31/10/2010 - 11:02

"فائدة" القضية الفلسطينية../ حسام عيتاني

إذا وُضعت القرارات والمواقف الإسرائيلية المتعلقة بالصراع مع الفلسطينيين جنباً الى جنب، منذ انتخاب بنيامين نتنياهو رئيساً للوزراء قبل ستة اشهر، لظهرت ملامح حملة منظمة لا تخطئها العين للقضاء على ما تبقى من حقوق فلسطينية.

من الامتناع عن اتخاذ أي إجراء عملي لتفكيك «المستوطنات العشوائية» أو «مواقع التلال» الاستيطانية في الضفة الغربية الى قرار وزير التعليم الإسرائيلي بحذف ما يشير الى نكبة 1948 في المقررات الدراسية لتلامذة الوسط العربي في إسرائيل، مروراً بتغيير أسماء المواقع العربية وتكثيف البناء في القدس الشرقية على نحو غير مسبوق. اما أحدث ما تفتق عنه الذهن التوسعي فهو خطة لبناء آلاف الوحدات السكنية بين القدس وكتلة معاليه ادوميم الاستيطانية الضخمة في الضفة.

ما من ساذج سيقبل الترّهات التي يرددها نتنياهو وأعضاء حكومته من ان ضرورات النمو الطبيعي هي التي أملت إطلاق هذه الحملة الجديدة من الاستيطان والتهويد، وما من عاقل يقبل بتصور إسرائيل لحقوق البناء المنفلت من عقاله في أراض محتلة من الغير وصدر في شأنها ما لا يحصى من قرارات عن كل الهيئات الدولية من مجلس الأمن الى محكمة العدل الدولية (قرار عدم شرعية الجدار الفاصل) الى الاونيسكو وغيرها، بأن تلك الحقوق تنتمي الى ممارسة دولة لسيادتها على أرضها.

إذاً، ما من ضرورات لهذه الموجة الاستيطانية غير ضرورات الحكومة الإسرائيلية وأحزاب اليمين المتطرف التي تسيرها. ويجوز الاعتقاد بأن القرارات التي تتوالى بوتيرة سريعة في الأسابيع الماضية، تشكل الجزء التنفيذي من خطاب نتنياهو أمام جامعة بار ايلان في حزيران (يونيو) الماضي. فنزع الهوية الفلسطينية – العربية عن المكان ومن الذاكرة، يسير يداً بيد مع الحؤول دون قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ولا يخرج الكلام هذا من حيز البداهات سوى في مقارنته بلا فاعلية الردود العربية. والمشكلة لا تكمن في ما يفعل أو لا يفعل الإسرائيليون في ارض استولوا عليها بالقوة والسلاح، بل في أحوال من يطالب باستعادة الأرض تلك ليصطدم مع كل محاولة بحقائق واقعه السياسي المجزأ والحاضن لشتى صنوف الصراعات.

مقارنة الاندفاعة الإسرائيلية الحالية وضآلة ردود الفعل العربية (من معسكري الممانعة والاعتدال ومن القوى الفلسطينية ذاتها، من دون تفريق أو تحيز)، يمكن الاستنتاج أن مسألة القدس والأراضي المحتلة والقضية الفلسطينية عموماً، لا تشكل همّاً حقيقياً خارج أطر الاستغلال السياسي الآني والمباشر. بل لعل ليس من المبالغة القول إن الصمت المخيم على المقرات العربية الرسمية وعلى المقاومات بألوانها المختلفة، يعلن أن ما تطرحه القضية الفلسطينية في المرحلة الحالية يتجاوز قدرات العرب ليس على الفعل فحسب (فهذه تم تجاوزها منذ زمن بعيد)، بل حتى على الإدراك والإحاطة العقلانية والسياسية. ولم تعد القضية هذه تنفع حتى في مجالات التعبئة اللفظية والحملات الإعلامية المتبادلة التي شكلت ظاهرة راسخة في السياسات العربية على امتداد عقود من الزمن.

القضية الفلسطينية لم تعد مفيدة، من وجهة النظر العربية التقليدية المقيمة بين حدي المزايدة واللغو وبين البحث العبثي عن تنازلات إسرائيلية لن تأتي. عليه، لا عجب في أن يشعر نتنياهو بأن يديه طليقتان يفعل ما يشاء من دون أن يعبأ بتحذيرات واعتراضات أميركية يعلن أصحابها انهم لن يحولوها الى عقوبات.
"الحياة"

التعليقات