31/10/2010 - 11:02

في اليوم الثاني له في البيت الأبيض../ عبداللطيف مهنا

-

في اليوم الثاني له في البيت الأبيض../ عبداللطيف مهنا
كأنما محرقة غزة فاشلة الاستهدافات لم تكن إلا بعض تمهيد قصد منه أن يسهّل لسياساته المعدة سلفاً... سياساته التي سوف ينتهجها حيال الصراع في بلادنا. وكأنما هي المحرقة التي لم توقف دموياً، لتستمر سياسياً عبر محرقة المبادرات المتناسلة، ومنها ذات المظلات المتعددة، إلا لكي لا يُفسد مشهد الدم الفلسطيني المراق بهجة تنصيبه وصياً على العالم.

إن هذا هو انطباع كل من استمع إلى الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، وهما يحتفلان في وزارة الخارجية وعلى الطريقة الاستعراضية الأمريكية، بتسمية مبعوثيه: جورج ميتشل إلى بلادنا، و ريتشارد هولبروك إلى أفغانستان و الباكستان... هنا أوباما يستعيد تماماً خطاب سلفه بوش، و يستخدم بأمانة أسوء مصطلحات من خلفه، و بالتالي لا يمكن لمن سمعه إلا التيقن مما كان متوقعاً، و هو استكمال الأيام القادمة لتجليات هذه الحرب الإبادية المستمرة ضد الفلسطينيين قضية و وجوداً، و نعني بالوجود المادي منه و السياسي، و من ثم فهي بالتالي حرب على العرب و من بعدهم المسلمين... و هكذا فنحن الآن إزاء مرحلة لا بد و أن نستعد لأن نواجه فيها استئنافاً للمحرقة الإسرائيلية ذاتها و إنما بوجهها السياسي و بشكل أوسع، لأنها هذه المرة أمريكية فاقعة الوضوح و بصيغة أطلسية معلنة، سبق أن بدت بوادر وضع لمساتها في قمة شرم الشيخ، و كانت قد رسمت و أقرت مهمتها بوضوح في اتفاق ليفني – رايس أواخر ساعات الإدارة الأمريكية الراحلة.

كان هذا في اليوم الثاني و حسب لتنصيب المؤسسة الأمريكية أوباما سيداً في البيت الأبيض، فكان أول ما باشر به عمله في اليوم الأول من تنصيبه هو الاتصال كبير الدلالة بأربعة في المنطقة دون سواهم، و هم: رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، و الرئيس المصري حسني مبارك، و عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، و رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود الفلسطينية محمود عباس...

في احتفالية ميتشل-هولبروك هذه، بزّ أوباما سلفة بوش انحيازاً لعدو العرب، و قد بدا أنه ربما قد يفوقه في إدارة عدوانية أمريكية مستدامة ضد قضيتهم المركزية و حقوقهم السليبة في فلسطين، قال، مردداً ذات اللازمة الأمريكية، أو مذكراً بثابتة الثوابت في السياسة الأمريكية في بلادنا:
"سأكون واضحاً، أمريكا ملتزمة بأمن إسرائيل، و نحن سندعم دائماً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة التهديدات الحقيقية"... و هو إذ لم يكتف بالمساواة بين الضحايا و الجلاد و المعتدي والمعتدى عليه عندما تحدث عن "العنف المأساوي في غزة و جنوب إسرائيل"، برر مذبحة غزة معتمداً مزاعم و ذرائع مرتكبيها حرفياً بقوله:
"لسنوات اطلقت حماس آلاف الصواريخ على مدنيين إسرائيليين أبرياء. لا توجد ديموقراطية تسمح بخطر مماثل على شعبها"... و زاد: "و يجب ألا يسمح بذلك المجتمع الدولي"، بل حتى اعتبر عدم السماح هذا هو من مسؤولية الفلسطينيين أيضاً، حين أضاف، "و حتى الشعب الفلسطيني نفسه الذي تتراجع مصالحه بفعل التحركات الإرهابية"!!!

و أوباما الذي قرر العمل لأن يجعل من "وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه (من جانب واحد) سيكون دائماً و مستمراً"، بمعنى استكمال هدف إنهاء المقاومة الفلسطينية كهدف أساسي رئيس للمذبحة، أعلن جدول أعماله للوصول لهذا الهدف، المتمثل في تفويض مصر في مواصلة وساطتها، و تكليف الأردن بمواصلة دوره "البناء في تدريب قوات الأمن الفلسطينية و رعاية علاقته مع إسرائيل"، و اعتماد شق رام الله من سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود شريكاً وحيداً في عملية الإعمار... هذه التي ربما ستكون وسيلة لإدامة الحصار، بالتوازي مع محاولة الإفادة من شعار المصالحة الفلسطينية الفلسطينية المراد أن تكون المستحيلة لمنع هذا الإعمار... تماماً كما لا يأتي الكلام المرسل عن "حل الدولتين"، الشاروني الأصل و البوشي التبني و المعتمد أوبامياً، إلا وسيلةً لإيهام المتوهمين بهدف كسب الوقت لتهويد ما تبقى من الضفة في سياق استهداف إتمام إنجاز عملية تهويد فلسطين كهدف استراتيجي صهيوني تليد برعاية أمريكية و مساعدة أوروبية مستديمتين!

نحن هنا لسنا في حاجة للقول أن أوباما ينظر للسلطة ذات نظرة سلفه و نظرة الإسرائيليين لدورها، باعتبارها صندوق تقاعد للحركة الوطنية الفلسطينية و شاهد زور على تصفية قضيتهم، إذ يقول، مثلاً:
إن " الولايات المتحدة ستدعم بشكل كامل مؤتمراً دولياً للمانحين يسعى إلى تقديم مساعدة إنسانية قصيرة الأمد و إعادة بناء طويلة الأمد للاقتصاد الفلسطيني. هذه المساعدة ستقدم للسلطة الوطنية التي ستشرف عليها"... و هذه السلطة، أو هذا الشق منها، سوف تحظى بالمزيد من الدعم الأوبامي، إذ يقول: "الآن يجب أن نمد يد الفرصة إلى الذين يسعون إلى السلام و كجزء من وقف دائم لاطلاق النار، يجب أن نفتح المعابر مع غزة من أجل السماح بتدفق المساعدات و التجارة. و ذلك من خلال نظام مراقبة بمشاركة السلطة الفلسطينية و الدولية."

أما عربياً، فعلى ذات خطى بوش إياها، يكرر أوباما حرصه على مواصلة "الجهود لمساعدة إسرائيل على التوصل إلى سلام أشمل مع عالم عربي يعترف بحق تواجدها بين مجموعة الأمم"... و عليه، فهو يرى أن "المبادرة العربية تحتوي على عناصر بناءه قد تساعد على تنشيط هذه الجهود"، و من هنا، فهو يؤكد على أن "الوقت قد حان للدول العربية للتصرف بحسب وعود المبادرة من خلال دعم الحكومة الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس و رئيس الوزراء سلام فياض، و اتخاذ خطوات باتجاه التطبيع مع إسرائيل، و من خلال مواجهة التطرف الذي يهددنا جميعاً"... و هذا لا ينسى أن يرفقه بتهديدات مبطنة لدول و قوى الممانعة العربية بالقول: "و في موازاة هذا التقدم يجب أن نوضح لكل الدول في المنطقة أن الدعم للمنظمات الإرهابية يجب أن يتوقف"ً!

و ماذا عن المقاومة، أو الطرف الذي واجه المحرقة، و أفشل بصموده استهدافاتها، و يريدون كمخرج إيقاف إطلاق النار معه؟
يكرر أوباما اشتراطات بوش و معهما بلير الرباعية و سائر من يحكم إسرائيل، و نصاً: "لتكون طرفاً حقيقياً في السلام، أوضحت اللجنة الرباعية أن على حماس أن تلبي شروطاً واضحة: الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، و نبذ العنف، و الاعتراف بالاتفاقيات السابقة". أي الكف عن كونها حركة مقاومة، هذا عموماً، أما فيما يخص الراهن، فإنه يقرر اشتراطات ليفني حرفياً:
أنه "لتحقيق التقدم فإن إطار وقف النار الدائم واضح: على حماس أن توقف إطلاق الصواريخ، إسرائيل ستستكمل سحب قواتها من غزة، الولايات المتحدة و شركاؤها سيدعمون نظام منع تهريب جدير بالثقة، حتى لا تعيد حماس تسليح نفسها"... و يحذر بكلمات يكاد يستعيرها من باراك: " الآن إن إرهاب الصواريخ الموجهة نحو الإسرائيليين الأبرياء غير مسموح به"!
إذن، صمتت المدافع مرحلياً، لتكمل السياسة ما لم تقو عليه الميركافاه و الأباتشي، و بالتالي صدح كومبارس العداء و التآمر و النفاق الأوروبي: ساركوزي ، براون، ميركل، برلسكوني، و معهم توبولانيك و ثباتيرو في شرم الشيخ، و منها إلى القدس المحتلة للاحتفال مع القتلة على مائدة عشاء أقرب إلى المواساة لفشل استهدافات المحرقة. و تعبيراً عن استعدادهم للمساهمة في حصار ضحاياها...
بيد أن الأخطر اليوم هو وقف مذبحة غزة الدموية لتبدأ مذبحة فلسطين التصفوية... بدء مذبحة الإعمار المؤطلسة... و محاولة أنسنة نتائج الجريمة لحجب فداحة و همجية ما ارتكبه مرتكبها... و الأدهى أن من آخر عجائب رام الله الحملة على الصواريخ "المستوردة و المصنعة محلياً"!!!
... لعل هذا بعض ما ينبئنا به اليوم الثاني لأوباما في البيت الأبيض!!!

التعليقات