31/10/2010 - 11:02

في ذكرى يوم الأرض../ راسم عبيدات*

في ذكرى يوم الأرض../ راسم عبيدات*
... تأتي الذكرى الثالثة والثلاثون ليوم الأرض الخالد، تلك الذكرى التي هبت فيها جماهير شعبنا الفلسطيني في الداخل- مناطق 48 – للدفاع عن أرضها ووجودها في وجه الأطماع الإسرائيلية التي تستهدف وجودهم وأرضهم، ولكي تثبت تلك الجماهير التي عمدت ذلك اليوم بالدماء والتضحيات أنه مهما استخدم المحتلون من وسائل وأساليب لطردهم وتهجيرهم واقتلاعهم من أرضهم، فهي لن تفلح أبداً بذلك، فهناك شعب يمتلك الإرادة والتصميم للبقاء، ولن يتشرد ثانية في منافي اللجوء والشتات.

همّ شعبنا واحد، ومصير شعبنا واحد وإن اختلفت الأولويات، والاستهداف واحد أيضاً، فبالقدر التي تستهدف فيه يافا وحيفا واللد وأم الفحم، بالقدر التي تستهدف فيه القدس ونابلس والخليل وسلوان وغيرها. فهذا احتلال يبني وجوده ومشروعه على استباحة ومصادرة أرض الغير ونفي وجوده. ولكن هذا الشعب منغرس في أرضه ومصمم على الدفاع عنها، فجذوره ضاربة وممتدة عميقاً في هذه الأرض، وتمتد إلى آلاف السنين، ولن تجدي معه نفعاً مقولات "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وسيبقى يدق ويقلق مضاجع الإسرائيليين في منامهم وأحلامهم وكوابيسهم..

هذا الشعب فشلت كل الوسائل والأساليب لتطويعه وطرده وتهجيره، ويثبت كل يوم بأنه يجترح المعجزات في الصمود والبقاء. هذا الصمود والتشبث بالبقاء، دفع كل صناع القرار الإسرائيلي للبحث عن كل الخطط والبرامج المشروعة وغير المشروعة، ليس التي تحد فقط من الوجود العربي الفلسطيني في مناطق 48، بل ممكنات الطرد والتهجير القسري، حيث نشهد مؤخراً وفي ظل تجذر وتعمق العنصرية والفاشية في المجتمع الإسرائيلي، قيام المستوطنين بحملات من العربدة والزعرنة المنظمة تجاه الوجود الفلسطيني هناك. والجميع يذكر تلك العربدة في شوارع وأزقة مدينة عكا، ومحاولات المستوطنين مؤخراً للعربدة والزعرنة في مدينة أم الفحم. تلك الزعرنات والعربدات التي تصدت لها جماهير شعبنا الفلسطيني، مثبتة وملقنة إياها الدروس بأن أم الفحم عصية على الكسر، وعجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء، ولن ترهب أو تخاف جماهير شعبنا ويتركوا أرضهم لقمة صائغة لأوباش المستوطنين.

في الوقت الذي يزداد فيه الاحتلال تغولاً وتوحشاً، ويشن فيه حملة وحرباً شاملتين ومفتوحتين على شعبنا الفلسطيني، فإن شعبنا الفلسطيني في نفس الوقت يضرب أروع الأمثلة في الصمود والتضحية والتشبث بالبقاء، صمود تجسد بشكل لافت للنظر في الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة واستخدمت فيها كل أشكال وأنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً، وجدنا أن قيادات هذا الشعب وفي ظل اشتداد الهجمة عليه، تقتل على وهم سلطة مجردة من الصلاحيات ولا تمتلك أدنى مقومات السيطرة، بل وتمعن في تجاوز كل ما كنا نعتبره خطوط حمراء لا يجرؤ أي فلسطيني على تجاوزها.

هذه الهجمة التي تتكثف وتتصاعد بفعل حالة الانقسام والانفصال الفلسطيني، حيث هذه الحالة هي التي تشجع الاحتلال الإسرائيلي وتفتح شهيته على المزيد من التوسع والاستيطان، وإخراج مشاريع التهجير والتطهير العرقي إلى حيز الوجود والتنفيذ. فها هي القدس تشن عليها حملة شاملة ومفتوحة، ولم تعد مسائل الترحيل والطرد وهدم البيوت فردية، بل أصبحت جماعية وتطال أحياء بأكملها. فمن حي البستان في سلوان والذي وجهت فيه إخطارات لهدم أكثر من 88 بيتا فلسطينيا يسكنها أكثر من 1500 شخص، إلى حي رأس خميس في شعفاط، وإخطارات بهدم 55 بيتا فلسطينيا، إلى الطور وبيت حنينا وشعفاط والمكبر وصورباهر وأم طوبا وعشرات أوامر الهدم، والشروع في إقامة أحياء استيطانية جديدة في الشيخ جراح وسلوان وغيرها، واستكمال إجراءات عزل وفصل مدينة القدس جغرافياً وديمغرافياً عن محيطها الفلسطيني، حيث صودر أكثر من 30 دونما من أراضي شعفاط من أجل توسيع الحاجز العسكري المقام على مدخل مخيم شعفاط وبلدة عناتا، ومصادرة أكثر من 3500 دونم في المنطقة المسماة E1 الواقعة إلى الشرق من بلدتي أبو ديس والعيزرية من أجل إقامة مدينة استيطانية عليها، وبما يحكم إغلاق القدس وإحاطتها إحاطة السوار بالمعصم بالمستوطنات وجدار الفصل العنصري، وبما يفصل شمال الضفة عن جنوبها ويلغي أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة والوجود.

في ظل تشكل حكومة يمينية مغرقة في التطرف والعنصرية في إسرائيل وتسييد وجنوح المجتمع الإسرائيلي نحو المزيد من العنصرية والكره والحقد لكل ما هو عربي وفلسطيني، فالمتوقع لهذه الهجمة الاستيطانية أن تتصاعد وتتكثف، وخصوصاً أن الاستيطان في الضفة الغربية منذ ما يسمى بمؤتمر أنابولس للسلام وحتى اللحظة الراهنة زاد بنسبة 173%، ويجري التخطيط من أجل إقامة 73000 وحدة سكنية للمستوطنين في الضفة الغربية، من أجل تغير الطابع الديمغرافي فيها، أي زيادة نسبة المستوطنين فيها عن عدد السكان العرب الفلسطينيين.

وكل هذه المخططات تثبت أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بمختلف تلاوينها وتسمياتها، إن اختلفت في التفاصيل والجزئيات والهوامش والنبرة واللغة، فهي متفقة في الاستراتيجي، وهو مواصلة الاستيطان والأسرلة والتهويد، بينما نحن نتلهى في مفاوضات عبثية عقيمة، أصبحت تستغل كغطاء لمواصلة إسرائيل لممارساتها وإجراءاتها القمعية والإذلالية بحق شعبنا الفلسطيني.

إذا في ذكرى يوم الأرض الخالد، والذي تستباح فيه الأرض الفلسطينية، ويجري نهبها ومصادرتها والاستيلاء عليها من قبل الحكومة الإسرائيلية ومستوطنيها، فلا بد من خطط وبرامج وآليات تنفيذية تمكن من الدفاع عن هذه الأراضي وحمايتها، واستخدام وسائل المقاومة بكل أشكالها وتسمياتها بدءاً من وقف المفاوضات العبثية وربط استئنافها بالتوقف الكلي للاستيطان في الضفة والقدس بكل أشكاله ومسمياته، والنضالات الشعبية والجماهيرية كما هو الحال في مقاومة جدار الفصل العنصري، حيث بلعين ونعلين والمعصرة وأم سلمة وجيوس ضربت أروع الأمثلة في هذه المقاومة الشعبية، والتي يجب أن تتطور وتتوسع وتمتد لتشمل كل قرى ومدن فلسطين، فما عاد الشجب والاستنكار والبيان من الوسائل الفعالة في ردع ووقف غول الاستيطان، هذا الغول الذي يبتلع كل شيء له علاقة بالوطن، لا الاستجداء بالمفاوضات يوقفه ولا الاستجداء على أبواب هيئة الأمم والبيت الأبيض وعواصم أوروبا الغربية، وكذلك ليس بالخطب العصماء والشعارات الرنانة "والهوبرات" الإعلامية والتصوير أمام الكاميرات وفي الفضائيات بل ما يوقفه هو وحدتنا وإنهاء انقسامنا ونضال جاد وحقيقي، وخطوة عملية في هذا الجانب أفضل من مليون شعار.

التعليقات