31/10/2010 - 11:02

في رفض الاعتراف قوة أيضا../ خليل شاهين

في رفض الاعتراف قوة أيضا../ خليل شاهين
لا تشترط حكومة إيهود أولمرت اعتراف السعودية بشكل صريح بدولة إسرائيل، ولا بحقها في الوجود، قبل عقد لقاءات بين الطرفين. كما لا تضع ذلك شرطا مسبقا لعقد أية لقاءات، أو إقامة مستوى معين من العلاقات، بين إسرائيل ومعظم الدول العربية والإسلامية.

ولا تشترط الولايات المتحدة على السعودية، أو أي من الدول العربية، الاعتراف الصريح مسبقا بحق إسرائيل في الوجود، من أجل إطلاق مسار سياسي يفضي إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمحيط الإقليمي، باستثناء الفلسطينيين.

كما لا يشترط الاتحاد الأوروبي، أو اللجنة الرباعية الدولية، اعتراف العرب بحق إسرائيل في الوجود قبل إطلاق مسار سياسي تفاوضي بين إسرائيل وقادة العرب.

وكل هؤلاء لا يهددون بقطع العلاقات مع السعودية، أو غيرها من الدول العربية، أو فرض الحصار عليها، أو التعامل بانتقائية مع الوزراء في الحكومات العربية، بسبب عدم الاعتراف بإسرائيل، بل إنهم جميعا متلهفون لتشجيع الزعماء العرب على الالتقاء بالمسؤولين الإسرائيليين، سرا وعلانية، من دون الاعتراف مسبقا بإسرائيل، وعلى قاعدة "تفهم" أن خطوة الاعتراف ستكون نتيجة تتوج مسيرة السلام بين إسرائيل والدول العربية.

والأشد بؤسا في مواقف هؤلاء أن إسرائيل ترفض، مثلا، استقبال المسؤولين النرويجيين، أو غيرهم من المسؤولين الغربيين، ممن يجرؤون على الالتقاء بوزراء فلسطينيين لا يعترفون بإسرائيل، رغم أن إسرائيل تستقبل المسؤولين المصريين والأردنيين، وتركض وراء لقاءات مع المسؤولين السعوديين وغيرهم من المسؤولين العرب، مع أنهم يلتقون باستمرار مع وزراء ومسؤولي حركة "حماس". فلماذا تعاقب حكومة أولمرت النرويج، فيما تلهث وراء السعودية التي رعت اتفاق مكة وتستقبل وزراء وقادة من "حماس"؟ سؤال إجابته معروفة في إسرائيل، فيما يغمض الغرب عينيه عن رؤية الازدواجية حتى في موقف إسرائيل حيال من يرفضون الاعتراف بحقها في الوجود!

وحدهم الفلسطينيون مطالبون بالاعتراف الصريح ليس بإسرائيل كدولة وحسب، بل وبحقها في الوجود، كشرط للتعامل مع الحكومة الفلسطينية. الفلسطينيون وحدهم يضعون عقبة أمام مسيرة السلام إن لم يفصحوا عن هذا الاعتراف مسبقا. وليس مطلوبا أن تعترف إسرائيل مسبقا بحق الشعب الفلسطيني ودولته المستقلة ذات السيادة في الوجود كشرط للتفاوض، فهذا الاعتراف مؤجل حتى يتم ترويض "الشياطين الفلسطينيين"، ويصبحوا أخيارا لا أشرارا وفق التصنيف الأميركي لشعوب ودول الكرة الأرضية.

يعاقب الغرب الفلسطينيين وحدهم، ويحاسبهم الاتحاد الأوروبي على "أقوالهم وأفعالهم" حيال إسرائيل، ويرسخ معادلة جديدة في العلاقات الدولية تطبق على الفلسطينيين وحدهم، حتى قبل أن تصبح لهم دولة. وفي مثل هذه المعادلة لا يكفي أن تعترف الحكومة الفلسطينية، مثلا، بدولة ألمانيا، "وحقها في الوجود"، لكي تتفضل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالاعتراف والتعامل مع هذه الحكومة، لأن شرط هذه العلاقة الثنائية الفلسطينية – الألمانية هو اعتراف الفلسطينيين بطرف ثالث هو إسرائيل. بل إن ميركل تذهب بعيدا في إهانة الشعب الفلسطيني، وهي تقف على أرضه، أملا بالفوز بثناء اليهود الذين طحنهم وأحرقهم آباؤها وأجدادها، لا أباء وأجداد الفلسطينيين، من ضحايا نتائج حرب ألمانيا النازية على شعوب العالم.

تذكير قاس للمستشارة الألمانية، لكنه ضروري، لأن الفلسطينيين الذين يلقون باللائمة على بريطانيا بشكل رئيسي عن نكبتهم، لا بد من أن يدركوا يوما أن ألمانيا، أيضا، تتحمل قسطا وافرا من المسؤولية عن نكبتهم، وأن مطالبتها بموقف بحجم هذه المسؤولية، وكذلك بتعويضات عن مأساتهم كتلك التي لا تزال تقدمها لليهود، قد يكون أمرا مشروعا، بل وضروريا.

والمفارقة الأكثر إثارة للسخرية والشعور بالمرارة في آن واحد، أن هناك الكثير من دول العالم، العربية والإسلامية، بما فيها المصنفة في طابور الأخيار لا الأشرار، ترفض علانية الاعتراف بإسرائيل، أو إقامة أي شكل من العلاقات معها، ومع ذلك تحرص الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، لاسيما ألمانيا، على الارتقاء بعلاقاتها معها إلى أعلى المستويات، رغم أن احترام العديد من هذه الدول لحقوق الإنسان ينحط إلى مستوى الحضيض، الذي يذكر بأوروبا العصور الوسطى.

أكثر من ذلك، ترفض إيران، إحدى أبرز الدول المصنفة أميركيا ضمن محور الشر، الاعتراف بإسرائيل، ويؤكد الرئيس الإيراني ليل نهار أن إسرائيل إلى زوال، وأنها ستضرب بقسوة إن أقدمت على المس بالمنشآت النووية الإيرانية، ومع ذلك لا تزال سفارات دول الاتحاد الأوروبي في أماكنها المعتادة في طهران، ولا يبدو أن هناك توجها لقطع العلاقات مع الحكومة الإيرانية، على الأقل على خلفية رفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود.

وحدهم الفلسطينيون، الخاضعون للاحتلال ونظام الفصل العنصري، مطالبون بالاعتراف بإسرائيل كتذكرة دخول إلى عالم الغرب الديمقراطي، لكن في رفضهم هذا قوة تفوق قبول ثلاثة أرباع العالم الاعتراف بدولة الاحتلال. وهي قوة يصطف صانعو نكبة الشعب الفلسطيني وراء إسرائيل من أجل تجريد الفلسطينيين منها. نعم، قوة اللاجئ الفلسطيني في مخيمات البؤس تكمن حتى اليوم في رفضه الاعتراف بصانعي بؤسه وتشرده ما لم يرفع الظلم التاريخي الواقع عليه.

وكحال إيران التي تتسلح بالقوة لرفض الاعتراف بإسرائيل، وفرض استمرار تعامل الغرب معها، ينبغي للفلسطينيين أن يبحثوا عن سبل لتعظيم قوتهم الداخلية، لأنها ستزيد رفضهم الاعتراف بدولة الاحتلال، طالما بقي هذا الاحتلال قائما، قوة على قوة، وتؤكد للجميع أن الاعتراف أولا بحق الشعب الفلسطيني في الوجود والعيش بكرامة بعيدا عن الاحتلال والعنصرية هو شرط الاعتراف بحق الآخر في الوجود.

ومن دون الإقرار بهذه المعادلة، لتذهب نسخة الاشتراطات الإسرائيلية الصادرة تحت عنوان "الاشتراطات الدولية" إلى الجحيم. سيبقى الرفض الفلسطيني للاعتراف بدولة الاحتلال والعنصرية أقوى من اعتراف الغرب كله بشرعية نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

التعليقات