31/10/2010 - 11:02

عندما يغضب الأمين العام... والجامعة تتوعد!../ عبد اللطيف مهنا

عندما يغضب الأمين العام... والجامعة  تتوعد!../ عبد اللطيف مهنا
في الاجتماع الأخير لمجلس جامعة الدول العربية سمعنا كلاماً رسمياً لا يمكن لأحد في مشارق الأمة ومغاربها إلا التوقف عنده. رئيس المجلس لهذه الدورة الأمير سعود الفيصل قال قولاً صريحاً منذراً، لا يختلف عليه اثنان في هذه المشارق والمغارب، كلاما رسميّا هذه المرة، ربما لم نكن ننتظره هذه الأيام، أو نحن افتقدنا سماع مثله في سنين الأمة العجاف الأخيرة، قال: إن "القضية العربية المركزية، بل الانتماء العربي والهوية العربية باتت كلها على المحك، في ظل انقسامات داخلية بينية خطيرة في العالم العربي، من جهة، وتدخلات إقليمية ودولية تستهدف بسط نفوذها وهيمنتها وخدمة مصالحها على حساب العروبة والعرب من جهة ثانية"، قال هذا، داعياً إلى "المكاشفة والمصارحة كضرورة علاجية للحالة العربية".

ما سمعناه هو كلام لا نملك إلا القول فيه بأنه قد أتى في محله، لكن، كان هناك كلام آخر تردد فكان من شأنه أن طغى على أجواء اجتماع مجلس الجامعة وعم صداه خارجها، وكأنما المؤتمرين لم يقولوا سواه... كلام ينضح بالمفارقات، ويذهب بما يمكن تعليقه من آمال على مردود تحذيرات رئيس المجلس المحقة، ويسير بالحال باتجاه آخر... إنه كل ما كان قد خلص مما دار حول معالجة المجلس لحالة الانقسام الفلسطيني الراهنة التي كثر الكلام عنها في الساحتين الفلسطينية والعربية... أو ما عبر عن جوهره الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى، بالإضافة إلى بعض ما صدر عن رئيس المجلس لهذه الدورة، وكذا البيان الختامي الصادر عنه.

قبل كل شيء، علينا أن نعترف بأن حالة الانقسام الفلسطيني الراهنة، ونحن هنا في هذه العجالة بالذات لسنا بصدد الخوض في مسبباتها، أو تشخيص مقدماتها وما يترتب من نتائجها، فلهذا حديث آخر يمكن الإفاضة فيه، هي أمر مؤسف ومهين وشديد الخطورة، وما من شك في أنه كارثي يلحق أفدح الأذى بالقضية، وهو قطعاً لا يسر مواطناً عربياً، ولا يقبله بل يرفضه المواطن الفلسطيني ويدفع ثمنه على مدار الساعة. وكنا في مقال سابق قد حملنا مسؤولية الراهن الفلسطيني البائس ليس للأوسلويين، أو دعاة الحلول والتفاوض وحدهم، وإنما قلنا أن كافة الفصائل، المساومة منها والمقاومة، وكل من موقعه، يتحمل جزءاً من هذه المسؤولية التاريخية. وقلنا في معرض هذا أن الساكت عن الحق منها هو شيطان أخرس!
الأمر الذي يعني أن ما تنامى لنا من أخبار مجلس الجامعة حول هذا الأمر، أو ما بدر عن الرئيس المجلس والأمين العام، لو كان قد صدر عن أي مواطن عربي أو فلسطيني، لما كان هناك من مجادل فيه. لكنما أن يصدر مثله عن الجامعة تحديداً فهنا مبعث العجب، وجاز لنا فيه القول على طريقة الأقدمين، إن في المسألة قولين!

لقد وجهت الجامعة العربية، ولأول مرة في تاريخها، انذاراً لطرف منها، بعد أن أدانته بوضوح، وحملته وحده المسؤولية عن ما هو فيه، بما يقتضيه هذا من عقاب موعود... إنه الطرف الفلسطيني... كيف؟!
قال الأمير رئيس المجلس: "الفلسطينيون يتحملون المسؤولية" عما هم فيه، معبراً عن خشيته من تعميم الانقسام الفلسطيني على الواقع العربي! وقال الأمين العام للجامعة: "أنا غاضب أشد الغضب على المنظمات الفلسطينية"!
وزاد الاثنان، فقال الأمير منذراً إن مجلس الجامعة قرر "عدم الوقوف مكتوف اليدين" إزاء إحجام الفلسطينيين عن إصلاح ذات البين فيما بينهم. وفسّر هذا الأمين العام بأن هناك عقوبات "ستكون ضد الطرف الذي يعرقل المصالحة، وقد تكون ضد الجميع، أو ضد أي منظمة تعرقل الجهود المصرية" تحديداً!
وأكثر، قال: "سندرس الإجراءات التي ستتخذ ضد الفوضى الفلسطينية الحالية في إطار النظام العربي"!

لما العجب، وأين مكمن المفارقة؟!
الجامعة الغاضبة على لسان أمينها العام، لم تقل لنا مدى مسؤوليتها، أو مسؤولية ما دعاه "النظام العربي" عما دعاها "الفوضى الفلسطينية"، هذه التي سيتخذ هذا النظام الإجراءات الملوح بها ضدها... وحيث يتم تحميل الفلسطينيين وحدهم مسؤولية هذه "الفوضى"، يتم هذا بكلام عام أشبه بالإدانة الجماعية التي تستوجب عقاباً جماعياً، ويعفي الجامعة من تحديد هذه المسؤولية ونسبها وعلى من تقع! مثلاً، أعلى المساوم أم المقاوم؟ على الصامد أم المتنازل المتهاون؟! على المفاوض أم الذي لا يرى في التفاوض سبيلاً لنيل حق؟ على المحاصَر أم على الذي يدفع باتجاه تشديد الحصار عليه؟!
على هذا المحاصر أم على الشق العربي من إحكام محاصرته؟!
ثم من الذي يعرقل هذه المصالحة المنشودة؟!
أهو الطرف الذي يشترط قبول الآخر سلفاً بكل ما اتفق أو سيتفق مع العدو عليه، أم الطرف الذي يرى في هذا قبولاً بتصفية القضية؟ أم كلاهما معاً؟!

نحن هنا لن نتعرض لمصيبة محاولة نفض اليد العربية الرسمية من قضية العرب المركزية في فلسطين، ومنذ أن كانت واقعة تتويج الجامعة لمنظة التحرير "ممثلاً شرعياً وحيداً" التليدة. ولن نتوقف عند توصيف الأمين العام للقضية بـ"النزاع العربي – الإسرائيلي"، وليس كما درج قديماً، أي الصراع العربي – الصهيوني، والفارق بيّن.

والأسئلة كثيرة... لكنما، لم يخبرنا معالي الأمين العام للجامعة عن دور "النظام العربي" الذي يهدد بأنه سيتخذ الإجراءات العقابية ضد "الفوضى الفلسطينية"، في رعاية هذه الفوضى لسنين خلت، بدءاً بمباركة أغلبه لاتفاقية أوسلو الكارثية، وانتهاءً بما أكده لنا بيان المجلس مجدداً من "التزام العرب بالسلام العادل والشامل كخيار إستراتيجي"، رغم تأكيد الأمين العام وهو يتوعد الفلسطينيين بأن "الإجراءات الإسرائيلية توضح أن لا نتيجة لعملية التفاوض، وكل يوم يمر يصعّب من قيام دولة فلسطينية"!

...لم يقل لنا الكثير، وأهمه، لماذا تصمت الجامعة صمت القبور على مهمة الأشقاء في إحكام الحصار على مليون ونصف فلسطيني في غزة؟ وماذا كان منه عندما هدد الوزير أبو الغيط، مثلاً، بكسر رجل كل من يجتاز الحدود منهم مستغيثاً بذوي الرحم؟!

ما هو تعليقه على منع قوافل الإغاثة من الاقتراب من رفح، أو صد المحاولات الشعبية العربية لكسر الحصار؟ لماذا لم يسأل وزير خارجية عراق ما بعد الاحتلال هوشيار زيباري المشارك في المناسبة العتيدة عن أحوال فلسطينيي العراق، الذين تجاهلت محنتهم أمة فوصلت طلائع الناجين منهم إلى البرازيل، وهناك من هم الآن في طريقهم إلى أيسلاندا؟!

لماذا لم نسمع كلمة واحدة عن الاحتلال في العراق، وغاب عن المؤتمرين الصومال، ورفضت فصائل التمرد الدارفوري مستقوية ب"المجتمع الدولي" أو الغربي، وساطة الجامعة واستهانت بها؟!

المشكلة أن هذا ما كان من أخبار الجامعة في مرحلة يعيد العالم جميعه حساباته على ضوء تراجع سطوة البلطجة الأمريكية، وحيث وزير الحرب غيتس يقول للأمريكيين، وصلنا إلى "نهاية اللعبة في العراق"، ويسمعون من الجنرال مايكل مولن رئيس أركان جيوش الاحتلال الأمريكية كلاماً مثل: "أعتقد أننا لا نكسب الحرب في أفغانستان"!

...وحيث العالم من أقصاه إلى أقصاه يتململ رافضاً الهيمنة الأمريكية، ويتابع وقائع بداية دخول الإمبراطورية مرحلة العد العكسي لانحدارها وباعتراف أباطرتها أنفسهم...

...لا يمكن للأمين العام للجامعة العربية أن يبرئ الجامعة من رعاية حالة الانقسام الفلسطيني المشينة، ولا "النظام العربي" من تغذية حالة "الفوضى الفلسطينية"، التي هي جزء من "الفوضى العربية" بامتياز. أو لا يمكنه أن يتجاهل ما اشتكى منه بدايةً رئيس المجلس لهذه الدورة من حال هذا النظام. ولا يمكن لهما أن يتجاهلا، أن الانقسام الفلسطيني، والعربي أيضاً، يدور حول برنامجين، واحدهما مساوم والآخر مقاوم... وعليه، وموضوعياً، كيف في مثل هكذا حالة الكلام عن نهاية لمثل هذا الانقسام؟!

لو أن الأمين العام أجاب على مثل هذه التساؤلات لقال له بسطاء العرب والفلسطينيون لا فض فوك... لكنما بقي أن نقول أن السؤال الذي لم يجب عليه، والذي بدأ الفلسطينيون بطرحه هو: ترى وما نوع هذه العقوبات التي يتوعدهم بها؟!
هل هو، وفي غياب دعم صمودهم، أو في ظل نفض اليد من قضية العرب المركزية، المزيد من الحصار؟!!

التعليقات