31/10/2010 - 11:02

عن حال الأمة العربية قبل القمة وبعدها../ ماجد كيالي

عن حال الأمة العربية قبل القمة وبعدها../ ماجد كيالي
لا تبدو السياسة الرسمية العربية بواقعها الراهن، مهيأة لتحقيق النقلة اللازمة والمطلوبة، لإزالة الجمود المحيط بها، وتفعيل دورها في السياسة الإقليمية والدولية، بشكل يتناسب إلى حد ما مع إمكانياتها، ومع مكانتها في هذه المنطقة الإستراتيجية، من النواحي الجغرافية والاقتصادية والأمنية للعالم، وبالتالي الانتقال من مجرد الوجود في حيّز القوة إلى الوجود في حيّز الفعل.

والحقيقة فإن السياسة العربية تبدو جد محسوبة ومترددة وبطيئة، وهي لم تنضج بعد إلى حد القدرة على تحقيق ذاتها، بقدر الاستحقاقات والتحديات التي تواجهها، وهناك أمثلة عديدة تؤكد هذا الوضع. فعملية التسوية، مثلا، ما زالت تراوح عند الاشتراطات التي فرضت في إطار الظروف والمتغيرات التي أحاطت بانعقاد مؤتمر مدريد (1991)، بالنسبة لتجزئة هذه العملية، وبالنسبة للتفاوض مع إسرائيل على تطبيق قراري مجلس الأمن الدولي رقم (242و338)، وبالنسبة لربط عملية التسوية بالبعدين الأمني والتطبيعي مع إسرائيل.

وتبدو هذه الاشتراطات أكثر فجاجة بما يتعلق بالتسوية على الجبهة الفلسطينية. حيث رضخ الإطار الرسمي العربي لشكل التسوية المفروضة على الفلسطينيين، تحت ذريعة ترك الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، يقررون لوحدهم مصير قضيتهم الوطنية، التي هي في نفس الوقت قضية العرب القومية. وهذا المنطق يضعف الفلسطينيين ويجعلهم أكثر عرضة للابتزاز الإسرائيلي، كما انه يتناقض مع طبيعة إسرائيل التي نشأت ورتبت أوضاعها ليس فقط للتوازن مع الوضع العربي بمجمله، وإنما على أساس التفوق عليه أيضا.

وبالنسبة للوضع في العراق، فما زال العرب مختلفون بشكل التعاطي مع الوضع الناشئ هناك، بدعوى ترك الاحتلال الأمريكي لتدبّر أمره، أو بدعوى عدم التورط في المستنقع العراقي، الأمر الذي جعل هذا البلد مرتعا لتصارع القوى الخارجية، من الولايات المتحدة، إلى إيران، إلى تنظيم القاعدة، في حين أن العراق شعبا وقضية وأرضا، بات عرضة للتفتت والتمزق، لاسيما في ظل السلبية التي تعتري النظام العربي في التعامل معه.

وعلى المستوى الاقتصادي، تجد الخطاب العربي يعج بمصطلحات تتحدث عن مسارات العولمة وعصر التكتلات الكبرى وضرورة مواكبة العرب لهذه التحولات حتى يؤمنوا لهم مكانا مناسبا في قاطرة القرن الحادي والعشرين، من دون أن تنتقل هذه الكليشهات إلى حيز الممارسة الفعلية. وفي الوقت الذي تصل فيه دول وتجمعات إقليمية أخرى إلى مرحلة إدماج الأسواق الوطنية والقومية، ما زال العرب يتحدثون فقط عن منطقة تجارة حرة عربية، وحتى هذا الطموح المتواضع يجد عراقيل كثيرة لدى وضعه موضع التنفيذ. والمفارقة أن الأقطار العربية لا تجد عضاضة في تآكل سيادتها الوطنية (سياسيا واقتصاديا) لاعتبارات علاقاتها مع المنظمات الدولية ومع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة، في حين أن تستفز لدى الحديث عن ضرورة ملائمة السياسات الوطنية مع المصالح القومية.

وكان الخطاب العربي السائد استمرأ التعويل على عوامل القوة الكامنة فيه، من مثل: القوة العددية، والموقع والثروات والإمكانيات الاقتصادية، والزمن، (وإن كانت عنصرا لازما)، لتعزيز مكانة العرب على الصعيد الدولي، في حين أن هذه العوامل ظلت محيدة ومقيدة وغائبة وغير فاعلة، بمعنى انها لاتلقي بثقلها في حسابات موازين القوى العربية. فالكثرة العددية، ظلت كمية من دون مدلول نوعي، وهذه الكثرة تحتاج إلى غذاء وخدمات (صحة وتعليم وبني تحتية)، وفي ظل السياسات التي تتجاهل خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تصبح هذه الكثرة بمثابة عبء كبير، ومصدرا للاضطرابات، ومجالا لمزيد من الارتهان للخارج، بسبب الفجوة الغذائية، وانهيار مستوى التعليم والخدمات، وتدني فرص العمل، وسياسات الهوية.
وما ينطبق على عامل العدد ينطبق على الموقع والثروة العربية المالية والنفطية، التي باتت مجالا للتدخلات الخارجية، وتعميق ارتهان العرب للغرب، ومجالا للنمو الاقتصادي المشوه، المعطوف على علاقات الهدر والفساد والهيمنة.

أما بالنسبة لعامل الزمن، الذي غالبا ما تتكئ عليه السياسة العربية، لتبرير انكفاءها وعجزها، فهذا بدوره، على أهميته، يلعب دورا خطيرا في غير صالح العرب في ظل الاتجاهات والمعطيات الداخلية والخارجية السائدة؛ حيث أن الفجوات تتسع بين العرب من جهة ومسارات التطور العالمي، على مختلف الصعد: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية.

وهكذا فإن الاتكاء على هذه العوامل الثلاثة الهامة: الكثرة العددية، الثروات، الزمن، وكأنه يعفي السياسة العربية من عنصرين هامين هما: الإدارة والإرادة، فالإدارة العربية لمجمل الأوضاع لا تتناسب مع متطلبات العصر إن لناحية مراعاة الحاجات والمصالح، وتجسير الفجوات، أو من ناحية حل الإشكالات أو تجاوزها. أما الإرادة العربية فهي مازالت مرتهنة لا تأخذ في اعتبارها المصالح والأولويات العربية، هذا فضلا عن أن حديثنا عن إدارة وإرادة عربيتين هو حديث مجازي، فهذه الإدارة وتلك الإرادة ليست متوفرة، وما هو موجود تشتت إدارات وإرادات. وللأسف أحيانا تعارض في الإدارات والإرادات بحسب المصالح القطرية الضيقة، أو قل بحسب مزاجات واعتبارات هذه السلطة أو تلك.

من كل هذه المؤشرات يمكن الاستنتاج بأن السياسة الرسمية العربية، في حال توفرت الإرادة، معنية بتفعيل وتطوير دورها في مختلف المجالات، لاسيما، في المجالين السياسي والاقتصادي، وعلى الأخص، فهي معنية بإعادة تناول قضية الصراع العربي – الإسرائيلي من المنظور القومي، طالما أن إسرائيل لم تتغير، وطالما أنها مصرة على التمسك بطبيعتها الاستيطانية العنصرية وبدورها السياسي الوظيفي في المنطقة، وهذا لا يفترض بالضرورة القطع مع عملية التسوية، ولا مع مبادرة السلام العربية، وإنما يفترض إعادة صوغ الانخراط العربي في هذه العملية على أساس المسؤولية القومية تجاه الصراع العربي –الإسرائيلي وتجاه الفلسطينيين. وهي معنية أيضا بإدخال عنصر التوازن للعلاقات العربية -الأمريكية عبر الاستفادة من الأوراق العربية واستثمار المصالح الأمريكية في المنطقة، وإعادة صوغ العلاقات العربية على الصعيد الدولي لتكون علاقة متعددة الأطراف.

والعرب هم بحاجة ماسة أيضا في هذه الظروف، لإعادة صياغة سياستهم تجاه العراق، في إطار جهودهم لتعزيز تضامنهم وتفعيل أطرهم القومية، إذ لا يستقيم الحديث عن تضامن سياسي عربي وسياسة عربية فاعلة طالما أن الحساسيات العربية والخلافات الجانبية مستعرة، وطالما أن العراق يتمزق ويستنزف على هذا القدر من الوحشية، ويترك مرتعا للنفوذ الإيراني، على مرأى من العرب.

من كل ذلك يمكننا أن نستخلص بأن مشكلة السياسة العربية لا ترتبط بإسرائيل فقط، كما أنها لا ترتبط بالإطار العالمي، والتوازنات الدولية وبالقطب المهيمن على النظام الدولي فحسب؛ فقبل هذا وذاك، فإن السياسة العربية هي نتاج الواقع العربي: السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والمطلوب قبل تعليق مشاكلنا على مشجب الآخرين، البحث الجدي المسؤول لمعالجة هذه المشاكل، والمطلوب بدل تبرير عجزنا عن مواجهة واقعنا، العمل على تعديل معطيات هذا الواقع واستثمار عوامل القوة الكامنة فيه عبر تحريرها، والعمل على وضع الأسس اللازمة لتغيير الواقع السلبي المكبل للسياسة العربية.

المطلوب قبل كل ذلك مبادرات عربية شجاعة وحكيمة، مبادرة تعيد بناء النظام العربي على أسس تتجاوب مع معطيات العصر، وبمستوى يتلاءم مع التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها العرب. مطلوب مبادرات عربية في مختلف المجالات ولكن هل تتوفر الإرادة لذلك؟.

التعليقات