31/10/2010 - 11:02

فلسطينيو لبنان بين إعلان فلسطين وخيار الغفران../ محمود العلي*

فلسطينيو لبنان بين إعلان فلسطين وخيار الغفران../ محمود العلي*
بعدما نجح اللاجئون الفلسطينيون في لبنان عام 1969 وبدعم من المقاومة الفلسطينية في القيام بانتفاضة المخيمات لرفع الضيم والظلم عنهم، تمّ استخدام هؤلاء وبموافقتهم كوقود حي ورافعة موثوقة في سياق النضال الوطني.

لم يؤسس فلسطينيو لبنان حينها سياسات خاصة بهم، وإنما ساهموا على الدوام في تنفيذ السياسات التي ارتأتها قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية بمحاسنها ومساوئها، وانتهت تلك المرحلة بخروج الفصائل الفلسطينية من لبنان اثر الاجتياح الصهيوني عام 1982.

وقد أدى الاجتياح الى ان يستبيح الفلسطينيين المدنيين أطراف متعددة اولها إسرائيل، وثانيها عملاؤها من القوات المتحالفة معها، وثالثها السلطة اللبنانية الرسمية، السلطة الرسمية التي استحوذت على مواقعها الفاعلة، أطراف كانت ولا زالت شديدة الريبة من الفلسطينيين، بل وشديدة الحقد عليهم.

ولم تقف أشكال الاستباحة عند مجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبها عملاء اسرائيل الذين لبسوا حللا جديدة للديمقراطية في اللحظة الراهنة، وانما جرى قتل الآلاف من اللاجئين المدنيين ودفنهم وإخفاؤهم.

إن القيادة الفلسطينية الرسمية آنذاك خذلت اللاجئين المدنيين، ولم توفر لهم الضمانات الكافية لحمايتهم بعد الخروج من لبنان. كما أن الفلسطينيين لاحقا دفعوا أثمانا غالية نتيجة للنزاع الذي اندلع بين القيادة الرسمية الفلسطينية والقيادة السورية، ما أدى إلى حرب المخيمات التي اتخذت شكل النزاع مع المحيط ممثلاً بحركة "أمل" من جهة، ومن ثم النزاع في الداخل بين الفصائل الفلسطينية ذاتها من جهة أخرى. وقد أدت هذه المواجهات الى اختطاف الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين وقتلهم أيضاً، عدا عن تدمير المنازل والممتلكات واستباحة الأعراض خارج المخيمات.

ولم يتوقف استهداف الفلسطينيين المدنيين الا بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في الداخل، وبعدما تيقنت القوى الفاعلة لبنانيا وإقليميا، أن القوى الفلسطينية المختلفة ما عاد لها نفوذ يذكر في السياسات اللبنانية. ان هذه الاشارات تهدف الى القاء الضوء على الثمن الباهظ الذي دفعه المدنيون الفلسطينيون لسياسات لم يشاركوا في صوغها، كما لم تتم قطعا استشارتهم بشأنها.

لقد فشلت المحاولات كافة التي أجرتها الفصائل الفلسطينية والكتل والتحالفات المتنوعة، فشلت في انتزاع مكاسب حقيقية تعيد الثقة والاطمئنان والكرامة الإنسانية للاجئي فلسطين في لبنان. ويبدو أن المشكلتين الأساسيتين اللتين تواجهان الفصائل الفلسطينية في لبنان تتمثلان في محورين:

أ ـ المحور الأول: عدم بلورة مقاربة موحدة للفصائل الفلسطينية المختلفة، لمعالجة مشاكل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على الصعد كافة. وربما مثلت مأساة مخيم نهر البارد نموذجاً عن الإشكالية التي لخصت كيفية معالجة الوضع هناك.

ب ـ المحور الثاني: تجاوز جوهر هواجس الشعب وهمومه لمصلحة تحسين صورة الأطراف الفلسطينية التي انتدبت نفسها لتمثيل الفلسطينيين والتكلم باسمهم، بما في ذلك صوغ رؤية للتعايش مع المجتمع اللبناني وكيفية التعامل مع مكوناته المختلفة. وحيث لا نسعى في مقالتنا الى مناقشة المحورين، فاننا سنحصرها في كيفية مقاربة الشق المتعلق بالعلاقات ما بين الشعب اللبناني واللاجئين الفلسطينيين المدنيين.

في هذا السياق نستذكر تجربتين للمراجعة الفلسطينية. التجربة الأولى مراجعة نقدية أجرتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان سنة 1995 وصدرت في كراس حمل عنوان: فلسطينيو لبنان وخيار المصالحة التاريخية مع الذات والآخرين.

أما التجربة الثانية فتمثلت في إعلان فلسطين في لبنان، الذي صدر بدوره في كراس وزع على نطاق واسع، إضافة لتلاوته كخطاب رسمي للأخ عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وممثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى الجمهورية اللبنانية في مناسبة الذكرى الثالثة والاربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية (2008).

ان مناقشتنا للإعلان المذكور تنطلق من جملة أسئلة تتعلق بموضوعي الاعتذار والمصالحة. حيث إننا فهمنا ان موضوع الاعلان، هو محاولة لفتح صفحة جديدة مع مقومات الكيان اللبناني بمختلف تلاوينه، من الطرف الذي يفترض انه يمثل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على الصعيد الرسمي، وفيما نقدر هذا السعي المعلن لطي صفحة الماضي فإننا نسجل التحفظات التالية التي لم تؤخذ في الحسبان:

أولاً: هنالك تساؤل عن مدى فلسطين الجغرافي الذي أعلن البيان باسمها، وهل هي كل فلسطين التي لم تعد ضمن جدول أعمال القيادة الرسمية، والتي يؤكد رئيس السلطة الفلسطينية أنها أصبحت قيد التفاوض كأرض لشعبين؟ أم هي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة اللذان تتنازع تمثيلهما السلطات الفلسطينية المتنوعة؟

ثانيا: ان فلسطين (التاريخية) الذي نشر الاعلان باسمها لم تخطئ بحق اللبنانيين، واذا ما كان هنالك من أخطاء ارتكبت، فهي أخطاء الأنظمة العربية بحق فلسطين منذ نكبة عام ،1948 حين فشلت هذه الأنظمة كافة، بما فيها لبنان في منع طرد الفلسطينيين وتحويلهم الى لاجئين وسلب أراضيهم.

ثالثا: اذا كان هنالك من أخطاء ارتكبت بحق اللبنانيين، فإن أطرافا في الحركة الوطنية الفلسطينية ارتكبتها حين أدت السياسات المتبعة في لبنان الى خلق حالة من الشقاق بين اللبنانيين والفلسطينيين اللاجئين الى لبنان، وهي ارتكبت بحق الفلسطينيين في لبنان أيضا ودفع اللاجئون ثمنا باهظا لتلك الأخطاء. فمن الواجب اذا ان يوجه الاعتذار للاجئين المدنيين اولاً قبل غيرهم.

رابعا: ان اللبنانيين عندما تصالحوا في الطائف عام 1989، أقروا بوضع حد للنزاع فيما بينهم، وتم تجاهل عمدي لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث تم استثناؤهم من المصالحة، ولم تتم اسقاط التهم والعقوبات التي طاولتهم. أليس من حق الفلسطينيين المتهمين نتيجة للحرب التي كانت دائرة في لبنان ان تسقط التهم عنهم؟ أليس من الضروري تأليف لجنة لمتابعة هذا الملف وإنهائه؟ ومن يقوم بذلك؟

خامسا: يستمر اللبنانيون في متابعة الملفات العالقة، ومنها ملف المفقودين والمخطوفين. ان التحركات التي يقوم بها أطراف في المجتمع المدني اللبناني وأطراف في المقاومة، عملت على فتح بعض الملفات وفرضت على العدو والصديق تقديم لوائح وجثامين ومعلومات تتعلق بالشهداء والأسرى والمفقودين اللبنانيين.

وقد استطاعت هذه الأطراف ان تفرض على الدولة إدراج موضوع المفقودين اللبنانيين على جدول أعمال مجلس الوزراء اللبناني. أليس من حق اللاجئين الفلسطينيين أن يعرفوا مصير أبنائهم المختطفين والمفقودين وتأليف لجنة للبت بمصيرهم، مع ان الكثير من هؤلاء اختطفتهم أطراف دعت القيادة الرسمية الفلسطينية لإجراء المصالحة معها؟ فمن يقوم بكشف مصير هؤلاء؟

سادسا: ان الاعتذار والدعوة إلى المصالحة غير المشروطة تفترض انسانيا وسياسيا ونفسيا، ان تطوي جميع الأطراف صفحة الماضي، وهذا يفترض اغلاق جروح الماضي واعادة الكرامة للمعنيين. ان ردم هوة الماضي لا يمكن ان يتم بمعزل عن الفئة التي ذاقت طعم الفقدان والخسارة، وهؤلاء هم اللاجئون انفسهم. إن أول ما يتبادر الى ذهن هؤلاء ان تقوم الأطراف التي ارتكبت أعمالاً مستنكرة ومجازر بحق الفلسطينيين، الى الاعتراف بما فعلت وتقديم معطيات تريح اللاجئين، من خلال توضيح مصائر آلاف المفقودين والمخطوفين كخطوة اولى لطي صفحة الماضي. والمؤسف ان بعض الأطراف المسؤولة عما ألم باللاجئين من مآس لا زالت تتجاهلهم، كما فعل قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي خص اللبنانيين وحدهم بالاعتذار في القداس المخصص "لشهداء القوات اللبنانية".

في المحصلة فإن المصالحات الفوقية لا تشكل في سياق حل النزاعات الأهلية، الا فصلا متجددا من تعميق مأساة الذين ذاقوا الخسارة والألم. فالأسلوب المتبع لمعالجة مشاكل اللاجئين لن يدفعهم الا لمزيد من الشعور بأن من يدّعي تمثيلهم غير جدير بذلك. إن الذي سيغفر ويعفو، أولا وأخيرا، هو الفئة المنكوبة التي وقع عليها الظلم. وهذا ينبغي ان يتم قبل تقديم اعتذارات مجانية باسم فلسطين لهؤلاء الذين لا زالوا يلومون الفلسطينيين وبدون تمييز على كل ما ألمّ بلبنان من آلام ومآس.

من المؤسف القول، إن أكثرية الفلسطينيين في لبنان فقدت منذ زمن بعيد ثقتها بأهلية قياداتها، والمحزن أن الحركة الوطــنية الفلسطينية بمختلف تلاوينها كانت ولا زالــت، بعيدة عن اجراء مراجعة في العمق، لظاهــرة انفــضاض اكثرية اللاجئين الفلسطينيين عن الالتحاق بالأطر القائمة، الا في حالات البحث عن وسائل العيش والمعاش!
"السفير"

التعليقات