31/10/2010 - 11:02

فساد الفرد فساد الكل ما لم يعالجه الجميع؟!!/ رامي مهداوي*

فساد الفرد فساد الكل ما لم يعالجه الجميع؟!!/ رامي مهداوي*
أبي فلاح بسيط يمتلك رؤية خاصة به في علاج الأمراض.. السياسة...الخضار والفواكه، وفي إحدى الأيام بينما كان يضع حبات البرتقال في الصناديق قال لي: "يا أبني لا تضع الحب "لخربان"في الصندوق، لأن الحبة الخربانة ستؤثر على الحبات المناح".

هكذا أبي كان يعالج الفاسد من حبات البرتقال، وذلك عن طريق إخراج تلك الحبات حتى لا تتأثر الحبات الأخرى بالخراب، فمعالجة الموضوع بالسرعة المطلوبة ودون النظر الى الخسائر الآنية، بل قل النظر الى المكاسب المستقبلية هي من أهم الخطوات التي كان يمتلكها ذلك الفلاح.

إذا انتقلت من البرتقال الى مؤسسات الدولة .. المجتمع المدني والأهلي والنقابي... والأحزاب وبدأنا بالتفكير هل الفساد يهبط من السماء؟! أم إفراز طبيعي لواقع أنتجته التجربة، حيث تتسلم هذه السلطة مسؤولية إدارة شؤون المجتمع بمختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والأمنية، وتستحوذ على كل مقدرات المجتمع من أصغر الوظائف إلى أكبر المسؤوليات، في ظل غياب أو لنقل تغايب فاضح لمعايير الكفاءة والمساواة في المواطنة، ليدخل كم كبير من فاقدي شروط الأهلية إلى الكيان الذي تم تأسيسه وفق شروط الواسطة والمحسوبية والاستزلام والولاءات غير المبدئية، الأمر الذي يؤدي إلى إقصاء باقي مكونات المجتمع من الدخول بشؤون هذا البلد الذي يبدو ضمن هذه المعايير كأنه مزرعة خاصة يجب أن يوزع ريعها على من يمتلكون زمام السلطة والموالين لهم، وهذا يجعل كل وزارة أو مؤسسة غير حكومية وغير ربحية _ الربح العام، لكن الخاص كل في جيبه_ أشبه بالنظام البتريمونيالي في بعض الدول لكنه بشكل أصغر هنا.

لهذا أرى أن الثابت هو الأكثر على قبول أو مواكبة الفساد"دون الخوض في تفسير ما هو الفساد وما هي نسبته" خصوصاً عند تنفيذ خطط غير معروفة الى أين ستتجه ومليئة بالأخطاء البنيوية والأدائية، وذلك بالاعتماد الكلي على كتيبة أو عصبة انتهازية أو/و أنصار يقاتلون للحصول على امتيازات ومكاسب غير شرعية دون أي حق، والفوز المظهري على الآخرين من خلال الدعم الأعمى للنظام.. المدير ... الرئيس.. الإمام... الأب.. العريف مع الأخذ في عين الاعتبار عدم انقطاع أو المساس بالغنائم ؛ ومن هنا يبدأ المساس بحقوق الموظف أو المواطن باسم القوانين والعدالة الإجتماعية!!

وهنا يأخذني التفكير بأن أي سلطة بأنواعها وأشكالها_ سياسية، دينية، اجتماعية، اقتصادية، العلاقات، المصالح_تفرض بخلقها قيماً للحفاظ على ذاتها ومصالحها، وتعزيز وتقوية القطعان التبعية من دائرة لدائرة، المثقف، المدير المالي، الوزير الرباني، الإمام العادل... السفير السابق.. المناضل "اللي بضرب على المدفعية" أيام بيروت، الرفيق السابق، الأخت المناضلة الأصيلة في العطاء...الى أن يصل المواطن الغلبان ليقول بعد قراءته مقال مثقف مدير وصاحب مؤسسة مجتمعية فاسدة "هذا الرجل سأنتخبه في الإنتخابات التشريعية القادمة".

لكن ما هي نتائج الفاسدين والفاسدات على مختلف الأصعدة والمستويات في أي بلد كان الفقير أم الغني أو حتى في المنظمات الدولية والمؤسسات الأهلية؟!

- لن تنجح أي خطة تنموية أو استثمارية بناءة على صعيد الدولة، والنتيجة لا تنمية مع الفاسدين/ات.

- الفساد هو العائلة الشرعية لولادة حكم المافيا، ولا حكم قانون في ظل الفساد، بل سينتج الفساد أبناء عموم له باسم سلطة ثالثة"أحزب، جماعات المصالح، أصحاب الأموال..." وجميعهم يتغذون على الفساد كالفطريات على ظهر الحوت.

-إذا تمأسس الفساد فإن كل من الشفافية الإدارية والمالية والمحاسبة والمتابعة واختيار الأمناء دائما وتعديل المكافآت والحوافز والعقوبات وتطوير أنظمة المعلومات والتحري يذهب الى سلة المهملات.

وهنا يلد في ذهني بعض الأسئلة : إلى أي حد تلتزم الإدارة بنظام قوي للمراقبة الداخلية؟ هل هناك نظام مناسب لكتابة التقارير بين الوحدات التنظيمية؟ ما درجة الأمانة والكفاءة لدى الموظفين؟ هل السياسات والإجراءات واضحة؟ هل السلطات محددة وموزعة بطريقة صحيحة؟ وهل إجراءات الميزانية وإعداد التقارير تطبق على نحو سليم وفعال؟ هل يترتب على المخالفات والفساد مخاطر وعقوبات معقولة؟.

لكن كيف نعالج هذا المرض؟

لماذا لا نفصل حبات البرتقال الفاسدة عن الحبات الجيدة كبداية سريعة، ثم نحاول استئصال الجزء المعطب من تلك الحبات، وإن لم تتجاوب بالطريقة المرسومة "الصحية" علينا التضحية بهم رغم إدراكنا بالخسارة، لكن كلي ثقة بأن الخسارة لن تكون 100%. لذلك علينا العلاج السريع، قبل أن نفقد أرض البرتقال.

لا بد من الاعتراف صراحة بالمصالح الخاصة المكتسبة وفهمها وإدراك أن النخب المحلية الخاصة تمارس في بعض الأحيان نفوذاً غير مبرر ضد إصلاحات نظام الإدارة العامة. فلكي تنجح الإصلاحات ينبغي أن تكون هناك من ضمن المشهد السياسي المحلي قيادة محلية للتغلب على الضغوط التي تقف في وجه الإصلاحات من أعضاء في القطاعين العام والخاص. ولا شك في أن مضاعفة الجهود الدولية أمر حاسم الأهمية، لكن هذه الجهود لن تنجح دون قيادة وتصميم من داخل البلد المعني نفسه.

ما هو دور المواطن العادي في علاج هذا المرض ؟

لا يمكن لجهود مكافحة الفساد أن تنجح عن طريق أعمال تقوم بها بعض المؤسسات الحكومية أو الغير حكومية. فلا بد أن يشارك في هذه الجهود المجتمع المدني ووسائل الإعلام والبرلمان والجهاز القضائي والقطاع الخاص، بشكل يعطي لكل جهة من هذه الجهات صوتاً وقدرة على الفعل. ويمكن لطرق مبتكرة لإشراك المواطنين على المستوى المحلي للعمل مع بلدياتهم لتحسين نظام الإدارة العامة وضبط الفساد أن تكون فعالة جداً - كما في حالة مشروع كبير يصل قرىً إندونيسية كثيرة أو في حالة عملية وضع الموازنة بطريقة تشاركية في بورتو أليغيري في البرازيل.

الإنعتاق من الفساد هو الموازي للتحرر من الاحتلال إن لم يكن أكثر أهمية لمفهوم التحرر الداخلي، لن ادخل في الجدل هذا فهناك العديد من الكتب المحلية أو الدولية حول أهمية من في البدء للتحرر، لكن الأهم الإجابة من يقوم في عملية التحرر؟؟ من يقاتل الاحتلال وكيف ومتى؟ ومن يعالج الفساد؟ كيف ؟ وهل يحق للخائن أن يناضل؟ والحق للفاسد أن يعالج الفساد مع التذكير في إحدى مقالاتي السابقة رفعت شعار" لا يصلح الفساد إلا الفاسد".

في النهاية لا بد أن أتذكر كم هي حباّت البرتقال التي فقدها أبي لكنه حافظ على "البيارة" وهو يقول" الله بعوض.. بس هيك أنا بكون حافظت عليكم في المستقبل!!؟"، لذلك عليهم البدء في المحاسبة وخسارة جزء من بعض رجال دولتنا للحفاظ على مستقبل أرضنا وشبابنا.



* رامي مهداوي- المركز الفلسطيني لنشر الديمقراطية وتطوير المجتمع

التعليقات