31/10/2010 - 11:02

عن المستوطنات وعمالها../ حسام كنفاني

عن المستوطنات وعمالها../ حسام كنفاني
قد يكون قرار السلطة الفلسطينية حظر العمل في المستوطنات ومنع استيراد بضائعها هو الأجرأ والأكثر فاعلية في مسيرة الصراع مع الاحتلال منذ نشوء السلطة بعد اتفاقات أوسلو . قرار من شأنه، لو تسنى له أن يدخل حيز التنفيذ بشكل جدي، أن يحمل الكثير من التأثيرات في التفاوض والعلاقة مع “إسرائيل” والكثير من الأمور غيرها.

من المعلوم بالنسبة للكثيرين أن المستوطنات لم تقم إلا على أكتاف العمال الفلسطينيين، والمصانع فيها لا تنتج إلا بفعل جهود العمال الفلسطينيين، الذين يدفعهم اليأس إلى التوجه إلى العدو للبحث عن لقمة العيش. الكثيرون منهم يأخذون من مسؤولي السلطة الفلسطينية أمثلة تحتذى، إذ إن بعض هؤلاء المسؤوليين على تماس مباشر مع “صناعة المستوطنات” عبر توريد الحجارة والأخشاب والحديد وحتى العمال.

“إسرائيل” تنظر إلى قرار مقاطعة المستوطنات بخطورة، على اعتبار أنه يهدد الوجود الاستيطاني في الضفة الغربية. تهديد اقتصادي وسياسي، بما أن بديل العمال الفلسطينيين الذين يعدّون يداً عاملة رخيصة ومتوفرة، هم العمال الآسيويون ولا سيما التايلانديون، الذين يشكّلون تكلفة عالية على أصحاب المصانع والشركات، إضافة إلى الحكومة في مساعيها للتوسّع المعماري، كما أن حظر استيراد منتوجات المستوطنات إلى الضفة يفقد هذه البضائع سوقاً واسعة، ويهدّد استمراريتها أيضاً. وهو ما تنظر إليه الحكومة الصهيونية بقلق أيضاً، ولا سيما بعدما خسرت في السابق مصانع في شمال فلسطين المحتلة بعد حرب تموز 2006.

لا شك في أن القرار الفلسطيني جاء متأخراً، ولكنه أفضل من ألا يأتي أبداً . فالعديد من الدول الأوروبية كانت قد سبقت السلطة إلى مثل هذا القرار، عندما حظرت استيراد أي بضائع تنتج في المستوطنات “الإسرائيلية”. المهم اليوم هو المتابعة الفعلية لتطبيق القرار . متابعة لا تكون فقط بمعاقبة المخالفين، بل بتأمين بدائل لآلاف العمال الذين سيؤدي التزامهم بالقرار إلى قطع أرزاقهم وتهديد لقمة عيشهم.

هذا الأمر يستوجب التوجّه إلى الفضاء العربي للمساهمة في تطبيق القرار الذي يحمل تأثيراً فعلياً في مسار الصراع. عنوان القرار يستحق الدعم، أكثر من العناوين السابقة من “دعم الوجود الفلسطيني” أو “منع تهويد القدس”، وغيرهما من العناوين الفضفاضة التي لا تحمل أي آلية تطبيق، وحتى الكثير من الداعمين لا يعلمون كيف أو أين ستصرف أموالهم لخدمتها.

العنوان الجديد واضح، ومن الممكن أن يكون تحت إشراف عربي مباشر: تأمين البدائل للعمال الفلسطينيين. لا حاجة للجوء إلى السلطة، أو الاتكال عليها في هذا الأمر. من الممكن أن يكون الإشراف مباشراً على الاستثمار في الضفة الغربية وضخ انتاج فلسطيني يغني عن منتجات المستوطنات، ويوفّر فرص العمل للآلاف.

اليد العاملة متوفرة والسوق أيضاً، الأموال هنا هي العنصر المفقود الذي من الممكن تأمينه عربياً. لو طبّق هذا الأمر جديّاً، ربما تكون المرة الأولى التي تؤمّن الأموال سنداً مباشراً للشعب المحتل، وليس سلطته.
"الخليج"

التعليقات