31/10/2010 - 11:02

قضية اللاجئين والاستراتيجية العربية والفلسطينية الغائبة../ محمد شاكر عبد الله*

قضية اللاجئين والاستراتيجية العربية والفلسطينية الغائبة../ محمد شاكر عبد الله*
قبلت تشيلي والبرازيل وربما السويد ايواء بضع عشرات من الفلسطينيين الذين شردتهم الميلشيات العراقية بعيدا عن بيوتهم في بغداد، المدينة التي لجأوا اليها منذ نكبة عام 1948 واصبحوا بمرور الوقت جزءا من الظاهرة العراقية، محتفظين بحلم العودة وآملين ان تساعدهم الحكومات العراقية المتتابعة والدول العربية الشقيقة على تحقيق هذا الحلم بأي وسيلة كانت.

وحين يتعلق الأمر باللاجئ الفلسطيني الذي يعاني الحرمان من حقوق المواطنة كلها او بعضها في البلد العربي الذي لجأ إليه، فقد لا يلام حين يعطيه حاكم ما صدقا أو لمصلحة ذاتية الأمل بأن حلم العودة بات قاب قوسين أو أدنى. وليس للفلسطيني علاقة باسلوب الحاكم وطريقة حكمه أو معاملته لشعبه: لأن الفلسطيني المحروم من حقوق المواطنة لم يكن أبدا في وضع من يستطيع المعارضة، وحتى لو تشكلت فصائل مسلحة في هذا البلد العربي او ذاك، فهي لم تكن جيوشا، ومن المفروض ان يكون هدفها مواجهة اسرائيل حينذاك، وليس التدخل في الشؤون الداخلية العربية.

حوالي الألف من اللاجئين الفلسطينيين تجمعوا على الحدود بين العراق وكل من سوريا والأردن، ولم ترحب اي دولة عربية بايوائهم. وظلوا يعانون برد الشتاء وحرارة الصيف وعصف الرمال ولدغ الأفاعي في الصحراء شهورا طويلة، وما زالوا يعانون. وهذه المعاناة ما هي الا رأس الجبل الجليدي لقضية اللاجئين الفلسطينيين وتداعياتها خلال الواحد والستين عاما التي انقضت على النكبة الفلسطينية الكبرى. فقد وصل الأمر بالأشقاء العرب الى حالة من الضيق الشديد بالقضية الفلسطينية وكل مظاهرها، بل وبالشعب الفلسطيني ويبدو ذلك في التعامل الرسميي والشعبي العربي مع الفلسطينيين، سواء على الحدود او في داخل الأقطار العربية.

وليس الفلسطينيون ملائكة فقد ارتكبوا أخطاء، وربما خطايا، سياسية واقتصادية واجتماعية سواء في فلسطين ام في الدول العربية الشقيقة. لكن وزر تلك الاخطاء مشترك بينهم وبين الأنظمة العربية التي استغلت معاناتهم، واتخذت من بعض فصائلهم وشخصياتهم أدوات تحركها لمصالحها الخاصة، وربما ضد الدول العربية الأخرى. والنتيجة المأساوية هي أن القضية الفلسطينية، التي كان من المفروض أن تجمع العرب وتوحدهم، أصبحت بسبب هذه التجاوزات الفلسطينية والعربية عامل فرقة وانقسام، وبؤرة محاور عربية واقليمية تهدد مصير القضية، وتدفع بها نحو التلاشي والتصفية.

وليست قضية اللاجئين الفلسطينيين أول قضية لجوء جماهيري جماعي في التاريخ المعاصر، ولن تكون الأخيرة: فالألمان في منطقة دانزغ التي سيطر عليها النازيون في مستهل الحرب العالمية الثانية اضطروا للنزوح عنها بالملايين بعد ان استعادتها بولندا أواخر تلك الحرب. والبغلاديشيون نزحوا بالملايين عن بلدهم إلى الهند، هروبا من بطش حكومة باكستان الغربية ايام كان البلدان في وحدة قبل انفصالهما مطلع السبعينات. وسكان تيمور الشرقية غادروها أثناء حرب الاستقلال من اندونيسيا، والعراقيون نزحوا بالملايين عن بلدهم خلال حكم صدام حسين وعقب احتلال بلدهم عام 2003، وكذلك اللبنانيون خلال الحرب الأهلية. والأمثلة كثيرة على اللجوء الجماعي بسبب الحروب والكوارث الطبيعية.

الا ان تعامل الاشقاء العرب مع قضية اللاجئين الفلسطينيين لم يكن منظما، او وفق استراتيجية محددة وثابتة. فخلال حرب 1948 لم تمنع الجيوش العربية اللاجئين من مغادرة ديارهم، وبالتالي فان قبولهم حمَّل الاشقاء العرب المسؤولية عن هذه القضية، كما هو الشأن مع الدول الأخرى التي قبلت مئات الآلاف من اللاجئين. والفارق أن تلك الدول كان لها استراتيجية محددة في التعامل مع النازحين طبقتها ولم تتراجع عنها.

وفي التعامل مع أي قضية للاجئين بهذا الحجم الهائل، فان الهدف هو حل هذه القضية بكل الوسائل المتاحة وبكل الجدية، والاستفادة من الوقت وليس تضييعه. وبمعنى آخر، فقد كان مرور هذه المدة الطويلة أكثر من كاف لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، حتى لا يكون مصيرهم مثل مئات الآلاف من اللاجئين الاندلسيين الذين طردتهم قوات الاسبان من غرناطة والأندلس قبل اربعة قرون الى سواحل المغرب والمشرق العربيين، وأصبح حلم عودتهم الى ديارهم سرابا أو أضغاث أحلام بتوالي السنين، وتغير المعطيات والوقائع العالمية.

ان أي حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يكون واضحا ومعلنا، وأن لا يخضع للدعاية والاستغلال السياسي: وهناك في واقع الأمر خياران، وخيار ثالث يجمع بينهما. الأول هو العودة الكاملة للاجئين الفلسطينيين في إطار تسوية سياسية مع اسرائيل أو من خلال مواجهة معها- مع استبعاد المواجهة في الظروف السياسية الراهنة عربيا ودوليا. والثاني هو توطين اللاجئين حيث هم وهو ما تريده اسرائيل والنظام الدولي المساند لها، أما الخيار الثالث فيتمثل في عودة جزئية وتوطين جزئي، وفقا لنسب يتفق عليها في اطار تسوية سلمية مفترضة، علما بأن الجانب الاسرائيلي يرفض أي عودة ملموسة للاجئين الفلسطينيين تحت ذريعة تغيير الطبيعة اليهودية لاسرائيل، ومقولة ان تلك العودة ستؤدي الى انهيار اسرائيل من الداخل.

وتحت كافة الظروف، فالمسؤولية عن حل قضية اللاجئين تتحملها الدول العربية والسلطة الفلسطينية: الدول العربية بحكم استضافتها لمئات الآلاف من الفلسطينيين، مما يضيف أعباء اقتصادية واجتماعية وسياسية عليها، ومن المنطقي ان تسعى الى حل هذه القضية لتتخفف من تلك الأعباء. وهذا يفرض على الأشقاء العرب أن يتحركوا بفاعلية وجدية على الساحة الدولية، بالقدر الذي تفرضه حساسية قضية اللاجئين وتداعياتها وتراكماتها - حتى لو وضعنا جانبا ما يسمى نظريا بالمسؤوليات القومية وقداسة القضية الفلسطينية ومركزيتها، وهي امور من المؤسف أنها لم تعد تحرك العمل العربي المشترك، ربما منذ حرب 1973.

وفي الأساس فإن اللاجئين الفلسطينيين يجب أن لا يكونوا كبش الفداء للعجز العربي عن حل قضيتهم، حتى من خلال ما يعرف بعملية السلام. فالهند مثلا حلت قضية لاجئي بنغلاديش بإعادتهم الى بلادهم، بعد ان شنت حربا ضارية على باكستان انتهت باقامة دولة بنغلاديش. والمانيا حلت قضية لاجئي دانزغ بتوطينهم في أراضيها. اما استراليا فقد انجزت حل قضية لاجئي تيمور الشرقية باجبار اندونيسيا على الاعتراف باستقلال تيمور الشرقية. وهذه مجرد أمثلة هناك غيرها الكثير.

خلاصة القول إن الدول العربية التي قبلت استضافة اللاجئين الفلسطينيين يجب ان لا تحملهم المسؤولية عن حل قضيتهم: فهذه الدول لها ثقل دولي، وهي قادة على التحرك خصوصا مع وجود السلطة الفلسطينية، التي اظهرت مرونة دبلوماسية لا نظير لها في التعامل مع العملية السلمية على اختلاف مساراتها. وكانت قضية اللاجئين احدى بنود للجنة متعددة الأطراف عقب مؤتمر مدريد للسلام، لكن نشاطات تلك اللجنة توقفت إثر اعلان اوسلو، وما تزال مجمدة حتى الآن.

والمهم، في كل الأحوال والاحتمالات، ان تتوفر استرتيجية عربية شاملة ومتفق عليها لحل قضية اللاجئين، وأن لا تترك لعامل الزمن الذي لا يمكن الاطمئنان الى عواقبه، خصوصا مع الضيق العربي المتزايد بالقضية الفلسطينية ككل، والتقوقع الإقليمي لكل دولة في ذاتها، و النزعة الفسيفسائية للتفكك الداخلي في العالم العربي استجابة للضغوط والمخططات والاستراتيجيات الخارجية التي لا تريد حل القضية الفلسطينية ومأساة اللاجئين الفلسطينيين. ولا تريد للعرب الاتفاق على أي استراتيجية، قد تكون تمهيدا لاتفاقهم على المزيد من التفاهمات الوفاقية في مجالات أخرى تعيد لهم ما تفرق من كلمتهم وتدفعهم للسير في درب التضامن والوحدة من جديد.

التعليقات