متعلق بأولويات القيادة الفلسطينية والدول العربية، وهي مسألة لا تظهر في قرار متعلق باختيارها عاصمة للثقافة. فهذه خطوة رمزية في النهاية.
"القدس"

التعليقات