31/10/2010 - 11:02

في مجرى التمهيد للانسحاب المـنتظَر من العراق../ صباح علي الشاهر*

في مجرى التمهيد للانسحاب المـنتظَر من العراق../ صباح علي الشاهر*
لم يتوقّع الكثير من المراقبين والمحلّلين السياسيين أن يستمر وجود «مجاهدي خلق» في الأراضي العراقية بعد الاحتلال الأميركي للعراق طيلة هذا الوقت؛ فـ«مجاهدو خلق» منظمة مدرَجة على قائمة المنظمات الإرهابية وفق القرار الذي اتخذته إدارة بيل كلينتون الأميركية عام 1997، أي أنه من المحظور على أي أميركي التعامل معها. وأي دعم لها من أي شخص، يُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون بشدة. وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي الإجراء نفسه بعد خمس سنوات من صدور القرار الأميركي. والمنظمة تتّهمها واشنطن بالتورّط في اغتيال العديد من العسكريين الأميركيين الموجودين في إيران، ومهاجمة المصالح الأميركية في إيران خلال فترة السبعينيات، كما أنها متهمة بمساندة ودعم النظام العراقي الذي أصبح العدو الأساسي لأميركا والغرب إلى أن جرت إطاحته. يُضاف إلى هذا، أن المنظمة تأسّست على قاعدة إيديولوجية ذات صبغة يسارية ترتكز على العداء الشديد لنظام الشاه والاستكبار العالمي الذي تمثّله أميركا ودول الغرب الاستعمارية، فإذا أضيف إلى هذا وذاك تسلّم المنظمات والأحزاب الموالية لإيران والمعادية للمنظمة، الحكم في العراق، فإن قضية إنهاء وجود «مجاهدي خلق» على الأرض العراقية يصبح أمراً مفروغاً منه.

لكن الأمر المفروغ منه لم يبدُ مفروغاً منه! فمع سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الشيوعية، سقطت الكثير من المفاهيم، التي عُدت في وقت من الأوقات مسلمات أو بديهيات، واتجه العديد من الأنظمة التي كانت تُعد تقدمية إلى الحضن الأميركي، كما لجأت العديد من المنظمات الثورية لطلب الدعم والحماية من عدو الأمس، لا بل شمل هذا الأمر العديد من الأحزاب الشيوعية أيضاً، ومنها الحزب الشيوعي العراقي، صاحب التاريخ المجيد في مقارعة الاستعمار والرأسمالية.

ويبدو أنّ انتهاء العدوّ السابق، وهو الشيوعية والاتحاد السوفياتي، وكذلك سقوط العدو الذي أرادت أميركا من خلال هزمه تدشين مرحلة القطبية الأحادية، أي النظام العراقي، وظهور وتبلور عدو آخر لا بد من تصفية الحساب معه، أي إيران، جعل قضية «مجاهدي خلق» تأخذ مساراً آخر، إذ بدت واشنطن حريصة على ورقة المساومة الثمينة هذه. لذا، وخلافاً للمتوقع، أبقت القوات الأميركيّة بعد احتلالها للعراق على قوات «مجاهدي خلق» في معسكراتها المنتشرة شرق العراق، في معسكر «أشرف» في ديالى على بعد مئة كيلومتر من الحدود العراقية ـ الإيرانية، وهو المعسكر الرئيسي للقيادة، إلى جانب معسكرات «نوالي» و«فايري» و«بونياد» شرق ديالى والكوت، وقيل إن الأميركيين جرّدوا «مجاهدي خلق» من السلاح الثقيل، لكنهم بالمقابل حموهم وشملوهم برعايتهم.

من الصعب الركون إلى الزعم القائل بوجود علاقة قديمة بين المنظمة والإدارة الأميركية، لكن من المعقول جداً أن تُستحدث مثل هذه العلاقة أثناء احتلال العراق وبعده، لأسباب أهمها أن المنظمة لم تكن لتجرؤ على بناء أي نوع مع العلاقات مع أميركا في الوقت الذي كانت تتمتع فيه بدعم النظام العراقي السابق وحمايته، وهو دعم ساوى ذلك الذي تمتعت به قوات «بدر» من جانب إيران وربما أكثر، وإن كان هذا لا ينفي وجود علاقات ما بين قيادات المنظمة في أوروبا والولايات المتحدة وبين متنفّذين في الإدارة الأميركية.

ومن جهة أخرى، فإنه من المنطقي جداً أن تكون المنظمة قد نسجت مثل هذه العلاقات بعدما شعرت بأن الأوضاع في المنطقة ستتغيّر، وبأن النظام العراقي سيرحل، وهو الموقف نفسه الذي اتخذته قيادات عسكرية ومدنية في السلطة العراقية السابقة، حيث نقلت ولاءها من النظام إلى المحتل، كما ثبت فيما بعد من خلال الوقائع والوثائق.

كانت للمنظمة حساباتها، وكان للأميركيين حساباتهم، ولكن المؤكد أن حماية الأميركيين ودعمهم للمنظمة لم يرتقيا إلى مستوى الدعم والحماية الذي حظيت به الفصائل الموالية لإيران من جانب النظام الإيراني؛ فبين هذه الفصائل وإيران توافق مذهبي، فيما يوجد تنافر أساسي بين الإدارة الأميركية وفكر «مجاهدي خلق» وممارستها. وواشنطن لم تُوجد «مجاهدي خلق»، بل كانت ولادة المنظمة عام 1965 في خضمّ المد الثوري التقدمي المعادي أساساً للأميركيين، لذا فهي ليست حليفاً تاريخياً للولايات المتحدة، ولن تكون حليفاً مستقبلياً، فيما إيران أوجدت أغلبية الفصائل التي تحكم العراق الآن، درّبتها وموّلتها، ودعمتها سواء عندما كانت معارضة أو بعدما تربّعت على سدة الحكم.

وهذه الفصائل حليفة تاريخية لإيران وستظل في المستقبل أيضاً. لذا فإن قضية التضحية بمصير المنظمة ومستقبلها مقابل أي منفعة أميركية، أو لأي حسابات تكتيكية، كان وارداً ومحتملاً، فيما تظل التضحية بالفصائل الموالية لإيران من جانب النظام الإيراني أمراً شديد الصعوبة والتعقيد، كما أن الهجوم على هذه الفصائل من جانب أميركا يعني في ما يعنيه، إصدار شهادة وفاة للمخطط الأميركي ليس في العراق فحسب، بل في المنطقة.

يبدو أن أميركا باتت تعرف أن هذه الفصائل ستغلّب في نهاية المطاف ولاءها لإيران على ولائها للأميركيين، وهم الذين وضعوا ممثليها على هرم السلطة، لذا فهي لا تتعجل الصدام مع هذه الفصائل، وإن كانت تحاول إضعافها أو التقليل من هيمنتها على الوضع العراقي.

لقد باتت خيارات أميركا في العراق محدودة، وفي الحق محصورة في خيار بات وحيداً، ألا وهو الانسحاب من العراق، ومنذ الآن وحتى الانسحاب سنرى إجراءات مغايرة تماماً لما هو مُعلن، ومهما بدت غريبة فإنها تندرج في مجرى التمهيد لهذا الانسحاب المنتظر، الذي بات وشيكاً.

أميركا ستراعي الأقوى، وستدير ظهرها لحلفاء الأمس الضعفاء. فالضعيف لا يستحق أن يكون حليفاً، إنه في أحسن الأحوال تابع أو عميل. ستتحكّم في المنطقة توازنات قوى حقيقية، فاعلة ومؤثرة. ومن فرّط بمصادر قوته لن يكون من حقه البحث عن دور في منطقة تتحكم فيها توازنات القوة. فهل لمنظمة «مجاهدي خلق» مكان ما ــ دور متوقع أو مأمول أميركياً ـ في هذه الخارطة المعقدة؟
"الأخبار"

التعليقات