31/10/2010 - 11:02

في مواجهة العنصرية../ محمد يوسف جبارين*

في مواجهة العنصرية../ محمد يوسف جبارين*
في مواجهة العنصرية، لا مفر، من مساهمات دائمة لا تنقطع، تؤهل الوعي بإثرائه وإعادة هيكلته،على ما يجعله دوما مؤهلا، واثقا بأدائه ومتواثبا، وقادرا على كل صعيد، على هذه المواجهة، فهي النار التي لا بد من إخماد جذوتها، وهي الثقافة النتنة والتربية البغيضة التي يتوجب بالمعرفة الممتازة فضحها، بكشف عناصرها، وبتوضيح بتفاصيل السرد الموثق بحقائق فصيحة الدلالة مستقاة من نصوص العنصرية، ومن بشاعة فعلها في خلال حركة الحوادث، وما ترتب على فعل كهذا بغيض.

فهي العنصرية التي بما يستدل به عليها، من فكر وفعل منساق بهذا الفكر، إنما هي ذات مدى واسع البشاعة في خطورتها على السلام الاجتماعي، لما لها من زعانف شوكاء يمكنها بها أن تستنفر الفتنة، وتهلهل حركة الحياة بأشغالها بتنافر وتحادد، وربما بتناحر، فبدلا من البناء يكون الهدم، وبدلا عن التقدم يكون الانتظار بعبوس، فلا إلى الأمام، ولا إلى الوراء، كمرحلة تليها إلى الوراء إلى الوراء. فليس ثمة ممكن به يمكن تحقيق خطوة إلى الأمام، فهي آلية عدوان وفتنة تختزل عملية التطور وتتقلص بها إلى حد تلاشيها.

وهنا الضرورة التي تلح على التصدي للعنصرية، فمناصرة التقدم نقيض الهدم ونقيض العنصرية، فعناصرها بمجملها الضرر الذي يجب أن يلاحق، لكي يتوارى عن التأثير على حركة الحياة، فلا مهادنة ولا تواني في العمل على مواجهة العنصرية، والتصدي السافر لها، لا بد وأن يكون تحصيله وبالا على كل معمور بها، ومتشنج بمقولاتها، فالصلابة في مواجهة العنصرية ضرورة جعلها تعي بأنها لا يمكنها أن تثمر ما تشرئب بأعناقها إليه.

وهي تعربد وتتنطع بما بها، بما لا يمكنه، إلا أن يكون ساقطا على قياس إنساني، وآيلا بها إلى التناهي إلى ما لا تريد، ولم يكن يخطر على بالها، من تأزم تتأزمه وضيق تضيقه ويضيق بها. فلا مفر من فضحها على كل صعيد، ولا مفر من تسجيل مشاهدها بكل ما فيها من بشاعة وتعميميها، وجعلها في كتاب بين يدي العربي، لكي تكون له الشواهد التي يستدل بها ويدعم مقولاته في خلال محاوراته وتظاهراته في عمله السياسي الرامي إلى اقتلاع العنصرية، واستبدالها بالقيم الإنسانية الرفيعة.

وهي رسالة إنسانية، وليست فقط رد عدوان، فليس العمل السياسي في هذا المجال يعني استبعاد أذى العنصرية، وإنما ملاحقتها، حتى تتلاشى، ذلك بأن وجودها في أي موقع كان على ظهر الأرض، إنما يستبقي احتمال استقوائها بإمكانيات تتوفر لها، لتعود بأسوأ مما كانت عليه. فمعركة الفلسطيني ضد هذه العنصرية لا بد وأن تكون شاملة، وليست محصورة فقط في عمليات مواجهة تستهدف إخماد نار هذه العنصرية حيث تطل بأعناقها، وما يترتب على إطلالتها هذه من أضرار تلحق بهذا العربي.

فلا ارتكان إلى خمود يتراءى على سطح حركة الحوادث في مجرى الزمان، وإنما لا بد من النظر عميقا في الأعماق حيث هي هذه العنصرية، حيث تتنامى بحكم التنشئة لها، وحيث تترعرع في ظروف تتوفر لها، ولا بد من الاستمرار وبكل التنبه المتوقد حيوية إلى جملة العلاقات بين هذه العنصرية وبين منابتها، وظروف تشكلها، ولا بد من التأشير بكل وضوح على هذه المنابت وهذه الظروف ومخاطرها، لا بد من الاقتراب من فضح التربية وفضح الثقافة التي تسهم في تأسيس هذه العنصرية، ولا بد من الاقتراب بالاتهام الصريح للمؤسسات التي تترعرع فيها هذه العنصرية، ولا بد من الاعتراض وبكل النباهة والحجة القوية على العلاقات التي تربط هذه المؤسسات بنظام الحكم أي الدولة.

وهنا لا بد من التفصيل بالشروحات التي تبرر هذا الاتهام وهذا الاعتراض، فلا مفر بمقتضي الضرورة من التعبئة الثقافية، في هذه الجوانب وذلك لكي تكون للوعي على اتساعه، المقدرة العلمية التي تستطيع أن تتكلم بكل حجة دامغة، وتبرر دورها بقيمته الإنسانية، التي تلح عليها، فهنا مقولة "دولة لكل مواطنيه، وهي بكل ما فيه من رفض للعنصرية، تؤسس لوعي قادر على الإطلالة على إشكاليات النظام الذي تتحدر منه العنصرية بحكم كونه بهياكله القائمة حارسا عليها وموفرا لها ظروف نشأتها. ومن هنا سياسات التفكيك للعنصرية يجب أن تتشعب، وتنطلق في كل اتجاه، تنساب في كل السعي الثقافة الإنسانية، كنبراس ودليل وبديل لهذه العنصرية الفارغة من كل حس بغير التشرنق والانطواء على جملة من نار لا يمكنها أن تقدم لغيرها غير الحريق، فالعنصرية بما بها لا تصمد بغير الانغلاق والتحجر الفكري ورفض الآخر. وهنا حيث يكمن سر بقائها، يكمن سر ضعفها وإمكانية محاصرتها، في الطريق لكتابة نصر حقيقي عليها. فزحزحة العنصرية من نطاق كلمة الوجود، هو الرد الحاسم على تواثب العنصرية على زحزحة الحرف العربي من على جدران بيت هناك في عكا.

التعليقات