31/10/2010 - 11:02

عيون إئتلاف اليمين الاسرائيلي .. اتجاهات ومخاطر!../ ناصر السهلي*

عيون إئتلاف اليمين الاسرائيلي .. اتجاهات ومخاطر!../ ناصر السهلي*
من راقب مشهد الحماسة الذي اعترى فلسطينيو الثمانية وأربعين.. كبارا وصغارا.. في معظم البلدات العربية، في المثلث والجليل على الأقل، يوم كان الجو ماطرا وعاصفا وهم يتنادون للتصويت في انتخابات الكنيست الثامنة عشر ردا على اليمين المتطرف ممثلا بليبرمان ونتنياهو والاحزاب الدينية المتطرفة، كان سيدرك صعوبة ما يجري، وما ستحمله الأيام بالنسبة لهؤلاء الفلسطينيين وعمقهم العربي والفلسطيني.. إدراك قائم على أساس التجربة المعاشة يوميا مع تلك الأحزاب وتوابعها في المؤسسة الرسمية الصهيونية.. بل حتى غير الصهيونية من البعض الذي هبط عليه، ليس فجأة، وحي الانصهار والولاء لـ"الدولة"..

وليكن واضحا بأن قصة الولاء ليست بحاجة للكثير من النقاش، فنحن أمام حالة شاذة مطلوب فيها من الفلسطيني، المفروض عليه كنتيجة لواقع تاريخي أن يكون مواطنا في دولة احتلت ارضه وأحلت آخرين مكانه، القبول وبكل بساطة بما يطرحه ليبرمان الموضوع في الواجهة، ومن ورائه مؤسسة حزبية وقضائية وتشريعية مسيسة حتى النخاع ليجعل من المواطن الفلسطيني حالة إستثنائية تُؤمر فتطيع..

أي أن حالة التهويد والأسرلة هنا يراد لها أن تتم بشكل فظيع ينتهك تماما حقوق السكان الاصليين بتحويلهم إلى مجتمعات هامشية على أرضهم ضمن ما يسمى "دولة اليهود".. سجالات كثيرة دارت وتدور حول المسألة.. لكن كم هو الاهتمام بمخاطر ما يطرحه ليبرمان ( كأداة لإيديولوجية خليطة و أوسع من شخصه)؟ باستثناءات قليلة يمكن القول بأن البعض الذي يرى في الخطاب اليميني المتطرف مجرد شعارات انتخابية سيكتشف متأخرا، إذا لم يدرك مثل هؤلاء الذين توجهوا مبكرا نحو قراءة واضحة لما تعنيه مسألة الأسرلة، حجم الكارثة التي يحملها في جعبته المتعطشون لتنفيذ ما بدؤوا به منذ سنوات وباتت آثاره واضحة حتى في الحد الأدنى من الخدمات والبنى التحتية للمدن العربية المحاصرة والممنوعة من التواصل والتمدد الطبيعي.. قول البعض بأن "الأمر شأن إسرائيلي داخلي" سيصطدم بعدد من المخاطر والممارسات التي ينظر لها هذا الإئتلاف الذي يقدمه نتنياهو داخليا وخارجيا..

إنتهازية "شاس" ربما تزيد المشهد أكثر قتامة وتطرفا.. لكن السؤال المطروح عن عدم قدرة نتنياهو تسويق توليفته الحكومية قد لا تكون في مكانها.. لأسباب كثيرة ومتشعبة.. وقد يصيب البعض في قراءته بأنها حكومة لن تعمر طويلا.. لكن ريثما نكتشف العكس أو نفاجأ برعونة وصفاقة هذا اليمين المتطرف ومخاطره لا بد من السؤال حول ما ستكون عليه السياسة الدولية والعربية والفلسطينية بشأن هذه التوليفة.. وماذا أعد الطرفان الأخيران في مواجهة الاتجاهات اليمينة المتطرفة لحكومة قادمة تحمل رؤوسا عنصرية وتلمودية لا ترى للآخر قيمة..

الترقب الدولي، وتحديدا من طرف الاتحاد الاوربي وحملة الضغط على أوباما للتعامل مع نتنياهو، يحمل شعارا غريبا عجيبا.. في هذا المشهد يتحدثون عن "الحكم على الممارسات والتعامل مع الحكومة المنتخبة ديمقراطيا"!
هذا أمر يستحق التأمل.. فهل أُعطيت الديمقراطية الفلسطينية فرصة للتعامل معها؟ أم أننا شهدنا ما نشهده اليوم من محاولات فرض الشروط الاسرائليلية والدولية والعربية المعتدلة حول "الالتزام بالاتفاقات الموقعة والاعتراف بدولة إسرائيل"؟

لنتخيل كمّ النفاق الذي يسيطر على كواليس صناعة السياسة، فهذا "وزير خارجية" يُدعى أفيغدور ليبرمان هو نفسه الذي هاجر من روسيا وتفوح منه رائحة الفساد الاخلاقي وتسيطر على عقله توجهات عنصرية استعلائية.. هو نفسه الذي ورث سياسة "الترانسفير" عن حالة لا تختلف عن ما شكلته الحركات الارهابية اليهودية وشخوصها مثل مائيير كهانا ورحبعام زئيفي.. بل ومشروع المؤسسة الحاكمة التي ترى في الوجود الفلسطيني "كارثة على يهودية الدولة"..

هو ليبرمان ومن خلفه توليفة برئاسة نتنياهو الذي جربه العالم والعرب في سنوات "أوسلو الأولى" حين إنقلب تماما على كل توقيعات أسلافه.. وهذا أمر بالطبع ممنوع على العرب والفلسطينيين تحديدا.. لا أدري إن كان فعلا لن يُسمح له بالسفر الى القاهرة.. أو الإلتقاء بوزراء خارجية عرب ( سرا وعلنا) ولا حتى مع البعض الفلسطيني الذي رأى فيه " رجل سلام" في سابقة تصدم المعقول..

هل السد العالي في مأمن؟
هذا سؤال موجه للدبلوماسية المصرية.. وللدولة ذات السيادة التي ترى في كامب دافيد نصوصا مقدسة.. كما ترى في اتفاقية المعابر..

هل دمشق وبيروت في منأى من رعونة هذه التوليفة اليمينية المتطرفة؟.. هو سؤال يحتاج إلى فهم عربي أوسع لمعنى "المبادرة العربية" التي تقدم وبمجانية تمسكا فولاذيا بها رغم كل الممارسات اليومية على الأرض من نهب وفرض الاستيطان، ليس في القدس فقط، بل حتى في مصادرة عشرات آلاف الدونمات داخل الخط الأخضر.. وبدت المواقف واضحة من مسألة الجولان قبل وصول نتنياهو..

هل طهران، التي يدعو أشكنازي جيشه للتأهب للإنقضاض عليها، في منأى من جنون التطرف اليميني؟
سؤال يترافق ورأي جون بولتون في ضرورة التركيز على طهران بدل أن تحاول السياسة الأميركية تنشيط "العملية" بين الفلسطينيين والاسرائيليين..

الحالة الفلسطينية التي يتعامل معها أولمرت بلقطات ولقاءات فارغة المضمون، ستكون ربما حالة مختلفة في فترة هذا اليمين المتطرف... فغزة التي يستمر ابتزاز شعبها من أجل شاليط بينما لم يجف الدم المسفوك هناك، ولم يقدم أحد رواية واضحة وصريحة عن آلاف الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين.. فمقابل شاليط يعلم الجميع كم في المعتقلات الاسرائيلية.. والسجون الكبيرة من غزة حتى جنين.. وإزدياد الاستيطان والنهب وحتى الاعتقال منذ ما سمي "أنابوليس"..

غزة مهددة مرة أخرى.. وقد مرت دعوة ليبرمان لالقاء قنبلة نووية هناك وقتل أهلها جميعا مرور الكرام في هذا المجتمع الدولي الذي يتوقف عند كل تصريح عربي وفلسطيني.. والقدس لن تكون أقل تهويدا في زمن هذا اليمين المتطرف.. فلنتذكر شارون وحرب التلال التي أطلق من خلالها أيدي عتاة التطرف لإحتلال أعالي القرى والمدن الفلسطينية في الضفة.. فهل تلاميذ شارون سيكونوا أقل تطرفا من المعلم؟

نعود للنفاق السياسي الغربي في مسألة "منح الفرصة".. فمنح الفرصة تعني شيئا سخيفا في سياسة مجربة، سياسة لم تمنع تدمير غزة ولا استمرار المشروع الاستيطاني ولا زيارات قناصل الغرب الى الأحياء العربية في القدس التي يجري تجريفها دون تطبيق ولو بسيط للقانون الدولي واتفاقيات جنيف.. في هذا النفاق سنجد أن الاشتراطات التعجيزية لن تنصب إلا على الجانب الفلسطيني بكل أطيافه وخصوصا الرسمية في السلطة للتساوق والقبول بـ" منح حكومة اسرائيل الفرصة".. ولن يكون غريبا أن نرى لعقا لكل الاشتراطات قبل "العودة لطاولة التفاوض".. وكأن هناك حقا من يصدق بأن ما يجري هو تفاوض وليس عملية إعلامية وقصة خداع تستمر فصولها ربما حتى بعد أن نجد ليبرمان يطرح حلوله العنصرية والترحيلية!

أشك، وهو مجرد شك قائم على تسريبات من "المفاوضات الداخلية الفلسطينية"، بأن الساحة الفلسطينية ستبقى تراوح مكانها رغم كل التفاؤل الذي يصدره البعض لجمهور سئم مجريات رتيبة في العلاقات الداخلية!

في الداخل الفلسطيني، ليس الخطر أقل مما هو عليه اليوم.. بل قد يتصاعد بشكل هيستيري يطلق فيه العنان لعتاة التطرف واليمين باعتبار فلسطينيي الداخل " طابورا خامسا" في قراءة ليبرمان والاحزاب الصهيونية.. وهو تحريض لا يمكن أن يمر لو كان يصدر عن سياسي عربي.. يبدو أن المعادلة التي تتبع سياسة النعامة أكثر خطورة من فكر وممارسات اليمين، لأنها سياسة تسهل تنفيذ ما يفكر به العنصريون الذين لا يرون قيمة لحياة أكثر من 20 % من سكان الأرض.. وهم أصحاب الارض الاصليون قبل تسلل ولصوصية هؤلاء الذين ينهبون معظم مقومات حياة هؤلاء فوق أرضهم التاريخية..

يتحمل الوضع الدولي مسؤولياته فقط في حالة أن أقلع العرب والفلسطينيين منهم عن سياسة دس الرأس في الرمل والانتباه لما يخططه وينفذه مجموعة من الفاسدين أخلاقيا وسياسيا وانسانيا... بوس اللحى وتطييب الخواطر لا تسري على حقوق تاريخية وعدالة الحقوق وفيهما تكمن القوة في الموقف إن جرى التمسك به وفضح كل الممارسات والاخطار التي يحملها رأس ليبرمان وتحالفاته.. ولا تنطلي قصة الملاحقة القضائية له أو المراهنة على أنها حكومة لن تستمر.. فكل يوم وساعة تعني زيادة في المخاطر!

التعليقات