31/10/2010 - 11:02

فريق أوسلو وتحديات قضايا الحل النهائي../ عوني فرسخ

فريق أوسلو وتحديات قضايا الحل النهائي../ عوني فرسخ
لم يكد لقاء انابولس ينفض، وقبل أن يصل المشاركون فيه بلدانهم، حتى صعدت آلة الحرب الصهيونية عدوانها على قطاع غزة المحاصر بقرار دولي، واستشرى الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة. وكأن أولمرت أراد تأكيد انتصاره في لقائه ممثلي ستة عشر نظاما عربيا من دون أن يقدم أي تنازل مؤلم أو غير مؤلم. وحين تبدي وزيرة الخارجية الامريكية خشيتها من أن يعيق الاستيطان “عملية السلام” ولا تشجبه، وتسكت عن توالي الغارات على القطاع، والتداعيات الخطرة للامتناع عن تزويده بالبترول، ما يدل على تقبل إدارتها للعدوان الصهيوني، بل وإجازته.

وبالمقابل يكاد يجمع الاعلاميون والمحللون على أن الرئيس محمود عباس واركان فريق اوسلو الذين صحبوه للقاء “التاريخي”، على حد تعبيره، لم يعودوا من دون خفي حنين فقط، وانما كانوا اكثر شهود اللقاء خسارة. فضلا عن التقريع الذي ناله الرئيس والسيد احمد قريع من وزيرتي الخارجية الامريكية و”الاسرائيلية”، كما ذكرت الصحافة “الاسرائيلية” وضمنه مقاله الاسبوعي فهمي هويدي يوم 4/12/،2007 ولم ينفه احد من الناطقين باسم السلطة على كثرة ما يصرحون به.

ولم يكن ما تعرض له أبو مازن وأبو علاء خطأ دبلوماسيا عفويا، وانما قصد به تعميق شعور اركان فريق اوسلو بالانكسار والهزيمة، الذي تحكم بمواقفهم التفاوضية، وتأصيل إدراكهم أنه يمتنع عليهم الاعتراض على ما يطلب إليهم توقيعه، أو التردد في تنفيذ اجراءات تصفية قوى الممانعة والمقاومة على اختلاف مستوياتها وتباين انتماءاتها. وذلك لتوفير أجواء الاستسلام الأكثر ملاءمة للقبول الطوعي بالحلول الصهيونية، المسوقة امريكياً، لقضايا القدس، واللاجئين، والمستوطنات، والحدود، وتبادل الأراضي، وتداعيات اعتبار “اسرائيل” “دولة يهودية”، وتنفيذ المهام المطلوبة من “دولة” فلسطين، وما قد يستجد من المطالب الصهيونية التي لا تتوقف عند حد.

ويعلمنا تاريخ صراعات الشعوب مع مشاريع الاستعمار الاستيطاني العنصري استحالة حلها بالتنازلات المتبادلة، وأنها تفجر معارك “صفرية” يحسمها أقدر الطرفين لمصلحته. وفي ضوء القراءة الموضوعية لحقائق الصراع ومسيرته التاريخية ما يدل على أن إرادة الممانعة والمقاومة العربية في خط صاعد، وإن أداء قيادتها في إدارة الصراع حقق تطورا كيفيا يؤشر لاحتمالات واعدة. مما يجعل في حكم اليقين أن ما قد يقبله الذين أدمنوا تقديم التنازلات لن يكتب له البقاء. إلا انه سيكون له تأثيره في إطالة زمن الصراع والمعاناة وإعاقة الوصول للحسم الذي اعتاده الشعب العربي مع الغزاة عبر تاريخه الممتد. وعلى ذلك يغدو مهما بحث آلية لجم اندفاعة المهرولين الى “مفاوضات” محسومة النتائج سلفا بحكم عجز فريق أوسلو المحتكر إدارتها عن قراءة الواقع بموضوعية وتوظيف قدرات شعبه في إدارة الصراع.

ولا خلاف مطلقا أنه على الرغم من نكسة “إسرائيل” في جنوبي لبنان صيف 2006 والتراجع البين في هيبة وقدرات الإدارة الامريكية بتأثير مأزقها في العراق وافغانستان، إلا أن التحالف الأمريكي الصهيوني لما يزل قادرا على ادارة الصراع بما يمكنه من جني المزيد من الارباح بما يسهم في انتشال “اسرائيل”، وليس حكومة أولمرت فقط، من نكستها، واستعادة ادارة الرئيس بوش بعض ما قد يعزز فرص حزبه الجمهوري في انتخابات العام القادم. ومن هنا تتضح دواعي الترحيب الأمريكي الصهيوني بإعلان استئناف المفاوضات بعد الأعياد.

وليس صحيحا أن الافق امام فريق اوسلو مسدود، لأن الواقع المأزوم ما كان قدرا محتوما أمام الإرادة الفاعلة عبر التاريخ الانساني. وبدل الانخراط في المفاوضات برغم الاختلال الصارخ لموازين القوى، بإمكانه اتخاذ ما يقلب ضعفه الراهن لقوة منتجة، بالتوجه لتدعيم الموقف الوطني وترك تداعيات النكسة تحدث مفاعيلها في الساحتين المأزومتين الأمريكية والصهيونية، واستغلال الفرصة التاريخية المواتية. وليس عسيرا امتلاك زمام المبادرة الاستراتيجية بالمراجعة الصادقة لأسباب الضعف التي يراهن عليها أركان التحالف المضاد في تجاوز مأزقهم الراهن.

ويعلمنا التاريخ الانساني، فضلا عن تاريخ شعبنا العربي، أن أول مصادر القوة في حال الخلل في ميزان القدرات والادوار لمصلحة العدو، التمسك العنيد بالثوابت الوطنية، والإصرار على عدم التفريط في أي منها. وفي فشل التحالف المضاد بحسم الصراع سنة ،1948 أمام اعلان اللاجئين “لا” مدوية لكل مشاريع الاسكان والتوطين والتفريط في حق العودة. ولأن جميع محاولات الصلح تكسرت على صخرة التمسك العنيد بتنفيذ القرار 194 كاملا غير منقوص، نجحت القوى المناصرة للحق العربي في توالي إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات تأكيده حتى اكتسب قوة القانون الدولي العام.

والصامدون في أرضهم، على قلتهم وتصعيد الاجراءات العنصرية ضدهم، وإخضاعهم لحكم عسكري لا يرحم، اعلنوها “لا” مدوية للتماهي بالعدو و”ألاسرلة”، مؤكدين التزامهم بانتمائهم القومي وكامل حقوقهم كمواطنين، وأنهم وحدهم اصحاب الوجود الشرعي والطبيعي في أرض آبائهم وأجدادهم. وبصمودهم غدوا “القنبلة الديمغرافية”، المؤكد أن تفشل مشروع “الدولة اليهودية”.

وفريق اوسلو لم يعد امامه إلا أن يحسم أمره في مواجهة خيار ثلاثي الابعاد: إما القبول بما يملى عليه في قضايا الحل النهائي فيسقط وطنياً. أو الامتناع في اللحظة الاخيرة، كما فعل الرئيس عرفات، فيلقى مصيرا مشابها. او الاستقواء بشعبه العصية إرادته على الاستلاب. وتظل تناقضاته مع من يخاصمهم في ساحته ثانوية قياسا بالتناقض الرئيسي والعدائي مع العدو التاريخي لشعبه وأمته. وليأخذ في حسبانه ان في الشتات الفلسطيني، كما في الوطن المحتل، طاقة نضالية، اثبتت فعاليتها في مواجهة كل التحديات، وليس ينقصها سوى القيادة القادرة على قراءة الواقع بموضوعية والانفتاح على مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري، وصولا للجبهة الوطنية الملتزمة بالثوابت، والقادرة على فرض ارادتها في إحقاق الحد الادنى من الحقوق المشروعة، والتأسيس لاستيفاء ما يتبقى منها. وليس مثال الانسحاب من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات فيه ببعيد. وهل تواصل احتلال الضفة لو وجهت كل البنادق لجنود العدو ومستوطنيه ولم يسَخر مرتزقة السلطة في حفظ “أمن” “اسرائيل” مقابل “المعونات” الأوروبية والأمريكية؟ والسؤال الأخير: هل يملك اركان فريق أوسلو إرادة مراجعة نهجهم الكارثي أم أذل الحرص على المراكز والمكاسب أعناق الرجال؟!
"الخليج"

التعليقات