31/10/2010 - 11:02

فرحة العيد تستثني غزة!../ محمود المبارك*

فرحة العيد تستثني غزة!../ محمود المبارك*
حين كنا صغاراً كانت فرحة العيد عندنا هي استلام «العيدية» من الأقارب، وهو مبلغ متواضع يعطى من الكبار للصغار، يتجمع منه في النهاية مبلغ لا بأس به. لم تكن هذه العادة الاجتماعية الرائعة – التي لا تزال قائمة بحمد الله - مقصورة على الصغار، وإنما كانت تطاول الفقراء أيضاً لإشراكهم في فرحة العيد.

اليوم، ونحن نقف على أبواب عيد الأضحى المبارك، يعقد تسعون وفداً من «الكبار» مؤتمراً دولياً في باريس لمنح «عيدية» للدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها. يأتي هذا المؤتمر، الذي يتوقع أن يقدم قرابة سبعة بلايين دولار، خطوة أولى نحو إثبات «جدية» المفاوضات بين الفريقين الإسرائيلي والفلسطيني لإنشاء دولة فلسطينية قبل نهاية عام 2008.

وعلى رغم محبتي «للعيدية» التي طالما أدخلت السرور على قلبي صغيراً، وتقديري لهذا المبلغ الهائل الذي سيُجمع في هذا المؤتمر للصغيرة فلسطين، إلا أنني أتوجس خيفة من نتائج هذا المؤتمر الدولي، لسببين مهمين:

السبب الأول هو أن هذه المبالغ المجموعة يراد منها خلق البنية التحتية للأراضي الفلسطينية، وهو أمر في الأصل كان يجب أن تتحمله الدولة المحتلة وحدها بموجب القوانين الدولية. يؤكد هذا الخطة التي تقدمت بها حكومة فياض وأطلقت عليها اسم «خطة التنمية والإصلاح الفلسطينية» PRDP، التي ترمي إلى بناء المقومات الاقتصادية في سبيل إنشاء الدولة الفلسطينية، وتقع في 59 صفحة، والتي حظيت بموافقة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وتبعاً لذلك، ربما بات واضحاً أن في مساهمة الدول جميعاً في مثل هذا المشروع مقدمة لفك ارتباط الأراضي المحتلة بإسرائيل كدولة محتلة، لتتمكن السلطة الفلسطينية من تنفيذ هذه الخطة بعد إقامة دولتها المنتظرة، كما تم الاتفاق عليه في مؤتمر أنابوليس. ولكن النتيجة التي يجب ألا تخفى، هي أن قيام دولة فلسطينية إنما سمح به في هذا الوقت لتسهيل إعلان أن إسرائيل «دولة يهودية»، ثم تبعاً لذلك يتم طرد من تبقى من العرب داخل الأراضي الإسرائيلية.

فالخطة الإسرائيلية إذاً، هي خلق دولة فلسطينية محدودة السيادة، بأموال دولية، تقتصر على الضفة والقطاع ولا تشمل القدس الشرقية. بعد ذلك تقوم الدول الغربية بالاعتراف رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل، لأنه إذا رضي الفلسطينيون بدولتهم المعلنة فلن يبقى مجال للمطالبة ببقية الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالواقع إذاً أن هذا المبلغ المجموع اليوم هو أقرب إلى «الرشوة» منه إلى «العيدية»!

السبب الآخر المخيف في هذا المؤتمر - الذي ستشارك فيه الدول على مستوى وزراء خارجيتها – هو أن هذا المبلغ المرصود قد يراد منه زيادة الشقة داخل الصف الفلسطيني. ذلك أن المبالغ المجموعة سوف تُعطَى للرئيس محمود عباس وحكومته حصرياً، وتبعاً لذلك لا يتوقع أن يصل شيء منها إلى قطاع غزة.

وعلى رغم أن الخطة التي تقدمت بها حكومة فياض تغطي حاجيات الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أنه في ظل القطيعة الموجودة بين «حماس» والسلطة، لا يتوقع لحكومة عباس أن تتمكن من ترسية أي مشروع في قطاع غزة. بل إن مصادر فرنسية أفادت بأنه تم أخذ ضمانات على السلطة الفلسطينية بألا تستخدم الأموال المخصصة لقطاع غزة في تمويل حركة «حماس».

ولعل هذا هو السبب في تغيير اسم هذا المؤتمر، حيث كان الاسم الذي أطلق عليه سابقاً هو «المؤتمر الدولي للأطراف المانحة للأراضي الفلسطينية»، إلا أن المتحدث باسم الرئاسة الفرنسية أعلن يوم الخميس الماضي تغيير هذا الاسم ليصبح «مؤتمر الأطراف المانحة للدولة الفلسطينية». إذ المدلول القانوني مختلف في الاسمين، فكلمة «الأراضي الفلسطينية» تشمل إعطاء المنح لقطاع غزة أيضاً، وهو أمر لا تريده الدول الغربية في ظل هيمنة «حماس» على القطاع، أما كلمة «الدولة الفلسطينية» فيكفي فيه إعطاء المنح للحكومة المعنية.

غني عن القول أنه، وبسبب الحصار الشامل، فإن قطاع غزة اليوم أشد حاجة للمعونة الاقتصادية من الضفة الغربية. فالأوضاع الاقتصادية والطبية والبيئية في غزة بسبب الحصار الاقتصادي والعسكري من إسرائيل، وبسبب القطيعة مع الضفة، فضلاً عن استمرار الاعتداءات الوحشية الإسرائيلية على قطاع غزة، وقفل المعابر مع العالم الخارجي، أسوأ مما يتخيله أحد، إذ تشير كل التقارير الدولية إلى أن قطاع غزة يتجه نحو كارثة عما قريب.

فغزة تموت اليوم جوعاً ومرضاً وقهراً سياسياً، حيث يعيش أكثر من ثلثي مواطنيها تحت خط الفقر، وتصل البطالة إلى نسبة 60 في المئة، وحتى الذين يعملون لا يجدون رواتب بسبب الحصار المالي، ولكن هذا كله ليس كافياً لأن يلفت نظر المؤتمرين في باريس اليوم، وتبعاً لذلك فلن تكون لغزة نظرة عطف في هذا المؤتمر ما دامت تقبع تحت سيطرة «حماس».

ومن يدري... فربما كانت الدول المانحة ترى أن «حماس» التي احتفلت لتوها بعيد ميلادها العشرين قد بلغت سن الرشد ولم تعد في حاجة إلى «عيدية» الصغار!
"الحياة"

التعليقات