31/10/2010 - 11:02

قافلة الحرية كشفت واقع إسرائيل وواقعنا أيضا../ ماجد كيالي

قافلة الحرية كشفت واقع إسرائيل وواقعنا أيضا../ ماجد كيالي
بيّنت تداعيات الهجوم على سفن قافلة "الحرية"، بأن إسرائيل باتت تعيش نوعا من العزلة، وهذا يشمل نزع الغطاء الدولي: السياسي والقانوني والأخلاقي عن السياسات التي تنتهجها هذه الدولة، في الأراضي المحتلة، متمثلة بمحاولاتها تهويد القدس، وتعزيز الأنشطة الاستيطانية، والسيطرة بالقوة على حياة الفلسطينيين، وحصارها لقطاع غزة.

وفي الواقع فإن سياسات إسرائيل باتت تشكل حرجا لحكومات الدول الغربية (وضمنها الولايات المتحدة)؛ حتى إزاء مجتمعاتها، إلى درجة أن هذه الحكومات باتت ترى في إسرائيل عبئا أمنيا وسياسيا وأخلاقيا يثقل كاهلها، ويشوه صورتها، ويهدد مصالحها الشرق أوسطية. وما يعزّز هذا الحرج أن إسرائيل لم تعد تظهر باعتبارها "واحة" للديمقراطية في صحراء الشرق الأوسط، ولا كجزيرة للحداثة في هذه المنطقة، ولا كحارس للمصالح الغربية فيها. على العكس فهذه الدولة باتت تظهر، على حقيقتها، أمام العالم، باعتبارها دولة قهرية، وعنصرية، وأصولية (دينية)، وكعامل اضطراب في الشرق الأوسط، وكآخر دولة استعمارية في القرن الحادي والعشرين!

ثمة عوامل عديدة أسهمت في تغير صورة إسرائيل، في الغرب، ضمنها انتهاء صراعات وأيدلوجيات الحرب الباردة، التي قسّمت العالم إلى معسكرين، ومسارات العولمة التي أدت (في ما أدت إليه) إلى عولمة القيم الإنسانية والحقوق الفردية والعامة (المتعلقة بالحرية والديمقراطية والمساواة والسلام والاعتماد المتبادل)، ونشوء نوع من مجتمع دولي مفتوح، أطلقته وعززته الثورة في وسائل الإعلام والمعلوماتية والاتصالات.

وبديهي فإن السياسات الإسرائيلية أسهمت في هذا التحول، من الحرب على لبنان (2006)، إلى الحرب على غزة (أواخر 2008)، إلى جريمة اغتيال المبحوح في الإمارات، مرورا بأعمال الاستيطان الاستفزازية في القدس، وصولا إلى فرض حصار جائر على مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة؛ هذا فضلا عن تملص إسرائيل من عملية التسوية مع الفلسطينيين، طوال عقدين من الزمن.

ويمكن أن نذكر في هذا السياق، أيضا، الدروس المستخلصة من العواقب الوخيمة، التي نجمت عن السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، إبان إدارة بوش المنصرفة؛ وضمن ذلك تصاعد تيارات المقاومة الإسلامية المسلحة (في لبنان وفلسطين والعراق)، وتزايد نفوذ إيران على مستوى الإقليم.

المهم في الأمر الآن أن سياسات إسرائيل باتت تخضع لنوع من رقابة مشددة، وأن ذراعها العسكرية باتت مقيّدة، وأنها لم تعد مستثناة من القوانين الدولية، وهذا ما يفسر قبول إدارة اوباما بفتح ملف التسلح النووي الإسرائيلي للنقاش الدولي، وضغطها على إسرائيل لتشكيل لجنة تحقيق بحضور دولي (بشأن الهجوم على السفن)، ووضعها رفع الحصار عن غزة على رأس الأولويات.

وإذا كان يصح القول بأن ثمة تطورات جديدة على الحلبة الدولية لاتخدم إسرائيل، وتفيد المصالح العربية، فإنه في المقابل ينبغي طرح عديد من الاستدراكات، أو المفارقات، في هذه التطورات، أهمها:

1 ـ أن الغضب الدولي على إسرائيل ينبع من تنامي مشاعر التعاطف الإنساني مع الشعب الفلسطيني، الذي يخضع منذ عقود لنير الاحتلال والاضطهاد العنصري والحصار.

والمعنى أن على الفلسطينيين أن لا يخطئوا بتفسير التعاطف معهم على انه "صكّ" على بياض، أو كأنه تأييد مطلق لأهدافهم المتباينة. فإذا كان ثمة درس يمكن استنتاجه من هذا التعاطف فهو يفيد بضرورة إقدام الفلسطينيين، بمختلف اتجاهاتهم، على صوغ مقاربات سياسية، تتضمن قيم الحرية والعدالة والمساواة والعلمانية في أهدافهم. بمعنى أن على الفلسطينيين أن يطرحوا قضيتهم بجوانبها السياسية والإنسانية والحقوقية (الفردية والجماعية).

أما الاكتفاء بالحديث عن الحق التاريخي، وطرح شعارات من نوع إزالة إسرائيل، و"خيبر خيبر يايهود"، فهي تضعف صدقية كفاح الفلسطينيين وتضر التضامن الإنساني معهم؛ لاسيما في ظرف لايملكون فيه موازين القوى الملائمة للمضي بهذه الشعارات. ولعل هذه الحقيقة تفسر نجاح السياسة التركية، على الصعيد الدولي، في مقابل انعزال السياسات الإيرانية (النجادية)، كما تفسر حرج إسرائيل في التعامل مع تركيا، قياسا للدعم الذي تحظى به سياساتها المتعلقة بإيران.

2 ـ أثبتت حادثة السفن، وحملات المقاطعة الدولية لإسرائيل، أهمية المجتمع المدني، والشبكات الاجتماعية الدولية، لنصرة شعب فلسطين، وعزل إسرائيل، وفضح سياساتها الاستعمارية والعنصرية، لكن مشكلتنا تكمن في أن المجتمعات العربية تبدو قاحلة في هذا المجال، بالنظر لتهمش المجال الاجتماعي. ومعنى ذلك أن قوى المجتمع المدني يمكن أن تشكل قوة هائلة في المجال السياسي، لاسيما بما يتعلق بتحصين دولها، ومواجهة التحديات الخارجية، وضمنها التحدي الذي تشكله إسرائيل في المنطقة العربية.

ولنا أن نتخيل وضع إسرائيل لو أن ثمة مجتمعات عربية فاعلة، وقادرة على خلق روابط مع مثيلاتها في العالم، وكم أن هذا الوضع سيوفر دماء وأموالا، في بناء الجيوش، أو في الصراعات المسلحة. ويتبع ذلك، أيضا، أن النضال السلمي /المدني لايقل في دوره عن النضال المسلح ضد الاحتلال والعنصرية، وهذا ما أكدته وقائع الانتفاضة الأولى (1987ـ1993)، وما تؤكده وقائع الهبة المجتمعية الدولية ضد سياسات إسرائيل، في هذه المرحلة.

3 ـ فلسطينيا، أثبتت التطورات الحاصلة بأن مراهنة السلطة على خيار المفاوضات لوحده لا تفيد شيئا، بل تشجع إسرائيل على المضي بسياساتها العدوانية والعنصرية والاحتلالية، بمعنى أن ثمة ما يمكن للسلطة (ولحركة فتح) أن تعمله عربيا ودوليا غير الارتهان للمفاوضات المذلة والمجحفة. فهذه الهبة الدولية المجتمعية تكاد تفكك الحصار المفروض على غزة، وهي تضغط على حكومات الدول الكبرى للجم عدوانية إسرائيل، وكبح مشروعها الاستعماري. ومعضلة السلطة أن كل هذه التطورات تجري وهي مستكينة وحائرة في أمرها، باستثناء التفرج وإصدار البيانات والمناكفة مع حماس.

وبدورها فإن حركة حماس فهي معنية باستنتاج العبر من هذا الحدث، الذي شاركت فيه بفاعلية، غير محاولة خطب ودّ الإدارة الأمريكية، عبر إبداء الاستعداد للحوار معها، والتلويح بإمكان وقف الهجمات على إسرائيل في حال انسحبت من الضفة والقطاع، بانتهاج سياسات تنتشل الساحة الفلسطينية من حال التمزق والضياع الذي تعيشه، في ظل صراع الفصيلين والسلطتين. كذلك يمكن لحماس أن تستنتج العبر من النجاح الذي حققه الخطاب السياسي التركي المعتدل ضد إسرائيل (مقابل الخطاب النجادي)، والحرج الذي سببه النضال السلمي (المتناسب مع المعايير الإنسانية الدولية) بالنسبة لإسرائيل، في مقابل الوضع الذي جرّته العمليات التفجيرية على الفلسطينيين وعلى قضيتهم، وعلى "حماس" ذاتها.

4 ـ ثمة كثير مما يمكن قوله بشأن صعود الدور التركي، من مدخل القضية الفلسطينية، في منطقة الشرق الأوسط وعلى الصعيد الدولي، لكن هذا الدور (بغض النظر عن تقييمنا له ولأبعاده التركية والاقليمية) لايمكن بأي حال أن يشكل بديلا عن أهمية استنهاض وتفعيل الدور العربي؛ وهو سؤال برسم الاطراف العربية الفاعلة.

لقد كشفت تداعيات قافلة الحرية اسرائيل على حقيقتها، ولكنها كشفت، أيضا، ضعف الواقع العربي وهشاشة الوضع الفلسطيني.

التعليقات